قالت صحيفة "صاندي تلغراف" إن جزائريين وصلا إلى بريطانيا عام 1997، هربا من الحرب الأهلية في بلدهما
الجزائر. وعاشا في مدينة
ليستر، التي تسكن فيها أقلية مسلمة كبيرة. وكانت إقامتهما غير قانونية، ورغم ذلك ظلا دون أن يشعر بهما أحد حتى
هجمات باريس في 25 أيلول/ سبتمبر 2001، بعد أيام من عملية القاعدة في نيويورك وواشنطن، وحينها هاجمت قوة مكافحة الإرهاب مكان سكنيهما واعتقلتهما، فيما يعتقد أنها
خلية داعمة للقاعدة في مدينة ليستر.
وذكرت الصحيفة أن الرجلين اللذين اعتقلا هما إبراهيم بن مرزوقة وبغداد مزين، فالأول كان يحب الموضة والملابس الغربية، أما الثاني مزين، فهو رجل عائلة عاش حياة هادئة مع زوجته وأولاده. وكانا قريبين في السكن، حيث لا تفصل بينهما سوى مسافة قصيرة، واندمج الاثنان جيدا في المجتمع المسلم في ليستر، حيث كانا يُشاهدان وهما يرتادان المسجد أو يشاركان في لعب كرة القدم.
ويشير التقرير إلى أن الشرطة وجدت أن بن مرزوقة ومزين يديران شبكة لتزوير جوازات السفر وبطاقات الائتمان وتأشيرات سفر. وأرسل الاثنان المال إلى الشرق الأوسط وأوروبا لتجنيد الجهاديين وإرسالهم إلى باكستان وأفغانستان.
وتورد الصحيفة أن الاثنين جمعا معلومات وتفاصيل عن 200 حساب مصرفي خزنت في جهاز كمبيوتر، أو على ظروف بريدية وأوراق وجدت مبعثرة في أماكن سكنيهما. وكان يتم إرسال المعلومات المصرفية لشركائهم في أوروبا، حيث جمعا بطريقة غير شرعية أكثر من 200 ألف جنيه إسترليني استخدمت في أغراض إرهابية.
وتوضح الصحيفة أن الشرطة عثرت على 60 شريط فيديو تمجد الجهاديين والانتحاريين، منها 19 لخطابات أسامة بن لادن. وفي بيت مزين عثرت الشرطة على جواز سفر باسم مزور، هو "سيرل جاكوب"، استخدمه للحصول على عمل في مصنع "كوربي" والحصول على ألفي جنيه إسترليني من المعونات الاجتماعية وإيجار البيت. والأمر ذاته حصل مع بن مرزوقة، حيث عُثر في بيته على ثلاثة جوازات بأسماء مزورة، التي استخدمت للغرض ذاته. ووجدت الشرطة جهازا لإزالة البلاستيك، الذي يغطي صفحات جوازات السفر. وفي جهاز كمبيوتر عثر على رسائل مشفرة تحدثت عن ملابس "مغسولة" و"غير مغسولة"، وكانت تشير إلى تأشيرات السفر المزورة.
ويبين التقرير أنه بعد عامين من اعتقالهما أدينا بجمع أموال لدعم الإرهاب، وأدين آخر، وهو فريد بلعربي، الذي اعترف بتزوير بطاقات الائتمان، لكن الشرطة لم تثبت أنه كان يعرف بما يفعله الجزائريان الآخران. وحكمت المحكمة على بلعربي بثلاث سنوات، أما بن مرزوقة (43 عاما الآن)، ومزين (49 عاما) فقد حكم عليهما بالسجن مدة 11 عاما. وتقول الصحيفة إن
الاعتقال لم يكن نهاية الأمر، فقد غرست "خلية ليستر" البذور التي قادت إلى هجمات باريس.
الخلية الجزائرية
تؤكد الصحيفة أنه لم يتم اكتشاف "الشبكة الجزائرية" بالحظ، ففي 7 أيلول/ سبتمبر 2001، احتجزت شرطة دبي، جمال بيغال، الذي كان يعيش قريبا من مزين وبن مرزوقة مع زوجته وأولاده الأربعة، بعد اكتشاف جواز سفره المزور، الذي قدمه له صديقاه اللذان يعرفهما من بداية التسعينيات من القرن الماضي.
ويفيد التقرير بأن بيغال ومزين كانا من أتباع الناشط "أبو قتادة"، الذي كانت المصادر الأمنية تصفه بسفير بن لادن في أوروبا. وكان الرجلان يعدان "أبو قتادة" مرشدهما الروحي، وواظبا على حضور خطبه في "فور فيذرز كلاب" في بيكر ستريت وسط لندن، وكشف لاحقا أنهما كانا على اتصال دائم معه وبشكل يومي. وفي الوقت نفسه كان بيغال يتردد على مسجد فينزبري بارك، الذي كان يسيطر عليه أبو حمزة المصري.
وتظهر الصحيفة أنه في الإمارات العربية اعترف بيغال -تحت التعذيب- أنه كان يخطط لتفجير السفارة الأمريكية في باريس. وكُشف أن بيغال كان واحدا من أهم اللاعبين والمنظمين لعمليات القاعدة في أوروبا. ويعتقد أنه ساعد في تجنيد مفجر الحذاء ريتشارد ريد، الذي حاول تفجير طائرة في طريقها إلى نيويورك. ومثل بن مرزوقة ومزين كان بيغال عضوا في الجماعة الجزائرية المسلحة للدعوة والقتال.
ويذكر التقرير أنه تم ترحيل عدد من عناصر الجماعة إلى الجزائر، بناء على اتفاق بين حكومتي بريطانيا والجزائر، لكن سبعة منهم حصلوا على حق الإقامة في بريطانيا، بناء على قرار مهم للمحكمة العليا عام 2012.
وتلفت الصحيفة إلى أن بيغال (49 عاما) سافر إلى فرنسا وعمره لم يتجاوز الثانية والعشرين، وتزوج هناك عام 1990، وأصبح مواطنا فرنسيا قبل أن ينتقل إلى بريطانيا عام 1998، وأقام فيها بطريقة شرعية. وعاش في ليستر، حيث اتصل مع مزين وبن مرزوقة. وبعدها ترك بريطانيا للمشاركة في معسكرات التدريب في أفغانستان، حيث سافر مستخدما واحدا من الجوازات المزورة، التي زوده بها صديقاه. وبقيت زوجته سيلفيا في ليستر، أما هو فسلم إلى فرنسا بعد اعتقاله في دبي، وقدم للمحاكمة، وتمت إدانته عام 2005 بالتخطيط لعملية انتحارية، وحكم عليه بالسجن مدة عشرة أعوام، وتم إلغاء الحكم، ولكنه عاد للسجن بتهمة أخرى. وحاولت زوجته إعادته إلى بريطانيا، واشتكت من سوء معاملته، وقالت إنه "ضحية الظلم الفرنسي، ومع ذلك فلا يزال رهينة في فرنسا".
الصلة الفرنسية
ويكشف التقرير عن أنه عند انتشار أخبار اعتقال بيغال في الإمارات العربية، كان الشخص المتعاون معه في فرنسا واسمه كامل داودي (40 عاما)، وهو جزائري له خبرة في مجال الكمبيوتر والهندسة، هرب وكانت وجهته ليستر، حيث انضم لبن مرزوقة ومزين، اللذين يعرفهما منذ وقت طويل.
وبحسب روبن سيمكوس، الباحث في جمعية هنري جاكسون، والمؤلف المشارك لكتاب "الإرهاب الإسلامي- الصلة البريطانية"، فقد حصل داودي على جواز مزور من صديقيه؛ كي يسافر إلى أفغانستان، حيث تعلم أساليب التعامل مع المتفجرات، وفق الصحيفة.
وتذكر "صاندي تلغراف" أن ما لم يكن يعرفه داودي أن اسمه أصبح لدى السلطات الفرنسية نتيجة لاعترافات بيغال، وتمت ملاحقته إلى ليستر، ورصدت تحركاته قبل أن تتحرك وحدة مكافحة الإرهاب وتعتقله، ولكنها فوجئت بحجم الشبكة وما لديها من وسائل. وتم ترحيل داودي إلى باريس، حيث قدم إلى جانب بيغال وأربعة آخرين، وحكم عليه بالسجن مدة تسعة أعوام.
ويبرز التقرير أن شبكة الجزائريين تركت أثرها على العمليات الأخرى القادمة. ففي عام 2005 قالت مديرة "إم إي فايف" إليزا ماننيغهام بوللر، إن المعلومات التي تم الحصول عليها من بيغال أسهمت في إحباط عدد من العمليات في فرنسا وبريطانيا.
عملية باريس
وتبين الصحيفة أن بيغال نقل إلى سجن فلوري- ميروغيس، الذي يعد أكبر سجن في أوروبا، و كان فيه شريف كواشي يقضي حكما بالسجن، فقد اعتقل لأنه كان يحاول السفر إلى العراق للقتال هناك ضد الأمريكيين. وفي السجن وقع تحت تأثير "أبو حمزة"/ جمال بيغال. وفي السجن ذاته كان هناك أحمدي كوليبالي، حيث كان يقضي حكما بالسجن بعد قيامه بعملية سطو مسلح، وفي عام 2005 التقى كواشي وبيغال، وتحول نحو التشدد الإسلامي.
وتضيف الصحيفة أنه بحلول عام 2010 كان الثلاثة يعملون على خطة، حيث زار شريف كواشي وكوليبالي بيغال، الذي يعيش في جنوب فرنسا. وكان كوليبالي يحضر زوجته حياة بومدين، التي تزوجها عام 2009، إلى بيت بيغال. وتم التحضير لتهريب سمين علي بلقاسم، الذي سجن عام 1995 بتهمة تفجير مترو باريس. واكتشفت الخطة، حيث عاد بيغال وكوليبالي إلى السجن، أما شريف كواشي فلم يدن لعدم وجود أدلة كافية.
وتختم "صاندي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن ما حدث أصبح معروفا، فقد خرج كوليبالي من السجن في عام 2014، وخففت الرقابة على الأخوين سعيد وشريف كواشي؛ لأنهما لم يعودا يشكلان خطرا كبيرا. وقام الثلاثة بهجومين في باريس، وهما الآن في عداد الموتى، وبالنسبة لحياة بومدين فهي مطلوبة للشرطة الفرنسية، ويقال إنها نجحت في دخول سوريا. فيما لا يزال بيغال في السجن، أما بن مرزوقة فخرج من السجن وظل في ليستر حتى عام 2010، حيث رحل إلى الجزائر. وخاض مزين معركة قضائية ضد ترحيله.