هاهي تقارير الإدانة الدولية تتوالى ضد إنتهاكات سلطة الانقلاب الحاكمة في مصر لحرية الاعلام بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)، لم يخلو تقرير أي منظمة حقوقية دولية من رصد كم هائل وخطير من الطعنات التي تبدأ بمجرد الاحتجاز المؤقت أو الحبس الممتد، وتنتهي باطلاق النار في سويداء القلب.
ومع ذلك يتبجح قائد الإنقلاب بأنه لايتدخل في عمل الإعلام، وأنه يريد كل الخير للصحافة والصحفين، ويريد هذا الجنرال من الصحفيين أن ينسوا جرائمه بحقهم، وأن يتلفوا حوله، بل أن يعزفوا سيمفونية حب له، وهو ما كشفته التسريبات الصوتية التي بثتها
قناة مكملين الفضائية مؤخرا وفيها يطلب مدير مكتبه عباس كامل ممن وصفهم بـ"الاعلاميين بتوعهم" أن "يعملوا حالة يهيجوا بيها الناس" دفاعا عن
السيسي الذي كان مجرد مرشح وقتها، وهي السياسة التي إستمرت بعد ذلك وحتى يومنا هذا.
وقد عنوت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين تقريرها "نحن موافقون تماماً: الإعلام المصري في عهد الرئيس السيسي" وقال التقرير إن الإعلام في مصر بات يمثل بشكل أساسي صوت الدولة العسكرية، واليوم، يجري تطهير الأثير من الكثير من مقدمي البرامج التلفزيونية الذين بروزا بعد ثورة 25 يناير أو بسببها، أو الذين يُعتبر تأييدهم للسيسي دون مستوى المتحمُّس- وذلك عبر إجراءات تنظيمية إعلامية داخلية في الغالب".
أما منظمة فريدوم هاوس فقد كشفت في تقريرها أن "مصر إحتلت درجة 73 (من أصل مئة نقطة) و"هو الأسوأ خلال 11 عاماً، محرزة ليس تراجعاً في المكاسب التي حققتها بعد إسقاط حسني مبارك بل انحدارا باتجاه السنوات الأكثر قمعاً من نظام مبارك"، وذلك "بسبب إلقاء القبض على الصحفيين، وعدد من الدعاوى القانونية المعيبة بشكل كبير والتي تمخضت عنها عقوبات قاسية لصحفيين وعاملين في وسائل الإعلام، فيما أدت الأجواء العدائية إلى زيادة للرقابة الذاتية وتدهور في تنوع وسائل الاعلام مع تحول العديد من وسائل الإعلام إلى أنصار متحمسين للنظام".
ووفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود إحتلت مصر الترتيب 159 في مؤشر
حرية الصحافة من بين 180 دولة خلال العام المنصرم.
أما المرصد العربي لحرية الإعلام فقد وثق المزيد من الإنتهاكات خلال الشهور الخمسة الماضية لتضاف إلى قائمة طويلة من الإنتهاكات السابقة منذ إنقلاب الثالث من يوليو 2013 ، حيث قتل صحفيان أحدهما داخل مصر وهو شريف الفقي ( في أحداث أستاذ الدفاع الجوي) والثاني في ليبيا وهو المصور محمد جلال ليلحقا بعشرة صحفيين سبقوهما على الدرب، دون أن يعاقب أي من قتلتهم، وليحبس منذ مطلع هذا العام 7 صحفيين جدد بالخالفة للدستور المصري ذاته ليرفعوا عدد السجناء إلى 109 صحفي وإعلامي دون أن يجدوا من ينقذهم من غياهب السجون، وقد أضيف غلى هؤلاء صحفي جديد لحظة كتابة هذا المقال وهو أحمد القاعود الذي تم مداهمة منزله واحتجازه للمرة الثانية.
وقال المرصد إن قضية واحدة ضمت 16 إعلامي هي قضية المركز الإعلامي في رابعة ، وأن أحدهم حكم بالإعدام وهي المرة الأولى التي يصدر فيها هذا الحكم بحق صحفي في مصر، كما حكم على ال15 بالمؤبد وهو أقسى حكم يصد ر ايضا بحق مجموعة من الصحفيين المصريين عبر التاريخ كله.
وإلى جانب القتل والاصابات والحبس شهدت الشهور الماضية المزيد من القيود على حرية الإعلام، وإغلاق بعض الوسائل الاعلامية أو مداهمتها أو وقف برامج على خلفيات سياسية، ولعل الحالة الأبرز هنا هي إغلاق قناة رابعة الفضائية التي تبث من تركيا بضغوط مصرية على إدارة القمر الصناعي يوتل سات وذلك يوم 30 إبريل 2015 ، وسبقها إغلاق قناة سوريا الغد التي تبث من مصر، مع مداهمة وتحطيم محتويات إحدى شركات الخدمات الإعلامية بظن أنها تمثل مكتبا لقناة العربي اللندية في القاهرة، وهي القناة التي تعرضت إعلاناتها أيضا للتحطيم في شوارع القاهرة من قبل جهة حكومية رغم سدادها رسوم إيجار تلك اللوحات.
غيض من فيض إمتلأت به تقارير عالمية وإقليمية، كفيل بوضع مصر (في ظل الإنقلاب)على رأس قائمة الدول الأكثر إنتهاكا لحرية الصحافة وفقا لأي معيار عادل، لكن المشكلة أن الكثير من المنظمات الحقوقية لاتوثق كل حالات الإنتهاكات، سواء بسبب فني أو لسبب متعمد وفقا للقناعات السياسية للباحثين التابعين لتلك القنوات في القاهرة، والذين يضمرون عداء للتيار الإسلامي صاحب نصيب الأسد من تلك الانتهاكات قتلا ومداهمة وحبسا...
وكنموزج على القصد العمدي لبعض المنظمات في إخفاء جزء كبير من الحقائق فقد تواصلت شخصيا مع لجنة حماية الصحفيين مستنكرا عدم ضمهم للعديد من الاسماء المعروفة -بالإسم والرسم وجهة العمل ومكان الواقعة - ضمن قائمة قتلى الصحافة منذ وقوع الإنقلاب، وكان الرد أن معايير اللجنة هي التي حالت دون ذلك، ومن هذه المعايير أنها تتعامل فقط مع صحفيين محترفين، وأنها تستوثق من قتل الصحفي خلال مهمة عمل رسمية من مؤسسته، ولكنني بمطالعة سجلات المنظمة وجدت أنها أضافت في تقارير سابقة إسما مثل فرج فودة وهو غير صحفي بالمرة، كما ضمت أسماء لصحفيين لايعملون بشكل محترف في مؤسسات صحفية، فقط لأنهم مسيحيين كما ظهر من أسمائهم.
من الواجب علينا أن نحيي المنظمات التي تعاملت بهمنية وحيادية مع الانتهاكات، ومن واجبنا أيضا أن نكشف المتاجرين بحقوق الإنسان الذين يتخلون عن مهنيتهم في هذه القضية الحساسة، وعلى هؤلاء أن يدركوا أنهم لايمكنهم أن يسوقوا الوهم للصحفيين أو "يبيعوا المياه في
حارة السقايين"، وحتما ستفقد منظماتهم مصداقيتها إن لم تتخلص منهم ، أو على الأقل تعيد تأهيلهم، وتوجيههم إلى الوجهة الصحيحة.
أما زملائي المحبوسين ظلما وعدوانا في سجون مصر والذين لن ندخر جهدا للدفاع عنهم فاقول لهم بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أنكم أثبتم أن في صحافة مصر رجال لايقبلون الضيم ولاينزلون على رأي الفسدة، ولايعطون الدنية في دينهم أو دنياهم أو مهنيتهم، قابضون على جمر الحق والحقيقة مهما كلفهم ذلك من ثمن، وأن جهدكم وجهادكم لم ولن يذهب هباء، بينما لن يتذكر الناس غيركم ممن خدعوهم وضللوهم وحرضوهم على العنف والقتل من الإعلاميين سوى باللعنات لأن الزبد سيذهب جفاء ولأن ما ينفع الناس هو الذي يمكث في الأرض.