نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول جامعي
النفايات في
مصر ودورهم الاقتصادي والبيئي، ورد فيه أن العاملين في هذا القطاع ما زالوا يعيشون على هامش المجتمع رغم أنهم استقروا منذ أكثر من قرن في ضواحي القاهرة، ويساهمون في حماية
البيئة من خلال إعادة تدوير 80 في المئة من القمامة التي يجمعونها يوميا في العاصمة المصرية.
وأشارت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أهمية دور جامعي القمامة الذين يسمون في مصر بـ"
الزبالين"، خاصة وأن القاهرة استنفدت كل قدراتها على الاستيعاب منذ وقت طويل، وتحولت إلى مدينة عملاقة على غرار بكين وبومباي ولاغوس، وأنها أصبحت تعاني من التلوث، ما جعل سكانها البالغ عددهم 17 مليونا يكافحون من أجل العيش، ويسعلون أكثر مما يتنفسون، ويعيشون في أحياء هي أشبه بالمدن.
وأشارت الصحيفة إلى أن عشرات الآلاف من "الزبالين" الذين يعيشون في القاهرة يلعبون دورا حيويا في المحافظة على هذه المدينة، ونجدهم في منشية نصر في حي المقطم، حيث توجد محرقة ضخمة للنفايات تمثل سببا للاختناق بالنسبة للبعض، وتمثل في ذات الوقت مصدرا هاما لاستخراج المواد الثمينة وإعادة تدويرها للبعض الآخر.
وبحسب الصحيفة، يخرج هؤلاء "الزبالون" قبيل بزوغ الفجر، وينتشرون في أرجاء المدينة على متن سيارات النقل الخفيفة والعربات المجرورة، من أجل جمع وتفريغ وفرز الحاويات. وفي خضم سباقهم المحموم من أجل حصول على أكثر ما يمكن، يقتحمون العمارات السكنية، ويغوصون داخل الحاويات الضخمة، ويقرعون بإصرار على أبواب المنازل الفخمة.
وبعد سويعات يعودون إلى مقراتهم لتفريغ الحمولة، وينشرون الغنيمة أمام منازلهم أو في باحاتها الخلفية، ثم تتجمع آلاف العائلات وتبدأ بعملية الفرز بطريقة منظمة ودقيقة، لفصل مادة الورق والمعادن والزجاج والبلاستيك.
ووصفت الصحيفة هذا النظام بأنه سلس ومتكامل، بحيث يسمح للعاصمة المصرية بالمحافظة على نظافتها ولعمال البلدية المتقاعسين بالمحافظة على سمعتهم. ووصفت جامعي القمامة المصريين بأنهم أكثر كفاءة من نظرائهم في نيويورك ولندن، رغم النقص الفادح في المعدات، وبأنهم سابقون لعصرهم، على اعتبار أنهم شرعوا في فرز وإعادة تدوير القمامة قبل أن يشرع علماء البيئة في المطالبة بذلك.
ونقلت الصحيفة عن بينيدكت فلورين، أستاذ الجغرافيا في الجامعات الفرنسية والباحث في المدن العربية الذي كان قضى أربع سنوات في مدينة القاهرة، أن أول من عملوا في مجال جمع القمامة هم المصريون القادمون من منطقة الواحات، حيث كانوا يجمعون القمامة مقابل الحصول على أجر مادي شهري من السكان، والاستفادة من النفايات عن طريق بيعها ليتم استعمالها كوقود للحمامات أو المطابخ.
وأضافت الصحيفة أن هؤلاء "الزبالين" الذين طالما تجاهلهم الإعلام وهمشهم المجتمع المصري، خرجوا إلى الضوء وأصبحوا معروفين في كافة أنحاء العالم بفضل مادلين سانكان، المعروفة أكثر باسم الأخت إيمانوال أو الأخت الصغرى لـ"الزبالين"، والتي انتقلت في سنة 1971 بعد خروجها للتقاعد إلى منطقة "عزبة النخل"، وهي من الأحياء القصديرية المتاخمة للقاهرة، ثم في سنة 1982 قررت العيش مع "الزبالين" عند سفح جبل المقطم لمساعدتهم والتعريف بمشاكلهم والدفاع عن حقوقهم.
وبحسب التقرير، كان جامعو القمامة في ذلك الوقت يعيشون في أكواخ، ولكن مادلين كونكان ساعدتهم على بناء مساكن تقيهم من البرد والأمطار.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن روماني بدير، الذي يعمل في مجال جمع القمامة وينشط كأمين عام "لجمعية زبالي المقطم"، قوله إن هذه السيدة قامت في سنة 1986 بإيصال الكهرباء ثم الماء، وشيئا فشيئا أصبحت المنطقة مهيئة ومزودة بالمرافق اللازمة للعيش.
وأضافت أن مصر اعترفت بعد ذلك بدور جامعي القمامة، ولم يعودوا منبوذين كما كانوا في السابق، بل أصبحوا "عمال تنظيف وإعادة تدوير متخصصين ومهنيين"، وبفضلهم أصبحت مصر تصب أقل ما يمكن من الفضلات في الصحراء وتصدر الكثير من المواد المعاد تدويرها للصين وتايوان وأوروبا، على غرار الألمنيوم والزجاج واللدائن.
وقالت الصحيفة إن منشية نصر تمثل مركزا عملاقا للفرز يحتوي على أكثر من 700 ورشة لإعادة تدوير النفايات، وما إن يدخلها المرء حتى يرغب في المغادرة بسبب الضجيج والروائح المنبعثة والحركة الكثيفة، بالإضافة لقيام السكان بتربية الخنازير في هذه المنطقة.
وأضافت أن الحكومة المصرية أصدرت في سنة 2009 قرارا بإعدام 300 ألف خنزير، بسبب الخوف من تفشي أنفلونزا الخنازير، ما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة بين "الزبالين" والشرطة.
ونقلت الصحيفة عن نصيف بركات، وهو جامع قمامة متخصص في تجميع علب المشروبات الغازية المصنوعة من الألمنيوم وتدويرها وإعادة تشكيلها في شكل سبائك، قوله إن والده وصل لمصر العليا في سنوات الستينيات قبل أن تستقر عائلته بعد عشر سنوات في سفح جبل المقطم، وأن عمل "الزبالين" متعب جدا.
ويستفيق نصيف، بحسب الصحيفة، منذ ساعات الفجر الأولى، ويقضي الصباح ويداه وأنفه منغمسان في القمامة، كما أنه مطالب بالإسراع لأن المنافسة على أشدها فيما بينهم، ثم بعد أربع ساعات يعود إلى المنزل، حيث يشارك كل أفراد العائلة في الفرز، بمن فيهم النساء والأطفال.
كما صرح نصيف للصحيفة بأن هذا العمل ينطوي على مخاطر عديدة وأضرار صحية، بسبب غياب معايير السلامة على غرار ارتداء القفازات والكمامات، خاصة عند فرز نفايات المستشفيات، ولهذا لا يتمنى نصيف أن يضطر أبناؤه للقيام بنفس هذا العمل في المستقبل.
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة إلى أن عمل "الزبالين" يدر عوائد هامة، حيث يباع الطن الواحد من علب المشروبات الفارغة بألف يورو.
ونقلت في هذا السياق قصة بركات، البالغ من العمر 50 سنة، والذي جمع ثروة كبيرة من هذا العمل، ثم توقف عن جمع العلب بنفسه وأصبح يعتمد على ستة عمال ينزلون للمدينة ويجمعون النفايات ويبيعونها له، ويحصل هؤلاء العمال على حوالي 500 يورو في الشهر، وهو مبلغ يعد كبيرا بالنسبة لمستوى المعيشة في مصر.
ولكن الصحيفة أشارت إلى أن هذه النجاحات لا تحجب حقيقة كون "الزبالين" يواجهون مصيرا غامضا، بسبب إعلان الحكومة منذ سنة 2000 عزمها على تحديث قطاع جمع النفايات، حيث قامت بإعلان طلب عروض حتى تأتي كبرى الشركات الأوروبية للعمل في مصر، دون أي تشاور مع "الزبالين" أو تفكير في مصيرهم.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن هؤلاء "الزبالين" واجهوا أزمات وتضييقات عديدة في عهد مبارك وبعد الثورة، وتمكنوا من تخطيها، ولكن الشيء الوحيد الذي يقلقهم فعلا في الوقت الحاضر هو أن يتم تعويضهم بجامعي قمامة يرتدون القفازات والأزياء الموحدة ويتجولون في شاحنات متطورة، ويتم إرسالهم شيئا فشيئا نحو "مزبلة التاريخ" بعد كل ما قدموه من خدمات لتنظيف العاصمة والمحافظة على البيئة وتنشيط الدورة الاقتصادية.