ذكرت صحيفة "هآرتس"
الإسرائيلية في نسختها الإنجليزية أن محكمة في تل أبيب، تقع في شارع حاييم وايزمن، رفضت عريضة طالبت الحكومة الإسرائيلية بالكشف عن سجلات تصدير للأسلحة قامت بها لحكومة
الهوتو في
راوندا في التسعينيات من القرن الماضي.
وتقول الصحيفة: "في الشهر الماضي، وفي القاعة 1401 في تلك المحكمة، سردت قصة لم تقل دول أخرى الكثير عنها، مع أن يهود إسرائيل فعلوا ما لا يمكن تخيله. فقد استمعت القاضية أورنا ليفي إلى عريضة تقدم بها البروفيسور يائير أورون، وقدمها نيابة عنه المحامي إيتاي ماك. وكان هدف العريضة إجبار الدولة على الكشف عن سجلات تصدير أسلحة لحكومة راوندا أثناء المذابح فيها قبل 20 عاما".
ويشير التقرير إلى أن كلا من ماك وأورون ذكرا القاضية ليفي بالعبء التاريخي الملقى على كتفيها، واستخدما كلمات مثل "جلسة استماع تاريخي" و"لحظة تاريخية". وبدت القاضية مندهشة من عظم القضية، فالغرفة الصغيرة والحضور القليل خلقا فجوة بين المشهد والقضية.
وتفيد الصحيفة بأنه قد وقع على العريضة 3767 شخصا، حيث تم تقديمها بناء على قانون حرية المعلومات الدولي، وكان الموضوع دراما تاريخية وأخلاقية بدرجة أكبر من الحصول على المعلومات.
وتضيف "هآرتس" أن ستة مسؤولين من قسم إدارة شؤون التصدير في وزارة الدفاع حضروا للرد على العريضة. وجلس الفريق المكون من ثلاثة رجال وثلاث نساء على مقعدين بصمت يستمعون مع محاميتهم ليمور رون. وبدأ أكثرهم رتبة ينظر بجدية، ولكنهم لم يقولوا ولو كلمة أثناء الجلسة الثانية، التي فتحت للنقاش العام. وبالإضافة للفريقين كان الحضور العام مكونا من صحافي وثلاثة طلاب، وقال أحدهم إنه يدرس في دائرة للدراسات الأفريقية، وفي الخارج انتظر عدد ممن وقعوا على العريضة. وكان من المقرر أن يقدم ممثلو الدولة وثائق تظهر مخاطر الكشف عن السجلات على الأمن القومي.
ويجد التقرير أن أهمية المرافعة تأتي من الحادث الذي جرى في راوندا عام 1994، فبحسب الأمم المتحدة فقد قتل مليون رجل وامرأة وطفل في مئة يوم، حيث كان يقتل عشرة آلاف شخص يوميا، ما يجعل الإبادة في راوندا من أسرع عمليات الإبادة في التاريخ.
وكان القتلة أفرادا من قبيلة الهوتو، التي تعتبر الغالبية في البلاد، أما الضحايا فكانوا من أبناء الأقلية وهم
التوتسي.
وتعرض الصحيفة لرأي الباحثين اليوم الذين يجدون أنه كان يمكن منع عملية الإبادة، حيث ظهرت المعالم الأولى عن المذبحة ثم بدأ سقوط ضحايا، لكن دول العالم لم تفعل شيئا، بل قدم بعضها
السلاح للمعتدين.
ويلفت التقرير إلى أن القتلة استخدموا في عمليات الإبادة الراوندية أسلحة بدائية مثل السكاكين والسواطير، إضافة للبنادق والقنابل اليدوية التي حصلوا عليها من تجار السلاح الدوليين.
وتؤكد الصحيفة أن إسرائيل كانت واحدة من مصادر الحصول على تلك الأسلحة، حيث زودت الهوتو برصاص من نوع 5.56 مليميتر، وكذلك بنادق وقنابل حصلت عليها أثناء حرب عام 1973 مع كل من سوريا ومصر.
وتشير الأدلة التي جمعت خلال السنوات، وقام بعض الإسرائيليين بجمعها في زياراتهم إلى راوندا أثناء المجزرة أو بعدها بفترة قصيرة، إلى انه كان وراء هذا جشع، بحسب الصحيفة.
ويبين التقرير أن محامي العريضة ماك أشار إلى تصريح أحد تجار السلاح الإسرائيليين، الذي تحدث بفخر، وورد اسمه في تقرير أعدته سارة ليبوفيتز- دار. وقال تاجر السلاح إنه شعر بالفرح عندما زار وادي الموت، لأن أسلحته ساعدت على قتل الضحايا بسرعة، موضحا أن رصاصة في الرأس أفضل من ضربة بالساطور، ويقول: "أنا في الحقيقة طبيب".
وتقول الصحيفة إن ماك، وهو محام مثالي متدين يقوم بجمع الأدلة، أخبر المحكمة قائلا: "لا حاجة لمواصلة التخفي، وهذا لن يؤدي إلا لتقوية شعور من لهم علاقة بالحصانة، وعلينا الكشف عن الفصول الإسرائيلية السوداء لتصدير السلاح".
وتتابع بأن البروفيسور أخبر المحكمة بعد اعتذاره لها بأنه سيكون عاطفيا، وقال: "أتعامل مع هذا الكفاح باعتباره مهمة، فنحن جزء من الشعب اليهودي، وأتعامل مع الهولوكوست والإبادة منذ اليوم الأول من حياتي ولـ 53 عاما".
وتنقل الصحيفة عن أورون قوله: "أقول للحضور الممثلين هنا أن إرسال الأسلحة لبلد يشهد إبادة مثل إرسال أسلحة لألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، لقد قدمنا السلاح لصربيا أثناء الحصار، وزودنا الحكومة الراوندية بالسلاح الذي كانت ترتكب به جرائم".
واتهم أورون المسؤولين الحاضرين بأنهم يريدون من القاضية مساعدتهم لتغطية الحقيقة. وعندما حاول مراسل الصحيفة سؤال المسؤولين الحاضرين لتفسير موقف الحكومة مما قيل، رفضوا التعليق.. لأن ما قالوه مثير وفاضح.
ويوضح التقرير أن إرسال السلاح لراوندا جاء في وقت كان فيه شمعون بيريز ورئيس الوزراء إسحق رابين منشغلين باتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، لكن الذين وقعوا على العريضة يرون أن السلاح لم يكن ليغادر مطار بن غوريون دون موافقتهما.
وتستدرك الصحيفة بأن هذا التأكيد يحتاج لإثباتات. ومن المفارقة، كما قال أورون، أن إسرائيل كانت أول دولة في العالم أرسلت مستشفى ميدانيا لمعالجة ضحايا المجزرة.
ويظهر التقرير أنه في نقاشها لدفاع أورون، ردت المحامية ليمور رون على العريضة من ناحية تقنية قائلة إن حرية المعلومات تقوم على بند 9ب، والدولة تستند على 9أ، ما يعني تقديم مصلحة الدولة.
وتختم "هآرتس" تقريرها بالإشارة إلى رفض القاضية ليفي للعريضة، بناء على الوثائق السرية التي قدمها الطرف المتهم. ولكن ماك يرى أن القرار فيه إشارة لتحويل القضية للمحكمة العليا.