يعلق ضحايا
الاستبداد في
تونس آمالا عريضة على مسار
العدالة الانتقالية الذي تم تبنيه كطريقة لمعالجة مخلفات الفترة التي سبقت الثورة.
ورغم التجاذب السياسي الذي رافق مراحل تثبيت هذا المسار وتباين الآراء حول آلياته، مثل تأسيس "هيئة الحقيقة والكرامة" من قبل المجلس الوطني التأسيسي، يوم 19 أيار/ مايو 2014، أولى الخطوات في طريق تفعيله.
وقد أعلنت الهيئة عن انطلاق جلسات استماع سرية لبعض من تعرضوا للتعذيب في الفترة السابقة بداية من مساء يوم الأربعاء، ورغم حرصها على سرية بيانات من سيدلون بشهاداتهم، تمكنت صحيفة "
عربي 21" من الوصول إلى كل من ناصر حمدون وعبد اللطيف الطرابلسي؛ وهما من الذين ستستمع إليهم الهيئة خلال الفترة القادمة.
وفي لقائه مع "
عربي21"، تحدث حمدون عما تعرض له وعائلته خلال العهد السابق، واصفا إياه بـ"التعامل اللاإنساني"، مشيرا إلى أن تبعات "الترهيب" الذي تعرض له هو زوجته ما زالت سارية إلى حد الآن، خاصة وأن زوجته لا زالت تعاني من مخلفات نفسية سببها الاقتحام المتكرر لمنزلهم من طرف قوات الأمن في كل الأوقات، وما يرافق اقتحامهم دوما من تخويف و"إرهاب"، حسب تعبيره.
وعبر حمدون عن دعمه للهيئة وعملها، وقال بأنه يأمل أن يفضي مسار العدالة الانتقالية إلى اعتراف من عذبوه وأرهبوه وطلب الصفح منه على الأقل، وبأنه وكل أمره إلى الله، وبأن العدالة الإلهية أعدل من عدالة الأرض.
وفي السياق ذاته، وفي تصريح لـ"
عربي 21"، قال عبد اللطيف الطرابلسي إن ظروف المتضررين من النظام السابق "سيئة"، وإن أفق العدالة الانتقالية غير واضح بالنسبة له، وإنه لم يتم تقديم أجوبة حول مصير الذين أشرفوا على تعذيب الناس والتنكيل بهم، خاصة وأنهم إلى اليوم يحافظون على مناصبهم في أجهزة الأمن.
وقال الطرابلسي إن أهم الانتظارات التي تجمع المتضررين تتعلق أساسا بالملف الاجتماعي، فرغم أن المتضررين من السجون والتعذيب يستحقون عناية طبية ونفسية خاصة، إلا أن القطاع الصحي يتعامل معهم كباقي المرضى.
وتحدث الطرابلسي عن مسألة المعاشات، التي اعتبرها تمثل هاجسا لدى من طردوا تعسفيا من عملهم في الفترة السابقة، خاصة أن أغلب مؤسسات الدولة لم تفعل بعد بنود قانون العفو التشريعي العام والقاضية بتعويض السنوات التي قضوها خارج وظائفهم.
وأضاف الطرابلسي أنه قدم للهيئة ملفا صحيا وملفا يحوي طلباته من تعويض ومحاسبة من نكلوا به لفترة تتجاوز ثلاثين سنة، وأنه ليس مستعدا للتفريط في أي حق من حقوقه.
وقد عقدت هيئة الحقيقة والكرامة، وهي الهيئة التي تم تأسيسها لإدارة ملف العدالة الانتقالية في تونس، ندوة صحفية يوم الأربعاء 27 أيار/ مايو، ندوة صحفية في مقرها المركزي بمنطقة مونبلزير بالعاصمة، بمناسبة الانطلاق في جلسات الاستماع الفردية لأصحاب الملفات الذين أودعوا شكايات وعرائض لدى الهيئة بصفتهم متضررين.
وأوضحت سهام
بن سدرين، رئيس الهيئة، أن الهيئة تلقت 12 ألفا و700 ملف شكاية تتعلق بانتهاكات تم تسجيلها بين التاريخية تموز/ يوليو 1955 و 31 كانون الأول/ ديسمبر2013.
وقالت بن سدرين إن الهيئة كفل لها القانون الذي أسسها تنظيم جلسات استماع مع المتضررين من أجل تلقي إفادة الضحية والتحاور معه والإجابة على بعض الأسئلة حول الانتهاكات التي تعرض لها وأشكالها، بهدف تكوين قاعدة بيانات ستساعد الهيئة في عملها خلال المراحل القادمة.
وأوضحت بن سدرين أنه سيقع في مرحلة أولى الاستماع للضحايا في كنف السرية التامة مع حفظ بياناتهم ومع التكتم على المعلومات التي تقدمها كل ضحية، بحسب ما يفرضه القانون، وأن الجلسات السرية ستعقبها جلسات علنية مفتوحة لوسائل الإعلام والرأي العام.
وأعلنت بن سدرين أن جلسات الاستماع ستتواصل لمدة سنتين، وأن البداية ستكون عبر الاستماع لضحايا مدن تونس الكبرى (محافظات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) خلال 15 يوما بداية من مساء الأربعاء.
وإجابة على ما أثير في وسائل الإعلام حول خلافات بين الهيئة ومؤسسة رئاسة الجمهورية، حول تمكين الهيئة من النفاذ إلى الأرشيف الرئاسي، قالت بن سدرين إنه تم تجاوز الخلاف، وأشادت بتجاوب مؤسسات الدولة مع عمل الهيئة، والتزام رئاسة الجمهورية بمسار العدالة الانتقالية، واستمرارية الدولة، ورغبتها في احترام القانون وتوفير كل الظروف الملائمة لولوج الهيئة لأرشيف الرئاسة الخاص بفترة ما قبل كانون الثاني/ يناير 2015.