نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلا لسيلفانا توسكا، تقول فيه إنه بالرغم من الهدنة الإنسانية فإنه وبعد شهرين من العملية العسكرية التي تقودها
السعودية في
اليمن لا تبدو النهاية قريبة. وقد سبب التدخل دمارا واسعا في البلاد، وعمّق الخلافات بين الفصائل اليمنية، ولم يفعل شيئا لتحقيق الاستقرار في اليمن.
وتقول الكاتبة إن السعودية لم تحقق أهدافها العسكرية، ولكن لفهم المنطق الذي دفع إلى التدخل يجب محاولة فهم أهدافها الإقليمية والمحلية. وتضيف أن هناك هدفين معلنين لـ"عاصفة الحزم"، وهما إعادة حكومة عبد ربه منصور هادي الشرعية، ودحر الحوثيين، الذين لا ترى فيهم السعودية سوى ألعوبة في يد
إيران.
ويستدرك التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، بأن هناك أيضا هدفين غير معلنين، وهما ضمان استقرار النظام السعودي، وسحق أي معارضة لذلك النظام. وتقول توسكا إنه بناء على هذه الأهداف الأربعة نستطيع تقييم التدخل العسكري السعودي في اليمن.
وتجد الصحيفة أنه بالرغم من أنه يجب عدم رؤية الحوثيين على أنهم دمى في يد إيران، فإن هناك سببا لدى السعودية والدول العربية لتصويرهم كذلك، فإن شبح التهديد الإيراني أكبر مما هو في الواقع، ما دفع الدول العربية إلى تكرار الحديث عنه وجعله واقعا سياسيا. وبسبب الأحداث الإقليمية، وخاصة الدعم الإيراني للجهات الفاعلة في سوريا والعراق، ما يدفع السعودية للمبالغة في رد الفعل لمثل هذا التهديد، ولتضخيمه لدعم شرعيتها محليا، وتبرير تطلعاتها الإقليمية.
ويوضح التقرير أنه من وجهة النظر السعودية؛ فإن إيران هي الرابح الأكبر منذ عام 2011، فحليفهم في سوريا لا يزال متشبثا بالسلطة، وحزب الله أقوى من قبل، وهناك حاجة لإيران في محاربة تنظيم الدولة، وستوقع اتفاقا نوويا مع الولايات المتحدة، وسيتحرك مركز الجاذبية السياسية تجاه إيران، مشيرا إلى أنه في الوقت ذاته أحدث الربيع العربي هزة في السعودية، متمثلة بالثورة الخاصة في المنطقة الشرقية، ما يجعل النظام مدركا للمخاطر المحيقة به.
وتورد توسكا أن التدخل الذي خطط له على عجل في اليمن، والذي تسبب بدمار كبير فيه، هو تطور مؤسف للأحداث، بحسب المبعوث السابق للأمم المتحدة جمال بن عمر، حيث كانت الفصائل اليمنية على وشك البدء في التفاوض، وكانت السعودية تعرف ذلك.
وتتساءل الصحيفة: لماذا تدخلت السعودية، وهي تعلم أنه كان باستطاعتها المساعدة لتسهيل المفاوضات، والتأثير على نتائجها، خاصة أن الحوثيين واجهوا معارضة محلية قوية؟.
وتقول الكاتبة إن الجواب ببساطة هو لأنها كانت تريد حربا، ولم ترد حلا تفاوضيا يبقى فيه
الحوثيون شركاء في الحكم، ولأن ذلك كان سيحرم السعودية فرصة فرض نفسها على أنها لاعب عسكري إقليمي.
وتشير الصحيفة إلى أن السعودية كانت دائما قوة اقتصادية، ولكن بالرغم من نفقاتها الدفاعية الضخمة، فإن الحوثيين هزموها خلال العقد الماضي. فسواء كان الحوثيون دمى إيرانية أم لا، فإن السعودية تريد أن تقول لإيران بأنها مستعدة لمحاربة وكلائها في المنطقة.
وتستنتج توسكا من تقليل السعودية من شأن دور القيادات العسكرية اليمنية في المنفى، مثل الجنرال علي محسن وغيره من المسؤولين اليمنيين في الرياض، بأن السعودية تريد أن تكون هي الوجه لهذه الحرب، وهذا لا يعني أن تتسامح مع حلفائها إن هم قصروا، فقد هددت مصر بتأخير المساعدات، عندما تلكأت الحكومة المصرية في موضوع إرسال قوات برية إلى اليمن.
ويلفت التقرير إلى أن هذا التدخل آتى أكله على المستوى المحلي، على الأقل إلى الآن، فأكبر مشكلتين تعاني منهما السعودية هما البطالة في صفوف شبابها، وكبر سن قادتها حتى فترة قريبة. وكان المواطنون الشباب مصدر قلق للنظام خلال ثورات 2011، ولذلك يجب دراسة التدخلات السعودية في المنطقة في ضوء هذه المخاوف. ولكن وبعد خمس سنوات من الثورة في تونس من الصعب التصور بأن الشباب السعودي لديه الدوافع للتحرك، بعد رؤيته فشل الثورات في مناطق أخرى.
وتذكر الصحيفة أن الحرب في اليمن أدت خدمة لكونها عدت رادعا إضافيا لمثل هذه التحركات، بل وحركت مشاعر الوطنية السعودية، وجمعت الشعب حول العلم، وكان إبداء المعارضة العلنية للحرب قد يؤدي بالشخص إلى السجن.
وتجد الكاتبة أنه من الصعب قياس مدى معارضة الحرب في الشارع السعودي، ولكن الخطاب ضد إيران قوي، ويعكس الإعلام التقليدي ومواقع التواصل تأييدا وفخرا بأفعال الملك. وتقول توسكا: "قابلت ثلاثة من المنتقدين الدائمين للنظام في السعودية، إلا أنهم كلهم يؤيدون الحرب في اليمن. وعدم إرسال قوات برية يبقي الشعب السعودي بعيدا عن تكاليف النزاع، ما يقلل من الضغوط على الحكومة، بالرغم من الشك بتحقيق انتصار عسكري بهذه الطريقة".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه أهم نتيجة محلية للعملية في اليمن أنها سمحت للملك سلمان أن يقوم بتغييرات هي الأكبر في تاريخ القيادة العليا للسعودية. فالوضع الصعب في اليمن، وتحفظات أمريكا على الحرب في اليمن، والتهديد الإيراني، وتردد الحلفاء، كلها جعلت النخبة الحاكمة تلتف حول الملك، فاستطاع أن يزيح ولي العهد من منصبه، ويعيّن مكانه وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، وابنه الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، وهذه أول مرة تنتقل فيها ولاية العهد لجيل أحفاد الملك عبدالعزيز. ومن المهم أيضا أن الرجلين هما مثل
الملك سلمان من عائلة السديري. ولكون القرار يبدو أنه لم يكن مجرد قرار ملكي، بل اتخذ من مجلس الأمراء، فإن هذا يعطيه شرعية أكبر.
وتفيد الصحيفة بأن هذين الأميرين هما من أقوى مؤيدي الحرب في اليمن، وكذلك وزير الخارجية الجديد، وهو أول وزير خارجية من خارج العائلة المالكة، عادل الجبير، الذي عمل إلى الآن سفيرا في الولايات المتحدة؛ ولذلك فإن الملك حلّ ثلاث قضايا مختلفة، وهي قضية الزعامة المسنة، حيث عيّن أمراء صغار السن لولاية العهد، وقوّى الجبهة الداعمة للتدخل، كما أن الأمير محمد بن نايف وعادل الجبير مقربان من أمريكا، وفي هذا تعزيز لعلاقة المملكة مع أمريكا.
وتعتقد توسكا أنه في وقت تشعر فيه السعودية بأنها مهددة من التجاوزات الإيرانية والصفقة النووية، فإن هذه تحركات سياسية حكيمة. أما اجتماع كامب ديفيد وتصرف السعودية، فجعلها في أعلى قائمة الأجندة الأمريكية، إلا أن عدم حضور الملك سلمان الاجتماع شخصيا تسبب بشيء من القلق لدى إدارة أوباما، وقد ولد غضب السعودية في اليمن الاهتمام المرجو.
وينوه التقرير إلى أن المؤشرات كلها تقول إن اليمن سيبقى يعاني كارثة في المستقبل القريب، ولكن وإلى حد بعيد، فقد حققت السعودية أهدافها المرجوة، فقد أرسلت رسالة لإيران تقول إنها ستحارب وكلاءها إن كانوا حقيقيين أو خياليين. وأرسلت رسالة للشعوب العربية بأنها ستقف مع الأنظمة ضد أي حركة تحاول إسقاطها، كما أثارت المشاعر الوطنية، وعززت النظام الحاكم.
وتخلص الكاتبة إلى أنه بعد تحقيق السعودية للأهداف الداخلية بنجاح، وإلماحها إلى نواياها دوليا، سيكون من الحكمة أن توقف قصفها، وتسمح بحل عن طريق تفاوض الفصائل اليمنية كافة، حيث أنها إن استمرت في القصف دون تحقيق انتصار عسكري، فإن هذا سيقوض أحد أهداف الحملة، ألا وهو ردع إيران عن التدخل. فقد تكون مغامرة السعودية بأن تزعزع الاستقرار في اليمن لن تدوم طويلا، ولكن كلما استمر القصف تصبح المغامرة أخطر، وعلى السعودية أن تتوقف وهي متفوقة.