كتاب عربي 21

حصيلة السبسي وحاجة تونس في إنقاذها من حزبه

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
هناك وهم قائم بشكل قوي تحت عنوان "المصلحة الوطنية" في تونس في سياق الأزمة الخانقة للحزب الحاكم في تونس "نداء تونس". بعد بروباغندا الحزب التي سبقت الانتخابات حول أنه "سينقذ تونس"، يروج البعض الآن أنه من الضروري إنقاذ حزب "نداء تونس" لإنقاذ تونس. هذا يفترض ضمنياً بديهة أن "نداء تونس" هو الحل وليس المشكل، وأن إنقاذه سيعني إنقاذ البلاد. هنا سأحاول الدفاع عن رؤية أعتقد أنها أصبحت واضحة بشكل غير مسبوق: إذا كان هناك أي أداة يمكن أن تضع مسار الديمقراطية والتنمية في تونس في مأزق، فهو حزب حاكم من هذا النوع. إنقاذ تونس يمكن تحديداً في إنقاذها من هذا الحزب.

بعد خمسة أشهر من فوز حزبه، لا يمكن أن نقول إننا في حالة انبهار من حصيلة الباجي قائد السبسي. بعيداً عن البلاغة لنعرض المعطيات.

قدم حزب "نداء تونس" إلى السلطة بعد حملة بروباغندا يغلب عليها التزوير والتشويه والتحيل على أساس عدد محدد من الوعود الشعاراتية: "التركيز على الكفاءات"، "مواجهة الإرهاب"، "إعادة هيبة الدولة"، "إنقاذ الاقتصاد"، "إعادة العلاقات مع سوريا"، و"إعادة الديبلوماسية التونسية إلى إشعاعها".

لا يجب أن نستبق، طبعاً، الأحداث. خمسة أشهر بعد انتصار حزبه في الانتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ليست كافية لتحقيق وعوده. لكن ماذا حقق حتى الآن، طبعاً باستثناء حصول وزير السياحة في الحكومة بشكل استباقي على لقب المرأة الأكثر تأثيراً سنة 2015؟ وهل ما قام به السبسي وحزبه ينبئ بمستقبل زاهر على خلفيات الصراعات التي تشق حزبه على الملأ، وعلى الهواء في التلفزات؟

لنبدأ بهيبة الدولة، ولنمر جانب الخطابات الضعيفة شكلاً ومضموناً، التي قدمها السبسي بين قمة إفريقية واجتماع للتعاون التجاري الأمريكي، يكفي الإشارة إلى أمر أساسي: أحد ممثلي الحزب المنغمس في الصراع المتلفز في الأسبوع الأخير، وهو عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس نواب الشعب يعرض وثائق سرية أمنية لاستعمالها في الصراع الحزبي الداخلي. الوثائق التي نشرت منذ شهرين فقط تعكس تلاعب رجال الأعمال المتنافسين في حلبة الصراع في الحزب الحاكم، وتصفية حسابتهم بعضهم مع بعض.

تم تشكيل الحكومة بعد عناء كبير بالتركيز على "كفاءات تكنوقراط". السبسي الذي كرر مراراً أن حزبه يستطيع تشكيل أربع حكومات، استطاع بالكاد تشكيل حكومة، وذلك بعد حكومتين تجريبيتين، أحدهما سقطت عشية إعلانها. إن من الواضح أن مجرد تشكيل الحكومة في 5 شباط/ فبراير بعد أشهر من الانتصار في الانتخابات التشريعية، مجرد تشكيل الحكومة فوز للسبسي.

الآن نحن بصدد حزب حاكم تنقسم كتلته البرلمانية، وهي قاعدة وجوده في الحكم، في صراع شرس متبادلين الشتائم التي تصل إلى التخوين والاتهام بالانقلاب. بل إن حوالي 64 نائباً يعتبرون قيادة الحزب الرسمية انقلابية. وممثلوها في الإعلام يعتبرون أن الحكومة ليست فيها كفاءات، بل أحدهم قال إنها "أكثر رداءة" من سابقاتها.

العمليات الإرهابية لم تتواصل فقط، بل لا السبسي أو الحكومة قدما أي تصور لبناء استراتيجيات وطنية لمكافحة الإرهاب. للتذكير؛ الرئيس المرزوقي مع حكومة التكنوقراط السباقة بدأا التحضير لاستراتيجيات وطنية متعددة الأبعاد لمكافحة الإرهاب. حزب السبسي بقي في منطق ما قبل الانتخابات بترديد ما يصرح به بعض "النقابيين الأمنيين" الذين أذاعوا أسراراً عسكرية، وكانوا أداة الحزب لتصفية حساباتها مع التعيينات التي تمت في المؤسسات الأمنية خلال فترة الترويكا. خاصة أن هؤلاء "النقابيين الأمنيين" كانوا يجتمعون في اجتماعات علنية بقيادات حزب السبسي.

الدولار الواحد أصبح يوم 11 آذار/ مارس يساوي دينارين. لن يكون موضوع جدال؛ فالترويكا ليست في الحكم، و"الخبراء" ينتظرون بجانب حائط مقر حزب السبسي "انفراج الأزمة الحقيقية". وكذلك وزير المالية منشغل في البحيرة بالشأن الأهم: هل سيرث ابن السبسي الذي بالكاد يفك الخط حزب أبيه هذا الشهر، أم في شهر حزيران/ يونيو؟

نفى هذا الأسبوع الملحق الصحفي بوزارة الخارجية الخبر المتداول حول فتح قنصلية لتونس في سوريا، مؤكداً أن "المكتب التونسي الموجود في سوريا يقوم بواجبه على أكمل وجه"، وهو فعلاً كذلك. للتذكير؛ مكتب الاتصال هذا موجود والرئيس المرزوقي في الحكم. وكان أحد أركان الحملة الانتخابية للسبسي تشويه المرزوقي في سياسته الخارجية في الملف السوري، ومن ثمة اعتبار إعادة العلاقات الكاملة مع بشار الأسد ركناً أساسياً لبرنامجه. بمجرد وصوله للرئاسة تنكر لذلك الوعد في حوار تلفزي وحافظ عملياً على نفس السياسة. تنكر موجهٌ لجوقة من "القوميين" (لحسن الحظ جزء من القوميين لم ينسق في ذلك) الذين استخدمهم كالقطيع في الحملة الانتخابية.

في العلاقة بالإرهاب والسياسة الخارجية في آن واحد: لطالما اتهم السبسي وحزبه قبل الانتخابات كل من يقترب من "فجر ليبيا" وحكومة طرابلس بأنهم داعمون للإرهاب، في تجاهل تام للحاجة الملحة لبقاء تونس محايدة في الصراع الليبي الدموي على حدودنا. السبسي الذي غامر بالانغماس في الرمال الليبية المتحركة، تاركاً المجال لمرور كميات كبيرة من السلاح عندما كان وزيراً للخارجية سنة 2011 ، بما لا يعكس أي حكمة دبلوماسية وبما يهدد أمننا الوطني، إذ إنه من الواضح الآن أن جزءاً مهماً من السلاح الموجود في البلاد يرجع لتلك الفترة. لكن في سياق الصراع والفضائح المتبادلة تبين بوضوح أن شقاً من الحزب يتلقى تمويلاً من "فجر ليبيا"، بل يمثل لوبي ضغط قوي لمصلحته من خلال القناة التلفزية التي تمثل بوق دعايته الأول.

في علاقة بليبيا يتبين بوضوح أن الديبلوماسية التونسية خارج السياق تماماً. الحوار الليبي بين ممثلي الحكومتين توصل إلى توافق مبدئي في حوار الجزائر. وثيقة من 11 نقطة، تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، والتمسك بحل سياسي للأزمة، يبدأ بحكومة توافقية من الكفاءات. الوثيقة سميت "إعلان الجزائر" ونشرتها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. وطبعاً العبقري في الديبلوماسية الذي سيرجع إلينا هيبة الدولة كأنه شبح متخف. أهم ملف في الديبلوماسية التونسية وهو ملف داخلي وليس خارجياً، هو الملف الليبي، ولا يوجد أي دور تونسي فيه (الحوار الليبي تم بين المغرب والجزائر). كنا في رئاسة الجمهورية خلال فترة الرئيس المرزوقي (خاصة منذ شهر نيسان/ أبريل 2014 وكنت معنياً مباشرة بهذا الملف، وفي سياقه التقيت في القصر وخارجه في تونس وليبيا ممثلين أساسيين للصراع والمبعوثين الأمريكيين والأوروبيين الخاصين لليبيا)، على أبواب إطلاق حوار ليبي ليبي بالتوافق مع الطرفين، وبدعم من الأطراف الدولية المعنية. الأجواء الانتخابية التونسية المبكرة وتعطل الوضع في ليبيا أجلا الموضوع. تصريحات السبسي ومساعديه، بخاصة تصريحات وزير خارجيته المؤدلجة والمضطربة، لم تساعد على إطلاق الحوار في تونس وأدت إلى استعداء حكومة طرابلس ومن ثمة إلى دور مغربي أبرز، كان يجب أن تضطلع به تونس.

أتذكر الآن رواية غارسيا ماركيز "خريف البطريرك". حاكم القصر المنسي والمرمي في أوهامه بعيداً عن أي فاعلية. فلا توقظوا البطريرك الهرم فهو نائم بجانب المذياع، ومساعدوه منشغلون في صراع الضباع في مقر الحزب في منطقة البحيرة وضواحيها.

حزب تحيل على ناخبيه وتحيل على التونسيين، وقياديوه يحاولون الآن في سياق الصراع على المواقع التحيل بعضهم على بعض هو المشكل وليس الحل. الانتخابات البلدية أصبحت ضرورة حتمية لكي يتم توازن، ولو نسبي في أجهزة الدولة يعكس تغير مزاج التونسيين بعد انكشاف أمرهم. وربما انتخابات تشريعية مبكرة مثلما يكفله الدستور إذا استمرت حالة الشلل في الحزب الحاكم. ومثلما رددت منذ أشهر إذ هو #‏أكبر_عملية_تحيل_في_تاريخ_تونس. ?ذلك "إنجازه" وحصيلته الأساسية لا غير. 
التعليقات (0)