مقالات مختارة

بعيدا عن الشرق الأوسط: الإبادة العرقية لشعب الروهنغيا

رمزي بارود
1300x600
1300x600
بينما تناضل أوروبا في سبيل إيجاد حلول للمهاجرين الفارين من الحرب في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، يتعرض "شعب القوارب" الأصلي في بورما إلى البطش والاضطهاد.
 
“لا، لا، لا.” كان ذلك رد رئيس الوزراء الأسترالي طوني أبوت على سؤال وجه إليه حول ما إذا كانت بلاده ستستوعب أيا من لاجئي الروهنغيا البالغ عددهم 8000 والذين ينتظرون الإغاثة في عرض البحر. ومنطق أبوت عديم الشفقة، تماما كقراره تجاهل استغاثات أكثر أقلية تتعرض للاضطهاد في العالم في أحلك ساعاتها، حيث يقول: "لا تحسبن أن امتطاءك لقارب متسرب يديره مهربو البشر سوف يعود عليك أو على عائلتك بأي خير".
 
ولكن أبوت ليس الطرف الأساسي في المعاناة المستمرة للروهنغيا، تلك المجموعة الإثنية المسلمة التي تعيش في ميانمار، أو بورما، بل كل دول منطقة جنوب شرق آسيا ملامة في ذلك، حيث أنها تجاهلت ولأعوام عديدة مشكلة الروهنغيا. فبينما كان شعب الروهنغيا يتعرض للتطهير العرقي، وتحرق قراهم عن بكرة أبيها، ويجبرون على الانتقال إلى معسكرات إبادة أو يتحولون إلى رقيق، كانت بورما يحتفى بها من قبل مختلف القوى الغربية، والآسيوية على أنها قصة نجاح في تحول الطغمة العسكرية الحاكمة إلى الديمقراطية.
 
في تقرير لها من العاصمة البورمية يانغون، قالت وكالة الأسوشيتد بريس: "بعد أن انتقلت ميانمار من الدكتاتورية إلى الديمقراطية في عام 2011، وفرت حرية التعبير المكتسبة حديثا صوتا للمتطرفين البوذيين الذين استغلوا الأوضاع الجديدة لنشر الحقد والكراهية ضد الأقلية الدينية بادعاء أن المسلمين كانوا يسيطرون على البلاد".
 
تسببت "حرية التعبير المكتسبة حديثا" في فقدان مئات الأشخاص لأرواحهم، وخسارة الآلاف لبيوتهم وأراضيهم، ونجم عنها "إخراج ما يقرب من 140 ألف نسمة من شعب الروهنغيا من ديارهم حيث يعيشون الآن في معسكرات للنازحين لا تختلف أجواء المعيشة فيها عن تلك التي كانت سائدة في زمن النظام العنصري أو الأبارتيد".
 
بينما يمكن للمرء أن يقبل بفكرة أن حرية التعبير يمكن في بعض الأحيان أن تفتح الباب أما من يرغب في نشر الحقد والكراهية، إلا أنه ليس صحيحا على الإطلاق أن الديمقراطية التي يفترض أن بورما تحولت إليها مؤخرا هي السبب في اضطهاد الروهنغيا. فما يتكبده هؤلاء الناس من معاناة مستمرة يعود إلى عقود طويلة مضت ويعتبر أحد أسوأ الفصول، وأكلحها في التاريخ الحديث لمنطقة جنوب شرق آسيا. 

لقد تحول اضطهاد هؤلاء الناس إلى ما يشبه السياسة الرسمية منذ أن رفض النظام منحهم الجنسية في عام 1982 بالرغم من أنه يعتقد على نطاق واسع بأنهم ينحدرون من التجار المسلمين الذين كانوا قد استقروا في أراكان وفي غيرها من المناطق البورمية قبل ما يزيد عن ألف عام. وحتى أولئك الذين يلجأون إلى البحر هربا من قسوة الحياة في بورما لا يجدون بسهولة النجدة التي يمنون أنفسهم بها. 

جاء في تقرير للبي بي سي ما يلي: "في ميانمار تفرض عليهم العبودية والأشغال الشاقة، ولا يتمتعون فيها بحق امتلاك الأراضي، ويقيدون بكل أنواع الأغلال، وأما في بنغلاديش فكثيرون منهم يعيشون في فقر مدقع، ولا يملكون أوراقا رسمية ولا تتاح لهم فرص العمل".
 
لا تكاد تجد من الدول من يعبأ بأوضاع الروهنغيا، وذلك بسبب أن كثيرا من الأطراف مهتمة بالترويج لسراب الديمقراطية الناشئة في بورما، وهي نقطة التقاء نادرة تجتمع عندها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودول الآسيان (رابطة أمم جنوب شرق آسيا). وبالرغم من إعلان كل من ماليزيا وإندونيسيا عن استعدادهما لتوفير استضافة مشروطة للناجين من لاجئي الروهنغيا الذين يعلقون في البحر لأيام عديدة، إلا أن المنطقة بأسرها "لا ترحب بهم" حسب ما صرح به كريس ليوا، الناطق باسم مجموعة نشطة تعرف باسم "مرشوع آراكان". يقول كريس ليوا: "على النقيض مما هو عليه حال البلدان الأوروبية –التي تبذل جهدا على الأقل للحيلولة دون غرق المهاجرين القادمين إليها من شمال أفريقيا في البحر المتوسط – تتردد الدول المجاورة لميانمار في تقديم أي مساعدة على الإطلاق".
 
من المؤكد أن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب الروهنغيا قد ساعدت في فضح آلهة الديمقراطية الزائفة من مثل أونغ سان سوو كيي، التي فازت بجائزة نوبل للسلام، والتي مارست الصمت المخزي إزاء ما يجري إن لم تكن في الحقيقة متورطة في السياسات العنصرية، والممارسات العنيفة التي تمارسها الحكومة ضد الروهنغيا، ولكن هل يجدي ذلك نفعا؟
 
لا تقل قصص الناجين ترويعا عن قصص أولئك الذين يموتون غرقا في البحر، وقد تركوا بلا طعام ولا ماء، وحتى بلا وجهة واضحة في كثير من الأحيان، وكانت قناة الجزيرة قد عرضت برنامجا وثائقيا في نهايات العام الماضي وردت فيه بعض من هذه القصص.

قضى محب الله سبعة عشر يوما في قارب تهريب، وشاهد بأم عينيه أحد الرجال يحمل ويلقى به في الماء، ولدى وصول القارب إلى السواحل التايلندية وضع مع آخرين في شاحنة أوصلتهم إلى معسكر داخل الغابة يغص بمئات اللاجئين وبالمسلحين، وهنا تضاعفت مأساته، حيث قيد وعذب لمدة شهرين لانتزاع فدية من عائلته مقدارها ألفي دولار أمريكي. ورغم تعرضه للضرب المبرح بشكل منتظم، إلا أنه كان يشعر بأسى أكبر حيال النساء اللواتي كن يسحبن إلى داخل الغابة ويغتصبن، وكانت بعضهن تباع كالإماء، ويفرض عليهن البغاء أو الزواج. مثل هذه الحوادث المرعبة ترد في تقارير يومية صادرة عن منظمات حقوق الإنسان، إلا أن معظمها لا يجد طريقه إلى وسائل الإعلام لأن معاناة الروهنغيا لا تعتبر "قضية ملحة" نعم، ذلك ما يحدث عادة، حيث أن حقوق الإنسان لا قيمة لها إلا إذا ارتبطت بقضية مهمة ذات وزن سياسي أو اقتصادي معتبر. ومع ذلك تتسرب قضية الروهنغيا إلى نشرات الأخبار في بعض الأوقات بطريقة أو بأخرى، كما حدث في يونيو من عام 2012 ولشهور تلت حينما انطلق البوذيون الراخين يعيثون في الأرض فسادا يدمرون ويحرقون القرى، ويشعلون النار في البشر، وهم أحياء على مرأى ومسمع من الشرطة البورمية. وتصادف ذلك مع الإعلان عن ترقية بورما ورفعها من قائمة الدول المنبوذة بمساندة من الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية.
 
ليس من السهل تسويق بورما على أنها بلد ديمقراطي بينما يجري اصطياد الناس كالحيوانات ويفرض عليهم العيش في معسكرات بائسة تعيسة، محصورة بين الجيش والبحر، حيث لا مهرب سوى قوارب التهريب عبر بحر أندامان. ربما توجب على أبوت القيام ببعض الدراسة والبحث قبل أن يلقي باللائمة على الروهنغيا بسبب ما هم فيه من مأساة. أو ربما تكون مناورة الديمقراطية قد نجحت حتى الآن، وذلك أن العديد من الشركات الدولية افتتحت لنفسها مكاتب في يانغون، وتعد نفسها لجني الأرباح الطائلة، إلا أن ذلك يحدث بينما يعيش مئات الآلاف من الأطفال والنساء في أقفاص كالحيوانات داخل بلادهم، أو بينما هم عالقون في البحر، أو محتجزون داخل غابة مجاورة بانتظار من يدفع فدية لتحريرهم من الأسر.
 
ينبغي على دول الآسيان (رابطة أمم جنوب شرق آسيا) أن تفهم أن علاقات الجوار الطيبة لا تعتمد فقط على التجارة، وأنه يتوجب محاسبة من ينتهكون حقوق الإنسان ومعاقبتهم على جرائمهم. لا ينبغي ادخار وسع في مساعدة الروهنغيا الفارين من العذاب، ويجب ممارسة الضغط الدولي على يانغون حتى تتخلى عن غطرستها التي تثير الحنق والغضب. فحتى لو قبلنا بأن الروهنغيا ليست أقلية قائمة بذاتها – كما تدعي الحكومة البورمية، فإن ذلك لا يبرر بحال القمع الذي لا يطاق والذي يتعرض له أبناؤها وبناتها منذ سنين، ولا يبرر بحال أعمال التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارس ضدهم من حين لآخر. سواء كانوا أقلية أم لم يكونوا، فهم قبل كل شيء بشر، ويستحقون الحماية الكاملة بموجب القانون المحلي والقانون الدولي.
 
إذا كنا لا نطالب الولايات المتحدة وحلفاءها شن حرب أو فرض عقوبات، فإن أقل ما يتوقعه المرء هو ألا تكافأ بورما على ديمقراطيتها الزائفة بينما تمارس القمع والتعذيب بحق الأقليات داخل مجتمعها. وإن أي إخفاق في إنجاز ذلك يفرض على منظمات المجتمع المدني إطلاق حملات مقاطعة ضد الشركات التي تتعامل مع الحكومة البورمية. أما فيما يتعلق بالسيدة أونغ سان سوو كيي، فلا يمكن للمرء أن يتفهم ولا أن يغفر لها إخفاقها الأخلاقي الذريع، الشيء المؤكد هو أنها لا تستحق جائزة نوبل، لأن مواقفها الحالية تتناقض بشكل تام مع روح وأهداف تلك الجائزة.
التعليقات (1)
مفيد بلعاوي.
السبت، 30-05-2015 05:07 ص
قانون الغاب بقيادة اوباما