كشفت السفيرة
الفلسطينية ليلى شهيد عن سبب اعتزالها العمل السياسي والدبلوماسي، وقالت إن ذلك يعود ليأسها من دور المجتمع الدولي. كما تحدثت شهيد، في مقابلة أجرتها معها مجلة جون أفريك الفرنسية، عن المصالحة الوطنية الفلسطينية، وحملت المسؤولية في فشل المصالحة لحركتي
فتح وحماس معا.
وقالت ليلى شهيد، في هذا الحوار التي أجرته المجلة على هامش مشاركتها في مهرجان غناوة بمدينة الصويرة المغربية، وترجمته "
عربي21"، إنها ولدت في بيروت في سنة 1949، وبدأ وعيها السياسي يتشكل على إثر هزيمة العرب في حرب 1967، ما دفعها للانضمام لحركة فتح بقيادة ياسر عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية. ثم انطلقت منذ سنة 1989 في العمل الدبلوماسي الهادف للتعريف بالقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وأضافت ليلى شهيد إنها، بعد 25 سنة من النشاط الدبلوماسي، تشعر بمرارة كبيرة من الأوساط
الدبلوماسية الدولية، لأن الصراع غير متكافئ بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ تمتلك "إسرائيل" جيشا يرتكب أفظع الجرائم ويمارس الاحتلال، ويفرض حصارا خانقا على الشعب الفلسطيني، دون أن يخضع لأية محاسبة، فيما تكتفي الدول الغربية والعربية بالمشاهدة.
أما عن رأيها في الحكومة اليمينية الإسرائيلية الجديدة، قالت المندوبة السابقة لفلسطين لدى الاتحاد الأوروبي، إن لا شيء في هذه الحكومة يبشر بالخير، خاصة بعد أن التزم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال حملته الانتخابية بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية، وتحالف بعد الانتخابات مع نفتالي بينيت الذي يدعو إلى ضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وأفيغدور ليبرمان الذي يجاهر بعنصريته ويفتخر بها. في المقابل، يتراجع اليسار الإسرائيلي الذي أمكن في السابق التحاور معه وتحقيق بعض الاتفاقات، على غرار اتفاق أوسلو مع إسحاق رابين وشمعون بيريز، حسب قول شهيد.
واعتبرت ليلى شهيد أن العمل الدبلوماسي في ظل هذه الأوضاع أصبح أمرا لا فائدة ترجى منه، خاصة وأن الأطراف الدولية والإقليمية لا تمتلك الشجاعة لإجبار "إسرائيل" على الانصياع للقانون الدولي وتطبيق القرارات الأممية.
وقالت إن السياسة الفلسطينية يجب أن تغير استراتيجيتها تغييرا جذريا، من أجل التركيز على دعم مقاومة الناس للاحتلال، وقدرتهم على الصمود والبقاء على أرضهم أمام عمليات التهجير والمضايقات، خاصة في ظل مواصلة "إسرائيل" بناء المستوطنات، ومدها للطرقات لتسهيل حياة المستوطنين، وتشييدها للجدران لحمايتهم، في حين بقيت لدى الفلسطينيين مساحة من الأرض لا تكاد تكفي لإنشاء دولة.
أما عن اعتراف عدد من الدول والمؤسسات بالدولة الفلسطينية مؤخرا، فقد ذكرت ليلى شهيد أن 134 دولة في العالم تعترف بفلسطين، منها تسع دول أوروبية. وقالت إن هذا أمر جيد من الناحية المعنوية، ولكنه هذا غير كاف لإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب واحترام السيادة الفلسطينية، لأن الأوروبيين والأمريكان والعرب يعتبرون "إسرائيل" دولة فوق القانون، ويرفضون إجبارها على مغادرة الأراضي المحتلة، رغم أنهم سبق أن فعلوا ذلك مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الكويت والرئيس الصربي سلوفودان ميلوزوفيتش في البوسنة.
وأشارت الدبلوماسية الفلسطينية إلى توقف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع غياب أي أمل في استئنافها في ظل الوضع الراهن، بعد أن جلس محمود عباس على طاولة المفاوضات مع ثمانية رؤساء حكومات إسرائيليين منذ سنة 1993. وحتى جون كيري انتهى به الأمر إلى الاستسلام، بعد أن جرب كل القنوات الدبلوماسية، بما في ذلك التفاوض غير المباشر.
وقللت هذه الدبلوماسية السابقة من أهمية دور مجلس الأمن الدولي، بسبب سيطرة واشنطن على قراراته، وفي المقابل، أكدت على أهمية الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، لأن المسؤولين الإسرائيليين انتابهم الرعب من فكرة التعرض للإدانة في هذه المحكمة، وهي إدانة لن يمكن لهم وضعها على الرف كما يفعلون مع قرارت الأمم المتحدة، وستؤدي على الأقل إلى حرمان المسؤولين وقادة الجيش من السفر نحو الخارج، خوفا من التعرض للاعتقال.
من جهة أخرى، قالت ليلى شهيد إن مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية يمر بفترة جمود، بسبب عجز فتح وحماس عن تجاوز الاختلافات الإيديولوجية والسياسية، وحمّلت المسؤولية للطرفين للتوصل إلى حل للخلاف.
ورأت أن مسؤول الأمن السابق وعضو حركة فتح المتهم بالفساد، محمد دحلان، رغم ثرائه ورغم أنه يحظى بدعم الإمارات، لا يمكن أن يكون خليفة محمود عباس، لأن تصرفاته في السابق جعلته يخسر ثقة الناس، ولا يمكنه أن يفوز في الانتخابات حتى لو قام بشراء الأصوات، كما أن الفلسطينيين لا يريدون وضع ثقتهم في واحد من "الحرس القديم"، بل يريدون جيلا جديدا من الوجوه السياسية الشابة، القادرة على تحقيق مكاسب للشعب الفلسطيني.
وفي الختام، قالت ليلى شهيد إن اندلاع انتفاضة جديدة أمر وارد، ولا يمكن توقع كيف ومتى سيتم ذلك، لأن الشعب الفلسطيني مليء بالحياة والأمل، وروح المبادرة والصمود، ولن ينهزم رغم صعوبة الأوضاع ووحشية الاحتلال.