كتاب عربي 21

تخليص إبريز الثورة من باريس العورة

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
تحت وقع الذهول الكبير من نتائج الانتخابات التشريعية التونسية لسنة 2014 وفي انتظار خوض  المعركة الشرسة لتصعيد رئيس  منتم للثورة ومؤمنا بالتغيير السلمي الديمقراطي تتضح للمتأمل  نقاط ضوء كثيرة  تؤكد أن القادم أفضل رغم لحظة اليأس المعتقة الناتجة بالخصوص عن انفراط عقد المؤمنين بالثورة  في لحظة من لحظات الفعل  وقد طمعوا في غنائم لم يحن أوانها بعد. كما رماة غزوة أحد الذين  كشفوا  ظهر جيشهم طمعا في الفيئ. 

ثورة مضادة عجوز

 لم تجد الثورة المضادة في تونس من وشيجة لربط أسبابها إلا عجوزا مشرفا يناور منذ أول الثورة على تخريبها. ودون الرجوع الآن  إلى أسباب إخراجه من بياته الشتوي في فجر الثورة وتكليفه بدور المنقذ. فان استعماله الآن لقيادة البلد يدل بلا يدع مجالا للشك أن النظام القديم فقد أسنانه وهو يعيش بلعق  الياغورت ( الزبادي) بطاقم أسنان مرتعش.

طاقم وزراء بن علي الذي يقود الثورة المضادة يتقدم بمعدل أعمار  في السبعين وليس لديه في الصورة طاقم شباب منتم لمشروع   وبرنامج طويل النفس إلا  خطاب الكراهية الذي يروجه إعلام فاسد ضد التيار الديني. لقد افتقد موجهو الآلة الإعلامية  إلى محتوى للخطاب فأعادوا إنتاج خطاب عنصري  ضد مناطق الجنوب و حرضوا على الاحتراب الجاهلي  على أسس اللون والمعتقد بحجة  الحداثة ضد الظلامية. نعم الحداثة العنصرية الموغلة في التحقير والامتهان. ولعمري فان هذا أجلى أنواع الفقر الفكري والبرنامجي الذي يمكن أن تتسلح به فئة سياسية تنوى البقاء في المستقبل  رغم وعيها بأنها تتسلل من الماضي إلى زمن ليس لها. 

في مقابل ذلك من خلال الهياكل الظاهرة للأحزاب المنتمية للثورة فإن معدل أعمار القيادات يظهر تحت الخامسة والخمسين بل ويقترب في بعض المجموعات من الثلاثين وهو عمر يسمح بالمزيد من التعلم والصبر والمثابرة على النضال. فضلا عن ذلك فان هذه الحزيبات وإن صغر حجمها وقل عديدها فهي تجمع منتمين إلى مشروع ولها أفكار  عن المستقبل وتعمل على تجسيد نضالاتها  بتملك السلطة والتغيير وهي قبل ذلك تتملك الشارع رغم فقرها المادي مقارنة بحيتان المال في النظام القديم. الصورة  ترسخ القناعة بأن عجائز النظام الساقط يخرجون من الباب الخلفي  رغم الفوز الانتخابي  الأعرج العاجز عن تكوين حكومة ثابتة. بينما يتملك أنصار الثورة  الشارع من جديد في حملة الرئيس المرزوقي.

حملة نشطة من الفقراء 

مشهد حملة الرئيس المرزوقي  تدل دلالة قاطعة على أن هناك جيل شاب آمن فعلا بالثورة ويشتغل الآن على إنجاحها بعرق جبينه وسهره الليلي  في الترويج للرئيس مكتفيا بالوسائل الديمقراطية معرضا عن العنف بكل أشكاله. شباب من اتجاهات كثيرة  وأغلبه غير متحزب عرف وقدر  مسار الثورة واحتمالات الثورة المضادة  لذلك هب متطوعا في حملة انتخابية يفسدها المال(في الجهة الأخرى) لكن هذا الشباب لم ينحز إلى المال الفاسد بل انتمى إلى الرئيس الفقير  المترشح بلا ماكينة انتخابية. هذا الشباب المجهول هو من ربَّتِ الثورة  في سنواتها الأولى و حرضته على الانتماء إلى المستقبل وهو الشباب الذي لن ينتمي  مهما كانت النتيجة الانتخابية إلا للثورة  ومستقبلها. هنا تتضح مقارنة الداخلين إلى المستقبل والخارجين منه على فنائهم رغم  مشهد انتخابي يغري بالتشبث بالحياة.

هذا المشهد يقدم دليلا ساطعا على أن ماكينة الإعلام الفاسدة لم تخترق العقول ولم تنطل حيلها على جمهور الشباب. لقد اضطرت إلى عملية إرهابية ممسرحة بعناية  للتأثير في  الانتخابات  في اللحظات الحاسمة مما يدل على أنها الآن تحدث نفسها  وتتوهم إقناع جمهور سينغلق عليها خاصة بعد تفشي خطاب العنصرية والجهويات والتحقير على أساس لون البشرة ولون الدم ولون العينين.  

صف ثوري مشتت يعي خسارته

ما الذي ينقص المشهد الثوري ليعود إلى ألقه وقيادة نفسه وتتويج انتصار شبابه على الثورة المضادة الفاقدة لأسنانها. يقول عزمي بشارة "إنّ مهامّ الثّورة لم تتمّ و هنالك اليوم جيل من الشّباب ما عاد بالإمكان وضعه في القفص"(...) على الثّوّار أن ينتبهوا إلى أنّ الثّورة المضادّة بصدد القيام بحشد الشّارع و تعبئته ضدّ قيم الثّورة و بدأت تقنعهم بضرورة الرّضوخ و العودة للدّكتاتوريّة لأنّها الوحيدة الكفيلة بتحقيق الأمن والاستقرار" . من المعني بهذا الخطاب الداعي إلى الوعي؟ باللحظة التاريخية الحاسمة أمام ماكينات الترهيب المنهجي. 

جيل القيادات الشابة الموزعة بين تنظيمات حزبية  صغيرة  ذات هوى اجتماعي في غالبها نذكر على سبيل المثال لا الحصر .حزب المؤتمر والتيار الديمقراطي  والتحالف الديمقراطي  وحركة البناء المغاربي وحزب البناء الوطني وحركة الشعب وحركة وفاء وشباب يساري كثير (جيل جديد و شباب الكرامة وحريات سواعد وغيرهم). كل هذه المجموعات السياسية  تعلن برامج متقاربة وتنتمي بالفكر والروح للثورة  لكن عملها المشتت يجعل منها جزرا صغيرة معزولة رغم وحدة منابتها وتطلعاتها وهي مذاخر للشباب المتحمّس للعمل(لكن المشتّت). لكن العائق هو التوجس القيادي وربما وهذا الأخطر تعيش قيادات هذه المجموعات الشبابية  نوعا من النرجسية السياسية المفرطة و تعتقد في كمال رأيها وصواب قراراتها ورغم الصفعة الانتخابية التي تلقتها وهي في تشتتها المرضي الذي حجمها إلى حزيبات غير مرئية فإنها لم تعلن نقدها الذاتي ولم تفصح عن خطط توحيد  للعمل السياسي. وربما تستمر في  مداهنة غرورها متوهمة الكمال وهذا خطر كبير عليها وعلى الثورة. لقد وجد النظام القديم من هنا مدخلا للسكن بينها وسيجد المزيد من المداخل لتشتيتها وإغرائها وقد عاد بيده بعض السلطة، ما لم تع أن قوتها في توحدها على برنامج الثورة في الحدود الدنيا الجامعة ضمن مؤتمر وطني شعبي . إنها في مقياس الثورة  ثروة مهدرة  حتى  عودة الوعي.

الثورة تحتاج زهادا كبارا

الثورة تحتاج إلى جيل من الزهاد لا من صيادي الغنائم وجامعي الفيئ في حرج معركة تخليص إبريز الثورة من باريس العودة. إن باريس هنا (القوى الخارجية) هي التي  صنعت النظام التونسي بعد الاستقلال و قدمت صيادي الغنائم على الزهاد ومكنت لهم في الحكم بكل السبل فاستشرى الاعتماد عليها لتحقيق مكاسب صغيرة ضمن مكاسبها في بقاء البلد تابعا ذليلا. ونحن نراها اليوم توجه دفة العمل السياسي  إلى حد التضحية بنخبتها الفرنكفونية من أجل استعادة موطئ قدم في الحكم.

جيل الزهاد الايثاريين  هم الفئة المطلوبة الآن وهنا لكي  تستعيد الثورة نفسها في الانتخابات الرئاسية الآنية ثم في إعادة بناء الصف الثوري سياسيا في المدة المنظور  والاستعداد  للاستيلاء على الإدارة من أسافلها بالعمل الديمقراطي  البلدي والصعود إلى تملك الدولة  طبقا لشروط الديمقراطية المدنية.   

إن المؤتمر الوطني الشعبي يصير ضرورة حيوية للثورة.  
التعليقات (1)
عبدالرزاق الجملي - توزر - تونس
الثلاثاء، 11-11-2014 09:56 م
نرجوا أن يكون زلزال - ولا أقول رجة - الإنتخابات التشريعية كافيا ليجمع الثوريون شتاتهم ليس في الإنتخابات الرئاسية فقط بل وبعدها البلدية وفي رحاب البرلمان القادم حتى حتى لا تجد الثورة المضادة الساحة خالية تردح فيها على هواها وتعيد رسكلة القوانين الرجعية ونعيد بأيدينا دكتاتورية كنسناها ذات شتاء ..... أرجوكم لا تدعوا أحفادنا يلعنونا