نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" (ميمو) تقريرا للأكاديمي أليكسي خلبنيكوف، يبحث فيه مدى إمكانية منافسة
إيران لروسيا، كمصدر للطاقة إلى أوروبا، وخاصة مع الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق معها، وبالتزامن مع أزمة أوكرانيا، التي خلقت توترا في العلاقات.
ويبدأ الكاتب تقريره بالقول إن "أمن
الطاقة هو أحد أهم الأولويات لأي بلد، والاتحاد الأوروبي ليس الوحيد الذي يبحث عن تحسين أمن الطاقة لديه، وخاصة بعد أن بدأت
روسيا تتعافى من فترة التقلبات، التي امتدت من تسعينيات القرن الماضي إلى منتصف العقد الأول من القرن الحالي. فالاعتماد على الطاقة المستوردة من بلد واحد أمر لم يعد ممكن التبرير على أنه لصالح الاتحاد الأوروبي، ومن أجل تقليل الاعتماد على روسيا، قام الاتحاد الأوروبي بتطوير فكرة كوريدور الغاز الجنوبي. كونها فكرة استراتيجية لتيسير جريان الغاز من بحر قزوين والشرق الأوسط إلى الأسواق الأوروبية".
ويضيف خلبنيكوف أنه "في ضوء التطورات الحديثة، مثل الصراع في أوكرانيا، وتدهور العلاقات بين روسيا والغرب، وإغلاق مشروع (ساوث ستريم)، بالإضافة إلى النتائج الواعدة لدورة المفاوضات النووية الأخيرة مع إيران، أدت إلى تكهنات باحتمال دخول منتجات الطاقة الإيرانية إلى السوق الأوروبية. ورغم هذا؛ فإن هناك شعورا بأن الدول الغربية بدأت بطبخ أرنب لم تصطده بعد. ومهما يكن، هل بإمكان إيران دخول سوق الطاقة الأوروبية متحدية الهيمنة الروسية في هذا المجال؟".
ويرى الكاتب أنه من الضروري أن نتذكر أن صناعة النفط الإيرانية ضُربت بشكل كبير، من خلال المقاطعة الدولية، والمقاطعة التي فرضتها دولا بعينها. مشيرا إلى أنه من غير المحتمل أن تستطيع إيران إعادة ضخ كميات جوهرية من النفظ إلى أوروبا، وحتى على المدى البعيد.
ويشير الموقع إلى أن الإنتاج الإيراني قد انخفض بنسبة 15% من 2004-2013، بمقدار (4.2 مليون برميل في اليوم إلى 3.5 مليون). وكان أكبر انخفاض في الفترة 2011/ 2012، عندما فرضت أشد
العقوبات عليها من عقوبات مالية وحظر
تصدير النفط، لافتا إلى أنه من الواضح أن النفط تأثر بشكل كبير بالعقوبات، وقد تراجع تصدير النفط الإيراني إلى أوروبا عام 2012، بنسبة 78% عن السنة التي سبقتها. وتمت تغطية نصيبها من السوق بسرعة من كل من ليبيا ونيجيريا.
ويذكر التقرير أنه بحسب آخر المعطيات، فإن إيران تستهلك 57% من النفط المنتج، وتصدر 31% إلى آسيا ومنطقة المحيط الهادي، ويبقى 12% للتصدير إلى مناطق أخرى.
ويجد خلبنيكوف أنه سيكون من الصعب على إيران في الوضع الحالي لسوق النفط، وأسعاره أن تستعيد نصيبها من السوق الأوروبي، فلا أحد في الأوبك يريد أن يخسر نصيبه من السوق. كما أنه لا يمكن إهمال عاملي قلة الاستثمار والبنية الصناعية المتداعية في إيران. ولذلك فلن يشكل النفط الإيراني تهديدا حقيقيا للنفط الروسي في أوروبا على المدى المتوسط والطويل.
الغاز الإيراني
ويوضح الموقع أنه بالنسبة للغاز، فإن الوضع يختلف، ومع ذلك فلن يشكل هذا تهديدا جادا للإمدادات الروسية لمدة ثماني إلى عشر سنوات.
ويبين الكاتب أنه على مدى العقد الماضي كان إنتاج إيران للغاز مثيرا للإعجاب، إذا أخذنا بعين الاعتبار العقوبات المفروضة عليها، فقد تزايد إنتاج الغاز بشكل بطيء ولكن بانتظام، حتى وصل في عام 2013 إلى 72%، مما كان عليه عام 2004، ويقدر بـ 166.6 مليار متر مكعب.
ويورد التقرير أن هذا التزايد في الإنتاج لم يتوقف حتى بعد العقوبات الصارمة التي فرضت على إيران عام 2011/ 2012. وحتى تحت نظام العقوبات كانت إيران تزيد من إنتاجها من الغاز بشكل مستمر، ولكن ببطء.
ويرى الموقع أن هذا يجعل من غير المحتمل أن تقوم إيران بضخ كميات غاز كبيرة بعد رفع العقوبات مباشرة، فالبلاد تنقصها الأجهزة الحديثة والإمكانيات والاستثمارات. وستأخذ المسألة وقتا للعودة إلى كامل الإنتاج، وحتى مع دخول استثمارات أجنبية إلى البلاد، مشيرا إلى أن تقدير الحكومة لحاجة قطاع الطاقة يبلغ 300 مليار دولار تنفق على مدى ثماني سنوات.
ويفيد خلبنيكوف بأنه بحسب الاستعراض الإحصائي لعام 2014، الذي أعدته شركة "بي بي"، فإن إيران صدرت 8.7 مليار متر مكعب، كلها إلى تركيا تقريبا، وهو ما يساوي 17% من واردات تركيا من الغاز، و0.7 مليار متر مكعب منها لجمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا. وصدرت روسيا حوالي 26.2 مليار متر مكعب لتركيا (52% من واردات تركيا من الغاز)، وحوالي 136.2 مليار متر مكعب إلى أوروبا (25-30% من وارداتها). ولأكثر من عقد قامت إيران باستيراد الغاز من تركمنستان (4.7 مليار متر مكعب عام 2013)، وهذا ما يجعلها قادرة على تصدير الغاز إلى تركيا؛ لأن إيران تحتاج إلى 97% من الغاز الذي تنتجه.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم أن تصدير الغاز الإيراني قد تزايد خلال العقد الأول من القرن الحالي، فإن الغاز الإيراني لم يصل أبدا إلى أوروبا، و لا يزال مجموع الصادرات الإيرانية من الغاز صغيرا؛ فهو يقدر بـ 9.4 مليار متر مكعب فقط خلال عام 2013، ومعظمه إلى بلد واحد، وهذا لا يجعل إيران مؤهلة لأن تغير اللعبة بين عشية وضحاها، وحتى بمساعدة أوروبية.
ويذهب الموقع إلى أن هناك عقبات أخرى أمام إيران لتدخل السوق الأوروبية وتتحدى روسيا، ليس أقلها أن إيران محدودة بطرق الإمداد الجغرافية. فالأنابيب الإيرانية يمكنها الوصول إلى أوروبا فقط عبر روسيا أو تركيا أو أذربيجان أو جورجيا، ولن تكون دول بحر قزوين المنتجة للنفط سعيدة بأن تأخذ إيران حصتها من الغاز إلى أوروبا، ولكن إذا كانت هناك استثمارات سخية، فقد يسمح للغاز الإيراني بالعبور إلى أوروبا عبر خط جنوب القوقاز أو خط عابر الأناضول المقترح، الذي يزمع الانتهاء من بنائه عام 2018، والذي سيحمل حوالي 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
ويؤكد الكاتب أن بنية إيران التحتية من الأنابيب تبقى محدودة؛ فهناك خط واحد، هو خط تبريز-أنقرة، الذي ينقل الغاز إلى تركيا، ويمكنه أن يوصل الغاز الإيراني إلى أوروبا، وتحتاج إيران إلى بناء خط ثان لتركيا؛ لزيادة إمدادات الغاز، وهذا يتطلب استثمارات ضخمة.
وينوه التقرير إلى أن هناك اتفاقية بين روسيا وتركيا لبناء خط "تركش ستريم"، الذي سيحمل الغاز من روسيا تحت البحر الأسود إلى تركيا، بواقع 63 مليار متر مكعب في العام، وسيبدأ عمله في كانون الأول/ ديسمبر عام 2016. وهذا سيجعل من تركيا محورا مهما للطاقة في المنطقة.
ويكشف الموقع أن القضية الأخرى هي أن إيران ليست لديها محطة إنتاج غاز مسال، ولا أسطول حاملات للغاز المسال، مشيرا إلى أن إنشاء شركة إيران للغاز المسال على الساحل الغربي في تومباك، سيأخذ عدة سنوات للإتمام؛ لأنه مشروع ذو تكلفة باهظة.
ويذكر خلبنيكوف أن خط أنابيب الصداقة بين إيران والعراق وسوريا، الذي كان سيربط أكبر حقل غاز في العالم "بارس الجنوبي" إلى شواطئ البحر الأبيض في سوريا، قد تم تأجيله لأسباب واضحة.
ويخلص "ميدل إيست مونيتور" إلى أنه بناء على ما تقدم فإن إيران تواجه عقبات كبيرة لتصبح مصدرة كبيرة للغاز، بما في ذلك الزيادة في إنتاجها للغاز، وإعداد البنية التحتية المناسبة لنقله، فحتى لو نجحت المفاوضات النووية المزمع عقدها أواخر هذا الشهر، وتم رفع العقوبات، فإن الحكومة في طهران تحتاج إلى الكثير من الوقت لإصلاح إمكانياتها الإنتاجية، وبناء خطوط النقل، وهذا سيجعل من غير الواقعي أن تصبح إيران مصدرا للطاقة للسوق الأوروبية في المستقبل المنظور، وهذا يجعل حصة روسيا في سوق الطاقة في أمان إلى الآن.