باتت تسمية رئيس الحكومة الجديدة في
اليمن، محل جدل سياسي كبير في الأوساط السياسية والنخبوية، وذلك بعد أن اصطدم قرار تكليف الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لمدير مكتبه أحمد
بن مبارك بتشكيل الحكومة بحائط رفض حوثي مؤتمري، أفضى في النهاية إلى إعلان بن مبارك اعتذاره عن قبوله تكليف هادي. ما يبقي على هذا الملف مفتوحا دون حسم حتى الآن.
ويُفسّر كثيرون الرفض المزدوج من قبل الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي صالح أنه يأتي في سياق تبادل الأدوار بين حزب صالح وجماعة الحوثي المعروفة بـ"أنصار الله " لتوسيع جغرافيا نفوذهما على حساب الدولة اليمنية عبر إسقاط مناطق جديدة من البلاد، بينما يذهب آخرون إلى أن الرئيس اليمني يستثمر هذا الرفض لتهيئة المناخ للجنوبيين لفرض شروطهم في اللحظات القادمة ومن ضمنها الانفصال عن الشمال.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي أن "رفض الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام، قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تكليف الدكتور أحمد عوض بن مبارك بتشكيل الحكومة الجديدة، الذي اعتذر قبوله التكليف، يعكس وجود أزمة ثقة بين شركاء ما وصفه بـ"انقلاب 21 سبتمبر" على خلفية التطورات غير المتوقعة في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي المغايرة لحساباتهم السياسية".
وأضاف لــ "عربي21" أن " التطور في الموقف الخليجي على ما يبدو وضع مستقبل الرئيس المخلوع علي صالح في موقف صعب، ما دفع به، والحوثيين إلى لعب ورقة رئيس الوزراء من أجل تعطيل العملية السياسية والتنصل من اتفاق السلم والشراكة الذي جاء أصلاً ليغطي على انقلاب 21 سبتمبر". في إشارة إلى تاريخ سقوط صنعاء بيد الحوثيين.
وأوضح أن "الحوثيين لا يرغبون في تسمية رئيس للوزراء لأن ذلك يتطلب منهم تنفيذ بقية البنود التي نص عليها الاتفاق، وهي بنود ستؤدي إلى تآكل مكاسب هامة كانت قد تحصّلت عليها الجماعة على طريق تأسيس دولتها الخاصة التي يبدو أنها ستكون بملامح طائفية فاقعة"، حسب وصفه.
من جهته قال رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات أنور الخضري إنه من الطبيعي أن "أي شخصية سياسية سيرشحها هادي لمنصب رئيس الحكومة القادمة، ستكون محل اعتراض جماعة الحوثي الشيعية، وحلفائها من
حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه المخلوع صالح، وذلك لفرض المزيد من المكاسب السياسية على الأرض، فالأولى تريد زيادة رقعة سيطرتها في مناطق الشمال وبالتالي الضغط لتحصيل مكاسب عسكرية وأمنية واقتصادية وسيادية على مستوى الوزارات والوظائف العليا في الدولة، بينما الثاني ــ حزب المؤتمرــ يعمل على استعادة بعض ما فقده من قواه المتحللة أمام الوارثين الجدد إن تمكنوا منها مستقبلا بأي انتخابات"، على حد قوله.
وأضاف لــ"عربي21" أن "الحوثيين جعلوا من شخصية رئيس الوزراء المكلف من قبل الرئيس هادي فرصة لمهاجمته، للضغط عليه بالسير معهم نحو نهاية خطتهم المرسومة، التي تهدد ما تبقى من هيبة الدولة المستباحة أصلاً".
وذكر الخضري أنّ "هناك تبادل أداور بين المؤتمر والحوثيين، بعد أن هيأ لهم الرئيس هادي المناخ للتحرك بسلاسة، وذلك عندما ظن أن تقويض نفوذ آل الأحمر، وحزب الإصلاح ، سيمكنه من إدارة العملية السياسية بالشكل الذي يريده، إلا أن ظنه خانه، ووقع في الحفرة التي حفرها لغيره" حسب تعبيره .
وفي ذات السياق أكد الصحفي بلال الجرادي أن "مستقبل الرئيس هادي على المحك، عندما قبل بالتنازل مجددا للحوثيين من خلال الإيعاز لمدير مكتبه بالاعتذار عن قبول تكليفه بتشكيل الحكومة، وبهذا يكون قد قضى على ما تبقى من الدولة التي يدّعي أنها لم تسقط حتى اللحظة".
ولفت الجرادي في حديث لــ"عربي21" إلى أن "معركة" لي الأذرع " بين الرئاسة اليمنية من جهة والمخلوع صالح والحوثيين من جهة أخرى، بدأت ملامحها تظهر جليا في الحراك السياسي الأخير"، حسب وصفه.
وكان الحزب الاشتراكي اليمني دعـا ـ على لسان مسؤول في أمانة الحزب ــ إلى ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة بعد تسمية رئيس الحكومة، وذلك للبدء بوضع البلاد على طريق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، مشيرا إلى إنّ "تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة يُعد أولوية مطلقة في اللحظة الراهنة نظرا لما تمر به البلاد من أوضاع خطيرة ومتدهورة".