قضايا وآراء

لن ينجح النّظام ولا ميليشياته في تقليم أظافر المناضلين

سيف الله الخلفي
1300x600
1300x600

أفقت كالمعتاد في التّوقيت اليومي ذاته على السّاعة السّابعة صباحا شربت قهوتي الصّباحية مع تسلّل أوّل شعاع شمس عبر النّافذة. اتصل بي أحد الرّفاق يزفّ لي وقع خبر مشؤوم هزّ نواجزي، وأصبت جرّاءه بالغثيان، أخبرني رفيقي أنّ مقرّ حركة جيل جديد التّي يكفيني فخرا أن أكون واحدا من مناضليها قد تعرّض للخلع والسّرقة والاستيلاء على وثائق داخلية لا يحق لأحد الاطلاّع عليها سوى أبناء التّنظيم، ليبدأ رأسي في اجتراح أسئلة أعرف إجابتها مسبقا: من له مصلحة في الاعتداء على مقرّ الحركة؟
ليست أوّل مرّة نتعرّض فيها للاعتداء على خلفية مواقفنا المشتبكة والمتشابكة مع النظام وحزب السّلطة منذ التّأسيس الفعلي سنة 2009، فقد سبق أن تمّ إيقاف الرفيقين مالك الصّغيري ونبيل الزّنوني والتنكيل بهما على يد ميليشيات البوليس السّائبة من عقالها، وتعرّض الرّفيقان لشتّى أنواع التّعذيب الحيواني والوحشي، لكنّهما صمدا حتّى النّهاية كان هذا ذات جانفي 2011.

على الرّغم من استيائنا من هول المصاب، فنحن فرحون بأنّ حركتنا أصبحت رقما صعبا في معادلة السّياسة في تونس، وخاصة بعد نجاح الاجتماع الشّعبي الّذي عقدناه في قاعة سينما المونديال بالعاصمة تونس، الذّي لفت لنا الأنظار، وأثار غضب التّحالف الرّجعي الحدثوتي الحاكم، وخاصة على خلفية البيان الذّي أصدرناه في التّاريخ ذاته، الذّي عرّى هؤلاء وأسقط عنهم آخر ورقات التّوت، وقد ورد في هذه الصّيغة.

 تونس في 17 ديسمبر 2014

نحيي اليوم الذكرى الرابعة لاندلاع ثورة 17 ديسمبر 2010، وفاء لدماء الشهداء الذين سطروا طريق الحرية ووفاء لتضحيات الأجيال والجهات والفئات المختلفة وحماية للذاكرة من النسيان. ونستحضر بإكبار تضحيات أجيال متعاقبة من أجل الحرية والتغيير في تونس وفي الوطن العربي وفي العالم بأسره. ونقف إجلالا لذكرى الملاحم الشعبية التي سطرها شعبنا طيلة عقود وقدم خلالها قوافل من الشهداء والجرحى قرابين تحرره من الاستعمار والاستبداد.

نحيي ذكرى 17 ديسمبر، مع كل قوى الحرية والتقدم، باعتبارها نقطة تحول في تاريخنا المعاصر مثلت بزخمها الجماهيري ومطالبها الجذرية تتويجا لنضالات سياسية واجتماعية ومنطلقا لمسار ثوري وديمقراطي يراكم مهمات القطع مع النظام الرسمي القمعي والتابع، ويواصل التأسيس لمعاني الكرامة والحرية في تعاقداتنا السياسية والمجتمعية من أجل التنمية والتحديث والتحرير دون وصاية محلية أو أجنبية.

 نحيي ذكرى 17 ديسمبر وفاء لشعارات الثورة، وعلى رأسها شعار "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" و"الشعب يريد إسقاط النظام" بما هي شعارات راهنية ومتأكدة. وتمسكا بمهمات المسار الثوري المتمثلة في إسقاط النظام وتفكيك المنظومة - الطغمة السياسية والأمنية والمالية الحاكمة وبناء دولة العدالة الديمقراطية والاجتماعية. وهي شعارات ومهمات متناقضة مع مسارات الالتفاف (بقيادة الترويكا وحلفائها) والانقلاب (المنظومة القديمة وحلفاؤها) التي تعرفها تونس والمتسمة بعودة المنظومة القديمة بعودة المنظومة القديمة وتذرر القوى الديمقراطية وارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي ومؤشرات الهيمنة على الفضاء العام. وبموجة ارتداد سياسي في المشرق العربي نحو القمع والترهيب والتقسيم الثقافي والهووي للخرائط الجغرافية والديموغرافية. من هذا المنطلق يهمنا أن نعبر في الذكرى الرابعة لاندلاع المسار الثوري عن الآتي :
 
•  تتزامن هذه الذكرى مع نهاية "المرحلة الانتقالية" بتنظيم الدور الثاني لانتخابات الرئاسة بعد أن أفرزت انتخابات البرلمان فوز حزب نداء تونس الواجهة السياسية الجديدة للمنظومة القديمة بأغلبية المقاعد من ضمنهم أكثر من خمسين نائب قيادي سابق في التجمع المنحل. أن هذا التزامن يكشف حجم الانحراف الذي طبع "المرحلة الانتقالية" ويفضح بؤس العملية السياسية الفوقية والمعزولة والمؤطرة خارجيا.

•  هذه الانتخابات تتويج لمسار سياسي انتقالي انطلق بشروط النظام ورعته لوبيات معلومة المصالح والارتباطات. وإن الرهان السياسي الأساسي فيها هو تشريع عودة المنظومة بالصناديق والانقلاب على مطالب الحركة الثورية وتطلعاتها بتوظيف الإرهاب والاغتيال والتأزم الاقتصادي من أجل مقايضة الأمن بالحرية. وإن الاستقرار المقصود به العودة إلى ضبط الأمن والمحافظة على منوال التنمية القديم ومواصلة الانضباط للإملاءات السياسية والاقتصادية الأجنبية هو إعادة إنتاج للنظام ذاته بالمضمون ذاته. وهي عودة مستحيلة ليوم 16 ديسمبر.

•  إن النضال على قاعدة مهمات المسار الثوري لا يعني تجاهل الصراع الانتخابي الرئاسي المحتدم. خاصة عندما تريده قوى الثورة المضادة في تونس وخارجها استفتاء على الثورة نفسها. وعليه فإننا نعُدّ فوز السبسي تكريسا للانقلاب وفوز المرزوقي تنسيبا للهيمنة وتغول المنظومة. وفي كلتا الحالتين لا مناص من مواصلة النضال والتنظيم.

•  تثبت طبيعة الصراع الاجتماعي والسياسي في تونس وفي الوطن العربي أننا إزاء مخاض عنيف ومعقد بين النظام القديم القمعي والتابع وبين النظام السياسي المنشود. وأننا إزاء تحولات تاريخية بين أزمة الدولة الحديثة ما بعد الاستعمار التي انتهت إلى "جملكيات" يحتكرها تحالف العائلات وأجهزة البوليس والبرجوازية الطفيلية وبين الدولة المدنية الديمقراطية بالمضمون الوطني والشعبي التي ننشدها.
•  إننا نطرح الوحدة السياسية والنضالية لحركة الشباب الثوري ووحدة المكونات المنخرطة في التغيير الاجتماعي بأفق تحقيق أهداف الثورة. وهي وحدة تتطلبها المرحلة التاريخية وتستدعيها الاستحقاقات السياسية والاجتماعية القادمة. وتقوم على نقد التزييف والانحراف الذي عرفته "المرحلة الانتقالية" وتصحيح المسار الثوري.

 حركة جيل جديد
 
لن يثنينا هجوم الميليشيات على مقرّ حركتنا، ولن يفتّ من عضدنا قمعهم وإرهابهم، وستظلّ حركة جيل جديد مفرخة للمناضلين الجذريين من الشّباب الذّي سطّر بنضاله مستقبل الجيل القادم.

جيل جديد حركة شبابية جماهيرية تعمل على تنظيم حركة الشباب وتقدم لهم أطر النضال وبرامجه وتتفاعل مع قضاياهم – من جهة ترابطها العضوي بمصلحة الشعب – في آليات عملها وأشكالها التنظيمية وتستوعب جدّة أفكارهم وتتطور بتطور كادرها وعناصرها والجدل الفكري الناظم داخلها، وهي حركة تونسية المنشأ تعمل على بث رؤيتها التجديدية في الوطن العربي من خلال تثوير بنية التفكير ومناهج النظر إلى مسائل الاجتماع البشري والسياسي، وهي حركة تنهل من التراث الفكري والسياسي لحركات التحرر العربي وتنظيماته الفكرية والسياسية المناضلة، وتعمل على استيعاب ونقد وتجاوز مقولاتها وتجاربها باتجاه خوض معركة التأثير في التاريخ بفكر وعمل معاصرين لأسئلة الواقع المتحرك ومُحايثين لنبض العصر.

لمن لا يعرف حركة جيل جديد جيّدا نورد بعض ما جاء في بيانها التّأسيسي:

لقد بدأت ملامح حركتنا بالتشكّل تدريجيّا داخل أسوار الجامعة منذ موفى سنة 2009، في ظرفية سياسية ضاغطة وبيئة اقتصادية – اجتماعية مأزومة ومُنذرة بالتّفجُّر، ومشهد ثقافي يتحرّكَ وفقَ آلة التّوجيه المركزي المُشبَعة بالإكراه والتسلّط. فكان سياقًا سمته البارزة، مزيدُ انخرام ميزان القوى بين السلطة وأجهزتها من جهة، وبين المجتمع وقواه الحيّة من جهة أخرى.

فقد أعاد الاستبداد، بعد مهزلة الانتخابات، إنتاج نفسه محافظا على خصائصه البنيوية القديمة وبتوزيع جديد ل"الغنائم - الفتات" بين شركائه وعرّابيه، منتجا بنية الدكتاتورية ومظاهرها ذاتها، من حيث القمع المنهجي وآليات الإكراه والأجهزة الأمنية السائبة من عقالها وتكميم الأفواه وشراء الذمم وطمس الاختلاف وتزوير إرادة الشعب، ورغم صمود قوى عديدة، بأشكال وطرائق مختلفة، السياسية والنقابية والحقوقية والنسويّة، وكذلك العديد من الكتّاب والمثقّفين وبعض الجمعيّات المهنيّة والقطاعيّة في وجه هذا التغطرس، إلاّ أنّ هذه "المعارضة" ظلّت على "نضاليّتها" ضعيفة وفاقدة للمقدرة والنجاعة، ممزّقة الأوصال وعاجزة عن التّوحد ورصّ صفوفها وتشقّها صراعات ثانويّة وأحيانًا أمراضٌ وعُقَدُ زعامةٍ أجّلت تكاتفها وضيّعت عليها وعلى البلاد فُرصًا حقيقيّة في عزل النّظام وإنهاكه وتحقيق الانتقال الدّيمقراطي المنشود.

كما استفحلت الأزمة الاقتصادية، وألقت بظلالها على كل مناحي الحياة، وذلك بسبب خيارات النظام الذي سقطت عنه ورقة التوت، فقد تراجعت نسب النموّ وتعمّق عجز الميزان التجاري، وارتفعت نسبة الدَّين العام، وانكمش الاستثمار العام والخاص، كما ظلّ النسيج الإنتاجي معتلاّ، وبقي القطاع البنكي يتخبّط تحت وطأة القروض غير المجدية وانعدام الشفافية، وتزامن كلّ ذلك مع ضعف مردودية القطاع السياحي والمصاعب التقليديّة للقطاع الفلاحي، وزادَ الفسادُ المُستشري في جسد الإدارة التّونسيّة من إنهاك الاقتصاد المُعتلّ أصلاً، وقد نتج عن كل ذلك عجزٌ مزمنٌ في الميزانية، عمّقته تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة.

ودفعت، كالعادة، الفئات والشّرائح والجهات الأكثر بُؤسًا وتهميشًا، ضريبة فشل خيارات النّظام الحاكم، فظلّت آفة البطالة تنهش مئات الآلاف من طالبي الشّغل، وانهارت المقدرة الشّرائية مقابل ارتفاع أسعار المواد الأساسيّة، وتعدّدت حالات الطّرد التعسّفي وتسريح العمّال، وغلق المؤسّسات التشغيليّة، وبرزت أشكال التشغيل الهشّ (المناولة ..) والمؤقّت وأنواع التجارة الموازيّة، وبرزت بشكل غير مسبُوق ظواهر اجتماعية من قبيل العُنف والإدمان والتطّرف والهجرة السرّية والتسوّل، وهي مظاهر ناتجة عن عمق الغُبن والتّهميش النّاجم عن فشل توجّهات الدّولة، وقد أفرز هذا الوضع الاجتماعي تعمّق الاستقطاب القائم بين فئات "محضوضة" تعيش الترف والبذخ وبين جماهير المستغَلّينَ المحرومة والمُنهكة، وذلكَ مع تواصل تآكل الطبقة الوسطى.

أمّا على المُستوى الثّقافي، فقد سوّقت السّلطة وشجّعت ونشرت، منذ مطلع التّسعينات ثقافة استهلاكية بهدف إلهاء النّاس (والشّباب بالأخصّ) عن السّياسة والشّأن العام عُمومًا، فعملت على إنتاج شباب مُخدّر باللّهو والحفلات والرّياضة، غير مُسيّس وغير معني بها أصلاً، وحشدت من أجل ذلكَ آلتها الدّعائية مُتبنيّة خيارات ثقافيّة وتربويّة (بمعناها العام) صيّرت في النهاية المُجتمع سُوقًا يُقدّس الرّبحَ والمنفعة الشّخصيّة ويحتقرُ الشّأنَ العام، حيثُ تتسيّدُ السّلعُ و"تتَسلعنُ" قيمُ العلم والعَمل والجمال في تناغُم مع النّسخة الثقافيّة النيُوليبراليّة التي تُهيّج المُتعة والنّزوة وتُشوّه الوعي وتزدري عزّة الإنسان وكرامته. ولكنَّ هذه المقاربة في "هندسة" الثقافة والهويّة التي عبثت بـ"كيمياء" الشّخصيّة التّونسيّة لم تُؤدّ إلى الشّاب المُوافق الصّامت المُبتسم أي "الشّاب – النّمُوذج" الذي راهنت على إنتاجه آلة التّوجيه المركزي للثّقافة، بل أدّت إلى تبنّي شرائح شبابيّة واسعة لثقافات مُضادّة أو/و فرعيّة للتّعبير من خلالها عن ذاتها و"مواجهة" المجتمع الذي فشل في استيعابها، كان من بين نتائجها، على سبيل المثال، أحداثُ سليمان 2006.

وواقع الأمر أنّ الأزمة الثّقافية، ليست إلاَّ وجها من وجُوه الاستبداد الذي شلَّ وعطّلَ مكامن الإبداع والبحث والحرّيات، وأعاقَ النّخبة الثّقافيّة الحقيقيّة عن أداء دورها في نشر الوعي النّقدي الفنّي والجمالي، ما جعلَ المجتمع "فاقدًا للمناعة" تخترقهُ رسائلُ عديدة بمضامينَ "استهلاكية" أو "مُغتربة في الآخر" تارةً و"سلفيّة" أو "مغتربة في الماضي" تارةً أخرى.

من داخل هذه البيئة السّياسية والاقتصادية – الاجتماعية والثقافيّة، الموسومة بتواصل تغوّل الدّولة على المجتمع والحزب الحاكم على الحياة السّياسية، بدأنا بالتحرّك على مستويين اثنين، الأوّل وهو مستوى نظري - فكري، حيثُ باشرنَا البحث في ما أسميناه "العمق التّاريخي للأزمة" أي جُذورَ هذا الحاضر -بمظاهره المختلفة- الذي نعيشُ، تاريخهُ وكيفيّة تطوّر وتأثير الأحداث فيه وأسباب تشكّله بالطريقة التي انتهى إليها، وكيفَ تطوّرت الأمور وماهي أدوارُ المسؤوليّة وأيُّ الأطراف الدّاخليّة والخارجيّة أثّرت فيه وإلى أيّ حدّ كانَ ذلكَ ووفقَ أيّ اعتبارات ومصالح ورهانات ...

وقد نظرنا إلى المسائل من زاوية الحركة الطلاّبية وتأثّرها بهذا الواقع وإكراهاته، فالجامعة عمومًا مجتمع مُصغّر تتمظهر وتنعكسُ داخله تناقضات المجتمع.

وفي الحقيقة، لقد كان الغالب على المشهد السياسي الطلاّبي، من ناحية إنتاج الأفكار والنّقاش وتطوير المضامين، حالة من الفقر المدقع، فالجيل الطلاّبي الذي عشنا معه كان جيلاً مُستلبًا في الماضي، يستهلك النّصوص القديمة "المرجعيّة" و"المُؤسّسة" دون قدرة على نقدها وتمحيصها، بل وأحيانًا دونَ القدرة على فهمها أصلا. وقد أثّر ذلكَ أيّما تأثير على الحركة الطلاّبية التي أصبحت تعاني -علاوة على القمع والتشرذم الذّاتي- أزمة حقيقيّة في الكوادر والكفاءات الفكريّة بالخصُوص.

إنّه جيل يُعاني مصاعبَ عديدة، أبرزها في هذا الصدد منطق "العقول المستعارة" الذي يُفكّر به، فهو جيل طُلاّبي لم يصنع تجربته بقدر ما تواصلت تجاربُ الآخرينَ فيه، يستعيرُ من "القُدماء" عقولهم للتّفكير بها، أو بالأحرى يسلبهم هؤلاء عقولهم ليفكّروا عوضًا عنهم.

ولذلك بادرنا، وقد كنّا ضحايا هذا الواقع، إلى محاولة "حرث الأرض" قبل زراعتها، أي الاشتغال على مسائل الفكر قبل التقدّم في العمل، وإن ليس بشكل ميكانيكيّ، ولكن كان ضروريّا على الأقلّ القيامُ بـ"عصف ذهني" لأبرز المفاهيم والمدارس والمناهج والنّظريات، فباشرنا مع بعض الأصدقاء تشكيل "الهيئة التأسيسية لرابطة النّوادي الثّقافية بالجامعة" وأصدرنا بلاغ تأسيسها، بعد سلسلة من المشاورات وورشات العمل، في 27 جويليّة 2010، حتّى تحتضنَ مع المجلّة التي اعتزمنا إصدارها، المنبر الحواريّ والفكريّ ويُنظّم داخلها البحثُ والتفكير.

أمّا المستوى الثّاني، فهو مستوى عملي – ميداني، حيث ناضلنا داخل الجامعة كتركيبة طلاّبية مستقلّة، وحاولنا تجنّب الوقوع في "الإعاقات الذّاتية" التي تحول دون جماهيريّة ومصداقيّة مكوّنات الحركة الطلاّبية، التي أصدرنا حولها أولى نصوصنا وكان بعنوان: "الحركة الطلاّبية التّونسية – وضعيّة غير طبيعيّة داخل أزمة عامّة"، وبعيدًا عن منطق الرّضا عن الذّات وتعداد "المعارك"، فقد توفّقنا، رغمَ كلّ الصّعوبات الذّاتية والموضوعيّة، في البروزكذوات مناضلة وكمجموعة كفاحيّة تحظى بالاحترام والإعجاب، وهو ما دفعنا لمزيد تطوير أفكارنا المشتركة، فأصدرنا تباعًا، وثيقة تعريفيّة تُجمل أبرز منطلقاتنا النّظريّة وعناصر هويّتنا المتفرّدة، ونصّان في شكل دراستان عن "مشروع إمد وخوصصة الجامعة وتهميش الإنسانيات .. أيُّ بديل؟ " وعن " الشّباب التّونسي ومنظومة الحماية الاجتماعية (الصّحة، التشغيل، التعليم، التّرفيه ..)" وسوف نُفرج في قادم الأيّام عن هذه الوثائق في كتيّب ثان (مع كتيّب التصوّرات البرنامجيّة) لتعميم الفائدة وإثراء المدوّنة الشبابيّة والطُلاّبية بمراجع نعتبرها قيّمة وذات أهمّية.
 إنّ المأمول اليوم، والضروريّ، هو تغيير الثقافة السياسية بالانتقال من التلقين والإكراه إلى الحوار والاختيار الحر، وتطوير العقد الاجتماعي السياسي من الزبونية (clientélisme)  والأبوية إلى المشاركة الحرة والمسؤولة، وذلكَ ما سيعزّز التقدّم نحو تجذير مكاسب الثورة، وهذا جزء مما نذرنا أنفسنا من أجله، فالنضال غاية في ذاته وفي نهاياته، وإنّه لنظر وعمل كما يقول ابن خلدون. 

لن تكون "حركة جيل جديد" مجرّد رقم يضاف إلى المعادلة السياسية بالبلاد،  بل ستمثل – بجوهرها المُجدّد وأساليب عملها غير النّمطية وكفاحية مناضلاتها ومناضليها وبرنامجها الواقعي والثّوري في آن، نقلة جذرية في حركة الشباب التونسي، وإضافة نوعية للمشهد الفكري والسياسي بالبلاد. وإنّنا عازمون، بالصّدق والمبدئيّة التي عهدتموها فينا، على تفعيل ما طرحناه من أفكار على قاعدة ما راكمناه من نضال في السّنوات الفارطة..

سيزيدنا اقتحام مقرّنا الوحيد ثباتا، وسنواصل نضالنا من أجل القضايا العادلة، وسيظل الجيل الجديد خندقا متقدّما في صراعها مع الرّجعيتين الحاكمتين في تونس.
التعليقات (0)