حول العالم

تونس.. جامع الزيتونة 1300 عام من المعمار والتعليم

تبلغ مساحة الجامع حوالي 5000 متر مربع، منها 1344 مترا مربعا مساحة مغطاة - أرشيفية
تبلغ مساحة الجامع حوالي 5000 متر مربع، منها 1344 مترا مربعا مساحة مغطاة - أرشيفية
لا يمكن للمار عبر أزقة المدينة العتيقة في تونس العاصمة أن يعبر دون أن تطأ قدماه ذاك الصّرح والمعلم التّاريخي والإسلامي الكبير الذي يتصدر مدخل المدينة من جهة منطقة القصبة، حيث قصر الحكومة.

هذا المعلم هو جامع الزّيتونة، الذي يعود تاريخه إلى سنة 79 هجريا (699 ميلادية)، ويعتبره الكثيرون القلب النّابض لمنطقة شمال أفريقيا، وأحد مناراتها وأيقوناتها التاريخية، وهو موضع صراع حاليا بين السلطات التونسية وشيخ الجامع حول "التعليم الزيتوني".

فبمجرد الوقوف أمام إحدى بواباته الضّخمة تجدها فاتحة ذراعيها أمامك مرحبة بزُوارها من المصلين وغير المصلين، ليستقلبك صحن الجامع المترامي الأطراف، ومن الجانب الأيسر تنتصب الصومعة (مئذنة) كقمة شامخة، لم تزح الأيّام عنها غبار التاريخ.

والصومعة هي أحد أهم العناصر المكونة للجامع، وترجع أصولها إلى عام 1892 لتعويض المئذنة القديمة، وتتميز بنقوش ورسومات إسلامية. وفي المقابل، تجد قبتي الجامع بزخارفتهما وجماليتهما.

ولا يكتمل المشهد في جامع الزيتونة دون إلقاء نظرة على الحمام، الذي اختار من هذا المكان مستقرّا له، حيث ينزل من أسطحه من حين إلى آخر ليقتات ببعض الحبوب التي تلقى له في صحن الجامع الشّاسع، في مشهد يبعث على الطّمأنينة لدى مرتادي الزّيتونة.

وتبلغ مساحة الجامع حوالي 5000 متر مربع، منها 1344 مترا مربعا مساحة مغطاة، ويوجد به 184 عمودا بتيجان أثرية.

وبحسب مؤرخين فإن المكان الذي بني فيه الجامع كانت تحاذيه شجرة زيتون كبيرة، ومنها جاءت هذه التسمية، إضافة إلى الرمزية الدينية، فقد جعل القرآن الكريم من الزيتون شجرة مباركة، وورد ذكره سبع مرات في الكتاب الكريم.

لكنها ليست الرواية الوحيدة، إذ يقول الباحث المختص في الآثار الإسلامية، عبد العزيز الدّولاتي، في حديث مع وكالة الأناضول، إن "الجامع استمد تسميته من قدّيسة مسيحية إسمها الزيتونة كانت مدفونة في المكان، حتى أن أحد ملوك آرغون (مملكة قديمة) في إسبانيا طلب من أحد ملوك الدولة الحفصية (حكمت تونس بين عامي 627 هـ – 982هـ / 1228م – 1573م) فيما بعد استعادة رفاة هذه القديسة".

ووفقا للباحث التونسي، فإن "أهم العناصر المعمارية للزيتونة، والتي استمدت جماليتها من الهندسة الإسلامية  للجامع، هي بيت الصلاة الشّاسع، والذي يتوسطه محراب يعود إلى القرن الـ17 الميلادي، ليجد الزائر خلفه المحراب الأغلبي الأصلي (نسبة إلى دولة الأغالبة بين عامي 184 هـ - 296 هـ / 800 م -909 م) بحجمه الكبير، وقد كان مزخرفا على نمط محراب جامع عقبة بن نافع، والأمر نفسه بالنسبة إلى المنبر الذي وقعت عليه بعض التحويرات".

وقد جاء جامع الزيتونة، بحسب الدّولاتي، "كصورة مصغرة لجامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان (أقدم جوامع تونس) من ناحية التخطيط المعماري والزخارف الرخامية والحائطية المميزة له".

ومن أهم المواد التي شيّد بها جامع الزيتونة هي "الحجارة، حيث كانت أكثر العناصر المستعملة سواء لدى تشييد التيجان والأقواس والأعمدة، أضف إليها الصحن الذي كان مغطى بألواح مرمريّة كبيرة مأخوذة من معابد رومانية تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد.. وكذلك الأعمدة رومانية الأصل، في حين أن التيجان تعود إلى الحقبتين الأندلسية والحفصية، فيما بنيت الأقواس حدويّة الشكّل، أي مشابهة لحدوة الفرس".

ويشير الدّولاتي إلى أن "جامع الزيتونة تأسس سنة 79 هجريا على يد حسان بن النعمان، الذي فتح مدينة تونس، ولكن المعلم بشكله الحالي يعود بالتحديد إلى سنة 250 هجرية، وهُناك كتابة بالخط الكوفي في قبة المحراب تدلنا على الخليفة الذي أمر ببناء الجامع، وهو الخليفة المستعين بالله العباسي".

وهذا المعلم التّاريخي "من الطّراز الأغلبي (نسبة إلى دولة الأغالبية)، ولكن دخلت عليه تغييرات عديدة، وعرف خلال 13 قرنا تغيرات ومحطات كثيرة، فكل دولة حكمت تونس أضفت عليه بصمتها، ولهذا توجد فيه كل الأنماط الهندسية والزخرفيّة على مدى قرابة ألف سنة"، بحسب قول الدّولاتي للأناضول.

ويمضي قائلا إن "قبة البهو تعود إلى القرن الرابع الهجري، الموافق العاشر الميلادي، وبنيت وفق نمط جديد دخل إلى تونس في العهد الفاطمي، أما في عهد بني خراسان، أي الفترة من أواسط القرن 11 ميلاديا إلى أواسط القرن 12 ميلاديا، فاُضيفت إليه كبار البوابات التّي تفتح على الخارج فضلا عن مقصورة الإمام".

ويختم الدّولاتي حديثه عن جامع الزيتونة بقوله إن "الدّولة الحفصية أدخلت إضافات مهمة أخرى مثل الرّواق الخارجي، الذي يطل على سوق الفكة الذي كان يطلق عليه حينها صحن الجنائز، وأعيد بناء هذا الرّواق سنة 1638 في العهد المرادي (بين عامي يمتد من 1640م و1705م)".

وجامع الزيتونة، الذي يتسع لآلاف المصلين، هو أول جامعة إسلامية، ويدرس فيه حوالي سبعة ألف طالب في 25 فرعا بمختلف محافظات تونس، بجانب الجامع الكبير، الذي يطلق عليه "الجامع المعمور"، فيما يتجاوز عدد الشيوخ الزيتونيين 600 شيخا، بحسب شيخ الجامع، حسين العبيدي، في تصريحات لوكالة الأناضول قبل أيام.

وحاليا، يصارع "التعليم الزيتوني" من أجل البقاء، تحت وطأة احتدم الصراع بين السلطات التّونسية والشيخ العبيدي؛ جراء قرار حكومي من قبل كل من وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة التّربية، ووزارة الشّؤون الدّينيّة بسحب وثيقة استئناف التّعليم الزيتوني.

وهي وثيقة تعود إلى سنة 2012، وكانت بمثابة اتفاق بين تلك الوزارات وشيخ جامع الزّيتونة تقضي بإعادة "التعليم الزيتوني"، ويعتبرها العبيدي حكما رسميا، في حين ترى وزارة الشؤون الدّينية أنها لا ترتقي لأن تكون وثيقة قانونية وهي مجرد "وثيقة رمزية".

ويدرس التعليم الزيتوني أصول الدّين والفقه الإسلامي وعلوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الطبيعية فضلا عن الآداب العربية.

وتخرج من جامعة الزيتونة عدد من كبار الفقهاء التونسيين والعرب، منهم المؤرخ ابن خلدون، وابن عرفة، إمام تونس، ومحمد الطاهر بن عاشور، صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين، شيخ الجامع الأزهر.

كما تخرج منه مصلحون وأدباء، منهم المصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي، وشاعر تونس أبو القاسم الشابي، صاحب ديوان "أغاني الحياة"، ومن حلقاته العلمية برز المصلح الجزائري ابن باديس، والرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية.

وبحسب الشيخ العبيدي، فإن جامع الزيتونة واجه عراقيل عديدة، أبرزها إيقاف العمل به في عهد الرئيس الحبيب بورقيبيّة (من 1959 إلى 1987)، والذي عرف تجفيفا لمنابع العلوم الإسلامية والدّينية بـ"إملاءات فرنسية"، تلتها فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي (من 1989 حتى 2011) وما عرفته أيضا من تضييقات خاصّة في كل ما يتعلق بالمسائل الدّينية، وفقا لشيخ الجامع.
التعليقات (2)
ليلي
الثلاثاء، 08-12-2020 09:42 ص
الفرع الزيتونية للكبار وين يقع
نجاة ابوصاليح
السبت، 13-01-2018 11:08 م
درس به جد والدي سنة 1903وهو من أصول مغربية ،رحل الي الازهر ثم الزيتونه ثم درس به جدي محمد بن مولاي الحسن وتخرج منه سنة 1927ورجع الي الجزائر وناضل الي صفوف جمعية العلماء الجزائريين ،الي جانب عبد الحميد بن باديس