سياسة عربية

الآلاف يشيعون جثمان المغربي باها في "جنازة مهيبة" (صور)

آلاف المغربيين في تشييع جثمان عبد الله باها - عربي21
آلاف المغربيين في تشييع جثمان عبد الله باها - عربي21
في أول تعليق له عن وفاة توأم روحه الذي كان لا يكاد يفارقه إلا ليلتقيه، قال عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، "انصرفو راشدين، يرحمكم الله هذا قدر الله وقضاؤه والسلام"، وذلك بعيد مواراة جثمان القيادي الإسلامي الراحل عبد الله بها الثرى. 

ابن كيران الذي ينتظر الرأي العام المغربي باهتمام كبير كلمته الأولى بعدما فقد شخص كان يصفه بتوأم الروح والنفس، فهم منه البعض نفي الفرضيات الموت المدبر التي رددتها المثير من الألسن منذ نعي مصيبة الموت.

فمنذ أن أُبلغ ابن كيران بفاجعة وفاة رفيق دربه مساء الأحد المنصرم، وعيناه لا تكاد تجف من الدموع مطأطئ الرأس وكأن جبلا وقع عليه كما تحدث بذلك ملامحه في بيته الذي تحول لمحج لتلقى العزاء أو في الجنازة التي غصت بها شوارع من الرباط كما مقبرة الشهداء، حيث أجهش ابن كيران بالبكاء وكأنه طفل صغير.   
      
البكاء يوحد الجميع
 
كما الموت وحد البكاء بين الجميع فقد ألغيت الرتب والمستويات الاجتماعية والسياسية والدرجات في هرم الدولة، فقد وصلت سيارة الإسعاف بمشقة إلى حيث المأوى الأخير للراحل، يصحبها عدد من رجالات الدولة والدعوة والسياسة والثقافة.
 يتقدمهم الأمير مولاي رشيد الذي مثل الملك محمد السادس في هذه التظاهرة، إلى جانب  رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران وعشرات الوزراء من حكومته. 

ما كان يقتسمه الجميع لحظة الدفن، نعم كان البكاء عملة موحدة حيث تخلى الجميع عن الرسميات والبروتوكول والألقاب لهول المصيبة التي جرحت القلوب.
                  
تعلقت الأبصار بالنعش الذي يحوي داخله عزيزا على المشيعين الذين قدموا من مدن مختلفة. 

"نغيّب في التراب اليوم حكمة وخلقا حسنا واجتهادا في الدعوة إلى الله" هكذا وصفه الداعية عز الدين توفيق في كلمة له أمام القبر الذي لم تفرغ الأيدي إذ ذاك من تسويته.

كان الكل خاشعا يستمع إلى كلمة عز الدين توفيق وهو ينعي رفيقه في الدعوة والعمل الإسلامي، بصوت خاشع، وبين الحين والآخر ترتفع شهقات الباكين الذين صبوا الدمع بغزارة ليشهد بصدق الراحل وأفضاله، غير أن حبهم وتعلقهم بالوحل لم يمنع حتى أبناؤه من أن يرموا التراب على جثته. 

أحياء بالآلاف في اتجاه المقبرة 

منذ ساعات الصباح الأولى كما عاين ذلك "عربي21" بدأ المشيعون يتقاطرون من كل حدب وصوب، جلهم اتجه رأسا لمنزل ابن كيران الذي يحتضن العزاء، قبل أن يبلغ عددهم الآلاف للتوجه نحوى مقبرة الشهداء التي تضم آلاف الأموات أيضاً على مر السنين.

ضمن الحاضرين لمنزل ابن كيران  حضر نعش الراحل بها أيضاً من المركز الصحي بعدما تم تشريح الجثة في إطار التحقيق المفتوح في أسباب الوفاة وملابساتها والتي لم يعلن عنها بعد إذ لم ينتهي التحقيق فيها. 

بدأ المسير وتعالت هتافات مشيعي فقيد الوطن الراحل عبد الله بها تودعه "شهيدا" عند الله، كما تعالت سباباتهم نحو السماء وهم يرددون بصوت واحد " لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت وفي سبيلها نجاهد وعليها نلقى الله" كما اختلطت أصوات المشيعين بنحيب وبكاء الرجال والنساء على رجل خلد سيرة نقية بيضاء وأخلاقا شهد له بها البعيد قبل القريب.

الموكب الجنائزي انطلق مخلفا وراءه صورة كبيرة للفقيد في مدخل خيمة العزاء بمُحيّاه الهادئ وصمته الناطق، وتحت الصورة قوله تعالى في كتابه العزيز  "كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفّوْن أجوركم يوم القيامة" و "إنا لله وإنا إليه راجعون".

هل مات بها أم أغتيل؟

موت بها المفجع وغرابة قصته جعل أكثر من لسان يلوك فرضيات أخرى غير ما أعلن عنه رسميا، فقد استغرب أولئك كيف لرجل بعمر وحكمة وتعقل الراحل عبد الله بها أن يذهب لزيارة مكان لا ضوء فيه ولا بشر ولا شجر، بل كيف أمكن أن يكون ذلك في ظلام فصل الشتاء بعد صلاة المغرب، غير أن رواية عائلة الفقيد تحدث عن أجل حان، وعن قضاء لا راد له، لكنهم أحالوا على نتائج التحقيق الذي فتحته الدولة والذي اعتبره محمد أمين بها نجل 

الفقيد هو الوحيد الكفيل بدفع فرضية ما أم تثبيتها، وأيضاً هو الكفيل بتحديد المسؤوليات وطبيعة الأخطاء.

في انتظار ذلك أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء في بلاغ رسمي وصل "عربي21" نسخة منه أن وزير الدولة الراحل عبد الله باها تعرض لحادثة قطار حين كان بصدد عبور خط السكة الحديدية مشيا على الأقدام أثناء مرور القطار رقم 45 المتجه بالنقطة الكيلومترية عدد 50 و600 من خط السكة الحديدية الرابط بين الدار البيضاء والرباط. 

البلاغ أكد أن التحقيقات الأولية كشفت أن سائق القطار استعمل الإشارات الضوئية والمنبه الصوتي لتحذير الفقيد الذي حاول الرجوع إلى الخلف، غير أن القطار أدركه ورمى بجثته على بعد عدة أمتار من خط السكة الحديدية، مشددا أن البحث ما زال جاريا في الموضوع.
 كما ذكر المصدر ذاته أن مكان الحادث يقع على بعد أمتار قليلة من القنطرة التي توفي بها يوم 9 نوفمبر الماضي النائب البرلماني اليساري المرحوم أحمد الزايدي. 

مشهد مهيب 

"مشهد مهيب" هكذا وصف أحد المتتبعين جنازة المرحوم عبد الله بها، توقفت حركة السير في القلب النابض للعاصمة الرباط، وفي ساحة باب الحد والشوارع المجاورة لها، لا حديث إلا عن مناقب الفقيد وخصاله، بينما رفع رجال الأمن التحية العسكرية أمام الموكب الجنائزي تحية لرجل الدولة الذي خدم وطنه بصدق وإخلاص وأمانة ونكران الذات كما أنه الرجل المثال في الطيبة والتواضع وحسن الخلق كما وصفه عاهل البلاد الملك محمد السادس في برقية تعزية وجهها إلى أسرة الفقيد. 

الآلاف المتحركون في اتجاه المقبرة واختلاف انتماءاتهم الجغرافية والسياسية، كانت توحي بأن الحدث يتعلق بشخص غير عادي كما علق أحدهم. فبمجرد انتهاء لحظة الهدوء التي فرضتها صلاة الظهر والجنازة على الساحة المجاورة لمسجد الشهداء بالرباط، احتل الساحة في اتجاه مقبرة الشهداء الآلاف من المشيعين الذين تقاطروا من كل صوب. كان العشرات من الصحفيين والإعلاميين يهرولون للوصول إلى الصفوف الأمامية لكن بالكاد كان يمكن تداركها؛ فالكثير من المشيعين الذين كانوا قد استبقوا الجنازة ينتظرونها أمام المقبرة.
التعليقات (0)