الجنوب الدمشقي المحاصر أشد المناطق تعقيدا على مستوى دمشق وريفها، إن لم تكن على مستوى سوريا بأكملها، لما فيها من خليط سكاني متعدد، وتوجهات مختلفة، وأخيرا فصائل وتيارات عقائدية تزيد الفرقة في المنطقة، وتسهم في زيادة تعقيد الأمور والقضايا، في ظل هذه الصعوبات والتحديات وبعد سنوات من توقف مظاهر الحياة المدنية في هذه الأحياء.
وتمكن بعض الثوار من إطلاق عدة مبادرات وفعاليات، ونشاطات تعليمية وخدمية هدفها رفع معنويات سكان المنطقة في ظل
الحصار، وانعدام وسائل الحياة.
من هذه التجارب دار ابن الأرقم الشرعي في منطقة ببيلا جنوب دمشق، وهو من التجارب الفريدة في المنطقة، حيث أن الدار سلكت المسلك الأكاديمي في
التعليم بنظام سنتين، على أربع مراحل دراسية، كما تحدث محمد حسيني الرفاعي أحد المسؤولين في دار الأرقم.
وقال الرفاعي في حديث خاص لـ "
عربي 21"، لقد "جاءت فكرة الدار نتيجة القحط التعليمي في المنطقة بعد سنوات الحصار والصراع، فاجتمع طلبة العلم فيها ورتبوا لإنشاء هذا المعهد بفكره الوسطي، حيث أن نشاط دار الأرقم تعليمي، دعوي، إرشادي، يستهدف كل الفئات العمرية الموجودة والقابلة للعلم والدعوة".
وأما عن العلوم التي يدرسها الدار فقد أوضح المتحدث أنها "تتلخص في العلوم الشرعية المتمثلة في الفقه، والعقيدة، والأخلاق، والحديث، والقرآن، والنحو، والأدب العربي، إضافة لمبادئ اللغة الإنجليزية".
وأضاف الحسيني: "هناك منهاج توافق عليه غالبية طلبة العلم، والمشايخ المتواجدين، ومنهم كان الكادر الإداري والتدريسي، حيث أن هذه الكوادر ممن لا ينتمون لفصائل عسكرية، ولا لجهات أخرى ونحن نعمل على تحصيل اعتراف بالمعهد من جهات رسمية تعليمية".
وتحدث الحسيني عن طريقة انتقاء المناهج في ظل الخلافات بين المدارس والتيارات الإسلامية الموجودة في المنطقة، وقال: "تم الاتفاق خاصة في المسائل الخلافية على ما يجمع الأمة ولا يفرقها، حيث اجتمع القائمون على الدار على أن يكون الدرس الأول عن أدب الخلاف وقبول الآخر؛ رغم الخلاف في بعض المسائل".
تجربة أخرى تعتبر من التجارب الرائدة في منطقة محاصرة مثل المنطقة الجنوبية، وهي تأسيس مركز يعمل على تأمين أطراف صناعية للمصابين الذين فقدوا أطرافهم نتيجة الحرب الدائرة في البلاد.
المركز افتتحه جيش الإسلام ليقدم خدماته للمدنيين والمقاتلين في المنطقة كما صرح لـ"
عربي 21" مسؤول المكتب الإعلامي لجيش الإسلام في جنوب دمشق معاذ الطيب قائلا: "يلبي المركز احتياجات جميع الناس من مجاهدين ومدنيين، من داخل الجيش وخارجه، ويقدم خدماته للناس مجانا، وهناك حالات كثيرة استفادت من خدمات المركز، وحصلت على أطراف جيدة تساعدها على ممارسة حياتها اليومية".
وبين معاذ الطيب أن "المركز يقوم عليه طاقم اكتسب خبرته من العمل في هذا المجال، وباستشارة أطباء في هذا الاختصاص، ومعالجين فيزيائيين، فالمركز يعتمد على التصنيع الكلي لكامل المواد اللازمة وفي كل المراحل كما يواجه تحديات كبيرة بسبب حصار المنطقة، وقلة المحروقات فيها، وندرة وجود المواد الأولية التي يعتمد عليها في تصنيع الأطراف".
وتقوم المؤسسات الإغاثية والمدنية في جنوب دمشق بالدور الفعال لتساعد الناس على تخفيف الحصار عنهم، وإيصال المساعدات إليهم، وإعادة بعض مظاهر الحياة المدنية إلى المنطقة التي غابت عنها مثل هذه الفعاليات لفترات طويلة رغم وجود أعداد كبيرة من المدنيين داخلها.