نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريراً لباتريك كوكبيرن، حول جهود الحكومة العراقية لاستعادة
تكريت من تنظيم الدولة، بمساعدة الميليشيات الشيعية.
ويقول الكاتب إن هناك معركة تدور رحاها على بعد 60 ميلاً من مكتب محافظ محافظة
كركوك الغنية بالنفط. وقد يكون ذلك مؤشراً إيجابياً لمحاولة الحكومة العراقية استعادة مدينة رئيسية من تنظيم الدولة، إلا أن المحافظ نجم الدين كريم ليس متفائلاً بالنتيجة على المدى البعيد.
ويضيف كوكبيرن أنه ليس قلقاً حول النتائج العسكرية، ولكن ما يقلقه هو النتائج السياسية، ويتساءل: "ماذا ستفعل بعد تحرير هذه المناطق.. هل سيستطيع الناس الذين هربوا من هناك العودة؟"، وبعبارة أخرى هل أصبحت الحرب في العراق طائفية لدرجة أن
السنة لا يستطيعون قبول حكومة عراقية شيعية؟
ويشير التقرير إلى أنه قبل احتلال تنظيم الدولة لتكريت في 11 حزيران/ يونيو العام الماضي، كان عدد سكانها 260 ألف كلهم تقريباً من السنة.
وتذكر الصحيفة أن الهجوم المزمع لطرد التنظيم من المدينة هو مجهود شيعي بامتياز، حيث هناك 30 ألف مقاتل نصفهم من الجيش والنصف الآخر من الميليشيات الشيعية، والأهم من هذا أن الحملة مدعومة إيرانياً، ودون دعم من الطيران الأمريكي، وقد يكون لدى إيران وأمريكا عدو مشترك، ولكنهما تحاربان حربين مختلفتين في العراق.
ويقول الدكتور كريم لـ "إندبندنت" في مقابلة في مكتبه في كركوك، إن الحكومة في بغداد ليس لديها خيار سوى الاعتماد على الميليشيات الشيعية، "فالجيش غير قادر على القيام بعمليات كبيرة، والميليشيات أفضل إعداداً، وقد يكون لديها مقاتلون أفضل".
ويضيف أن الجيش المؤلف في معظمه من
الشيعة، وقد خسر شمال وغرب العراق العام الماضي في معركته مع تنظيم الدولة، ويقول: "لم يكن جيشاً حقيقياً، ولكنه كان مجموعة من الفاسدين يديرون الحواجز دون تدريب".
ولا يعتقد كريم أن الوضع اليوم أفضل بكثير، وقال إن كركوك آمنة نسبياً؛ لأن البيشمركة الكردية هي من تقوم بحمايتها، وحتى البيشمركة تكبدوا خسائر كبيرة عندما اخترق تنظيم الدولة الحدود في 30 كانون الثاني/ يناير، ويعترف بأنها "كانت ليلة ماطرة وفيها ضباب وكان مقاتلونا مسترخين كثيراً"، بحسب الصحيفة.
ويلفت التقرير إلى أن الدكتور كريم ولد في كركوك قبل 65 عاماً، وعمل طبيباً، ولكنه انضم إلى قوات البيشمركة عام 1973، أي قبل عامين من فشل الثورة الكردية ضد بغداد بسبب سحب أمريكا وإيران دعمهما لها.
ويبين الكاتب أنه بعد الهزيمة رافق الدكتور كريم القائد الكردي ملا مصطفى إلى واشنطن، وبقي هناك ثلاثين عاماً، وعمل جراح أعصاب، وحظي بمكانة مرموقة، هو ناشط في القضية الكردية، وذكر عندما أدلى بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في حزيران/ يونيو 1990، مجازر صدام ضد الأتراك. ولكن الإدارة في وقتها وقبل غزو صدام للعراق بستة أسابيع أصرت على أن صدام كان قوة معتدلة.
ويقول كوكبيرن: "عندما رأيت الدكتور كريم قبل عامين كان متشككاً في مقدرة بغداد أن تحارب التهديد المتنامي لتنظيم الدولة والمجموعات الجهادية، ولكنه كان واثقاً من إنجازاته في تطوير مدينة كركوك ومحافظتها".
ويفيد التقرير بأن كريم يبدو هذه الأيام متعباً ومتشائماً حول المستقبل، فقد تكون كركوك في مأمن من هجمات تنظيم الدولة، ولكنها مليئة بمؤشرات المصائب القادمة. فقد وصل المدينة في العام الماضي 350 ألف نازح، كلهم من السنة العرب تقريباً، وأغرقوا المدينة التي كان عدد سكانها 950 ألفاً.
وتوضح الصحيفة أن الأموال نفدت، حيث تزامن العنف مع هبوط أسعار النفط، فكانت كركوك ترسل كل يوم 150 ألف برميل نفط إلى مصفاة بيجي شمال تكريت، ولكن المصفاة أصبحت مركز صراع لأشهر. ويعلق الدكتور كريم: "كان الوضع سيئاً، والمسألة ليست طرد تنظيم الدولة من تكريت والموصل، فلم يصلنا أي تمويل من بغداد، لا لإعادة البناء ولا لنفقات اللاجئين الذين يستخدمون مدارسنا ومياهنا وكهرباءنا".
ويذكر التقرير أن حكومة العراق المركزية منفصلة تماماً عن كركوك الواقعة تحت السيطرة الكردية، وحتى المسؤولين عن الخدمات لا يزورون المدينة، وعندما سئل كريم إن كانت كركوك في نظره تسير على إطارات فارغة، كانت إجابته: نعم.
ويتساءل كوكبيرن: هل هناك حل للعنف المتشنج في بلد منقسم عرقياً ودينياً مثل العراق؟، يجيب الدكتور كريم بأن تبديل نوري المالكي، الذي انتهج سياسة المواجهة مع
الأكراد والسنة في العراق، بحيدر العبادي العام الماضي تسبب بتغيير سطحي فقط، "فقد يحظى العبادي بدعم دولي أكبر، ولكن في مسألة الشيعة والسنة وعلاقة بغداد بالأكراد لم يتغير شيء".
ويعلق الكاتب: "في نظر كريم فإن الحل الوحيد هو تقسيم العراق إلى مناطق مع مشاركة جغرافية في السلطة، وإعطاء مناطق السنة والشيعة حكماً ذاتياً كما هو الحال بالنسبة للأكراد، وقد يبدو حلاً بعيد المنال، ولكنه يعي أنه لا يوجد في العراق فريق يستطيع السيطرة على الباقي بالقوة، ولذلك يجب أن تحل المسائل سياسياً، فلا يمكن حلها عسكرياً بقتل الناس".
ويشير التقرير إلى أن كريم ينظر بازدراء إلى الخطط التي تدعمها أمريكا بإنشاء قوات أمنية إضافية مثل الحرس الوطني، الذي سيقبل السنة في صفوفه، ويقول: "قريباً سيكون لدينا 1.5 مليون شخص يحملون السلاح، ما سيضع عبئاً كبيراً على الاقتصاد".
وتورد الصحيفة أنه منذ انهيار سيطرة بغداد أصبح العراق ممزقاً إلى مناطق لا تتصرف فقط كأنها دويلات مستقلة، بل دويلات مستقلة متحاربة. وسنة العراق الذين يشكلون خمس سكان العراق ليست لهم قيادة سوى تنظيم الدولة الذي استوعب قيادات البعث القدامى، بحسب كريم.
ويضيف للصحيفة أن أعضاء حكومة بغداد لا يتمتعون بتأييد شعبي، فهي الوجوه القديمة ذاتها تلعب لعبة الكراسي الموسيقية، وتنتقل من وظيفة إلى أخرى، وقال: "بالنسبة للسنة فإن أي شخص يتعامل مع الحكومة في بغداد يتوقف بشكل أوتوماتيكي عن صفته ممثلاً لهم".
ويرى كريم أن تنظيم الدولة قوي ليس بالعدد بالضرورة، ولكن بقوة إيمان مقاتليه وحسن تدريبهم، فقيادات التنظيم يقومون بتجنيد شباب جدد في المناطق التي يسيطرون عليها.
ويخلص كوكبيرن إلى أن رأي الدكتور كريم قد يكون صحيحاً في تقسيم العراق إلى أقاليم، ولكن تلك الأقاليم قد تكون في حرب بعضها مع بعض، وليست في سلام.