مقالات مختارة

الانتخابات الإسرائيلية: تحد أكبر بكثير مما يتوقع نتنياهو

ميرون رابوبورت
1300x600
1300x600
كتب ميرون رابوبورت: قد يواجه بنيامين نتنياهو تحديات غير متوقعة في الانتخابات القادمة حيث سيتركز التصويت على الأمن الشخصي، وعلى الهوية اليهودية للدولة، وعلى موقع إسرائيل في العالم.
 
عندما قابل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزير ماليته يائير لابيد الليلة الماضية كانت التقارير الواردة في الصحافة الإسرائيلية ما تزال تتوقع تسوية ما، وتتنبأ بحل يتم التوصل إليه في اللحظة الأخيرة للخروج من الأزمة السياسية التي هددت بالتسبب بانتخابات مبكرة غير مسبوقة خلال الخمسين عاماً الماضية.
 
ولكن ما أن فتح الباب وخطا لابيد خارج مكتب رئيس الوزراء حتى بدا واضحاً أن معجزة فقط بإمكانها الحيلولة دون أن يعود الإسرائيليون عاجلاً إلى صناديق الاقتراع. رغم أن التاريخ لم يتحدد نهائياً، إلا أن من المتوقع أن تكون إسرائيل قد انتخبت برلماناً جديداً في موعد لا يتجاوز إبريل (نيسان) 2015.
 
إن أول وأوضح تفسير يخطر بالبال لقرار نتنياهو المخاطرة بفقدان السلطة قبل نهاية فترة حكمه الحالية بما يزيد عن عامين هو الانعدام التام للثقة بينه وبين لابيد، رئيس حزب ييش آتيد. يجدر التذكير بأن لابيد كان مقدم برنامج تلفزيوني شهير قرر ولوج عالم السياسية، وبمجرد ما فعل تمكن من الفوز بتسعة عشر مقعداً في الانتخابات الماضية. لم يخف لابيد أبداً طموحه في أن يحل يوماً محل نتنياهو. ولم يخفف من التوتر بين الرجلين جلوسهما معاً في نفس الحكومة لعامين متواليين، بل لعل العكس تماماً هو الذي حدث.
 
لقد ادعى نتنياهو بأن لابيد كان يسعى للانقلاب عليه من خلال تشكيل ائتلاف بديل داخل البرلمان الحالي. ولكن حتى لو كان لابيد فعلاً يسعى لتحقيق ذلك، لم يكن وارداً أن ينجح في تجميع 61 صوتاً، وهي الأصوات المطلوبة لتتوفر لديه أغلبية داخل الكنيسيت، أو البرلمان الإسرائيلي. إلا أن من الواضح أن نتنياهو كان مسكوناً تماماً بالفكرة.
 
أصبح نتنياهو مسكوناً بنظريات المؤامرة وبأن لابيد يلعب فيها دوراً رئيسيا بعد أن صوتت أغلبية في الكنيست قبل ثلاثة أسابيع لصالح قانون أولي يقيد التوزيع المجاني لصحيفة "إسرائيل هايوم" (أي إسرائيل اليوم)، وهي صحيفة يومية يمولها صديق حميم لنتنياهو هو الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون إيديلسون.
 
يبدو أنه وصل إلى قناعة بأن التوجه نحو انتخابات مبكرة هو السبيل الأفضل لإبطال هذه التهديدات.
 
ارتداد من الحرب على غزة
 
منذ أن تشكلت في مارس 2013 كانت حكومة نتنياهو الثالثة نوعاً من المخلوق الهجين. فبدلاً من أن يحيط نفسه بشركاء "طبيعيين" من بين حلفائه اليمينيين، عمد إلى تشكيل ائتلاف أقرب إلي الوسط: البيت اليهودي ذو التوجه اليميني في جهة، وفي الجهة المقابلة لابيد وتسيبي ليفني المغرمة بعملية السلام، بينما حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو في الوسط بين الاثنين. أما غلاة المتدينين (الأرثوذكس)، الذين طالما كانوا حلفاء الحكومات الإسرائيلية اليمينية، فبقوا خارج الائتلاف.
 
في خطابه الذي ألقاه يوم الثلاثاء، اعترف نتنياهو أن الائتلاف "فرض" عليه فرضاً. إلا أنه كان واضحاً في حينها أن نتنياهو كان له مصلحة في تشكيل حكومة تبدو في نظر المراقب أكثر اعتدالاً. وقد عزز هذه الصورة استئناف المحادثات مع الفلسطينيين برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وللحظة ما، ربما للمرة الأولى منذ أن وصل إلى السلطة في عام 1996، أتيحت أمام نتنياهو الفرصة ليصنف على أنه رجل سلام.
 
إلا أن هذه اللحظة لم تستمر طويلاً
 
فقد انهارت المحادثات التي كانت ترعاها الولايات المتحدة في إبريل 2014، وشكل الفلسطينيون حكومة وحدة بين فتح وحماس، وجمدت كافة الاتصالات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية فيما عدا في مجال التعاون العسكري.
 
لم يؤثر هذا الفراغ السياسي على الحكومة للوهلة الأولى. صحيح أن ليفني ولابيد أعربا عن عدم رضاهما على انعدام التقدم في المفاوضات إلا أن احتجاجهما كان خفيفاً. بعد ذلك اقترح لابيد مبادرة لإلغاء ضريبة القيمة المضافة على الشقق السكنية للمتزوجين حديثاً وتحدثت ليفني حول التزامها بعملية السلام، وبدت الحكومة الائتلافية في وضع جيد وعلى الدرب لاستكمال فترتها المقررة.
 
ثم جاءت عمليات اختطاف وقتل الفتيان المستوطنين الثلاثة في يونيو في الضفة الغربية، ثم جاء خطف وحرق الفتى الفلسطيني في القدس الشرقية بعد ذلك بثلاثة أسابيع، والأهم من ذلك كله كان مجيء العملية العسكرية في قطاع غزة والتي استمرت خمسين يوماً أثناء الصيف، وبذلك ذهب أدراج الرياح الهدوء النسبي الذي نعم به الجمهور الإسرائيلي منذ بدء الفترة الثانية لنتنياهو في عام 2009.
 
من الناحية العسكرية البحتة، قد يكون من المبكر جداً القول من ربح ومن خسر في عملية الجرف الواقي، إسرائيل أم حماس. ولكن، لا يمكن إنكار أن الشعور العام السائد بين الإسرائيليين هو أن جيشهم القوي لم يتمكن من سحق منظمة فدائية صغيرة وضعيفة التسليح، بعد أن تكبد خسائر فادحة في الأرواح في ساحة المعركة وسمح لحماس بأن تشل اقتصاد إسرائيل لشهرين متواصلين.
 
انتهى المطاف بنتنياهو الذي انتخب تحت شعار "قوي ضد حماس" أن يتهمه شركاؤه اليمينيون بالليونة الشديدة في التعامل مع هذه الحركة الإسلامية، وأظهرت استطلاعات الرأي أنه بدأ يفقد الأصوات لصالح حزب البيت اليهودي الذي يترأسه نفتالي بينيت. ورغم إعلانه الانتصار على حماس، إلا أن نتنياهو خشي أن يخسر قاعدته الانتخابية فقرر الانعطاف بحدة نحو اليمين.
 
التاريخ يعيد نفسه
 
في عام 1998، وخلال أول فترة يترأس فيها الحكومة، تعرض نتنياهو لنقد شديد من قبل لوبي المستوطنين بسبب توقيعه لمذكرة واي بلانتيشن مع الرئيس الفلسطيني حينذاك ياسر عرفات، والتي وافقت إسرائيل بموجبها على تسليم الإدارة في أجزاء كبيرة من الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، فما كان من نتنياهو وكرد على هذه الانتقادات إلا أن جمد الانسحاب الإسرائيلي من تلك المناطق تحت مسوغات مختلفة.
 
والآن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه من جديد
 
منذ عملية الجرف الواقي حتى الآن لم تعرف إسرائيل أسبوعاً واحداً من الهدوء. فرغم أن معظم الحوادث جرت في القدس إلا أن جندياً إسرائيلياً تعرض للطعن في تل أبيب، كما قتل مستوطن في غوش إتزيون في الضفة الغربية، واندلعت الاحتجاجات الغاضبة بعد إقدام شرطي على قتل فتى عربي في كفر كنه في شمال إسرائيل. وبهذا، بدأ الأمن الشخصي، الذي كان في يوم من الأيام إحدى نقاط قوة نتنياهو، يبدو، وبشكل متزايد، كما لو كان كابوساً مرعباً.
 
ولكن، وبدلاً من أن يعمد إلى تخفيف التوتر، اختار نتنياهو تصعيد الأوضاع، أولاً من خلال السماح للمتطرفين من حركات جبل الهيكل بتكثيف نشاطاتهم في المنطقة، موفراً بذلك الأسباب للفلسطينيين ليعتقدوا بأن الإسرائيليين على وشك تغيير الوضع الراهن في الأقصى، وثانياً من خلال اللجوء إلى استخدام لغة عدوانية في الحديث عن السلطة الفلسطينية وعن مواطني إسرائيل من الفلسطينيين.
 
وكان آخر معلم في منعطف نتنياهو نحو اليمين هو قانون الدولة اليهودية سيء الصيت بكل ما يعنيه من تداعيات سلبية بالنسبة لغير اليهود في إسرائيل. لقد كان تحول نتنياهو باتجاه اليمين بعد مذكرة واي في عام 1998 هو الذي أدى إلى انتخابات مبكرة في 1999 خسر فيها السلطة لصالح حزب العمل. من المبكر جداً الفصل فيما إذا كان من الممكن لهذا السيناريو أن يكرر ذاته في عام 2015، فاستطلاعات الرأي لا تشير إلى احتمال فوز حزب العمل وحلفائه.ولكن في نفس الوقت ليس هناك ما يضمن فوز نتنياهو هو الآخر.
 
إلا أن شيئاً واحداً يمكن الجزم به، ألا وهو أن الحرب على غزة، والتي بدت كما لو أنها طواها النسيان، أثرت في النهاية على المشهد السياسي الإسرائيلي. في انتخابات 2009 كان التركيز بشكل أساسي على القضايا الاجتماعية، أما في الانتخابات القادمة فسيكون التركيز على الأمن الشخصي وعلى الهوية اليهودية لإسرائيل وعلى وضع إسرائيل في المشهد الدولي. ولعل الأيام تثبت أن التغيير الذي ستجلبه سيكون أكبر بكثير مما هو متوقع.



 (ميدل إيست آي اللندنية)
التعليقات (0)

خبر عاجل