كتاب عربي 21

المعارضة السورية وهجمات التحالف الدولي على "داعش"

علي باكير
1300x600
1300x600
عندما ينصب تركيز الولايات المتّحدة والعالم على موضوع ما في مكان ما وزمان ما، فمن الصعب جدا على جهة ما أن تنجح في تغيير  ذلك خاصّة اذا كان الموضوع الذي يجذب الانتباه هو موضوع "الارهاب". في هذه الحالة تصبح القدرة على تغيير أجندة واشنطن شبه مستحيلة، الامر الذي يتطلّب منا تكييف أنفسنا مع هذا التطوّر ومحاولة التموضع في مركز يساعد على استغلاله أو  توظيفه او الحد من مخاطره وتداعياته.

في هذه الحالة نتحدّث بطبيعة الحال عن ما يجري في سوريا اليوم. لقد عزمت الولايات المتّحدة والتحالف الدولي على مواجهة تنظيم "داعش"، وبغض النظر عن الظروف التي ادت الى نشوء هذا التنظيم أو الجهة و/أو الجهات التي صنعته او سهّلت قيامه أو ساعدت عمله او استغلّته أو ضخّمته، فان هذا الأمر لا يجب ان يكون محلّ جدل اليوم لدى المعارضة السورية، وهو الامر الذي ينسحب أيضا على الحملة الدولية، فبغض النظر عن السبب الحقيقي لتحرّكها الآن والهدف غير المعلن من التحرّك، فان ما يجب أن يهمّ المعارضة يكمن في مكان آخر تماما، وهو كيفيك اسقاط الأسد في ظل التعقيدات المتزادية والتحديات المتراكمة.

وبسبب هذه المعطيات فان المعارضة السورية تقف اليوم امام مفترق طرق حقيقي فيما يتعلّق بمصير الثورة السورية، ذلك انّ الأسد والميليشيات التابعة له لا تبدو على قائمة الأهداف التي سيستهدفها التحالف الدولي، على الأقل حتى الانتهاء من تنظيم "داعش" ان احسنا النيّة والتقدير ، وهو امر قد يتطلب سنوات اذا ما افترضنا انه سينجح. 

وعليه فان التفكير المركزي لكل من يعتبر نفسه انّه معني بالثورة السورية وبأهدافها الأساسيّة والرئيسية التي انتفض الناس من أجلها والمختلفة عن الاهداف التي حددتها فيما بعد فصائل وجهات متعددة انحرفت عن مسارها بسبب القهر والظلم وبسبب غياب النصرة والمآزرة أو طمعا في الحصول على الدعم الذي يخوّلها الاستمرار في محاربة الأسد.

يجب ان تنظر المعارضة السورية الى ما يجري في سوريا اليوم على أنّه فرصة وتحدّي وان لم تكن توافق عليه، فهذه فرصة ربما تكون الاخيرة امامها لاعلان التوحّد والتشديد على ضرورة اسقاط الأسد، فالجبهة الموحدة المتماسكة القويّة هي من يفرض في النهاية على الخارج التعامل معها، أما الجبهة المفككة المتنازعة المشرذمة المتعددة الاهداف والطموح فهي طاردة ومحبطة وان كانت على حق او تدافع عن حق. 

لقد نشرت وسائل الاعلام العالمية ومراكز البحوث والتفكير الاستراتيجي في الشهر الاخير سيلا من المقالات والتقارير التي تقترح على الولايات المتّحدة ضرورة التعامل مع نظام الأسد في الحرب على "داعش" ومنهم من اقترح التعامل مع "النظام الايراني" لكنني لم ار من يقترح أن تتعامل واشنطن مع المعارضة السورية بشكلها الموحّد. وان وجدت مثل هذه التقارير فهي تتحدث عن تعاون مع عدد محدود من الفصائل ما يعني بالضرورة استخدامها كمجرّد أداة فقط لا أكثر. 

لقد تبّنى التحالف الدولي تدريب وتسليح ما سمّاه المعارضة المعتدلة، وعلى الرغم من انّ ذلك يعدّ خطوة ايجابية وان كانت متاخرة جدا وقد تحتاج الى سنوات لتنضج أيضا، الا أنّها قد تتسبب لاحقا بانشقاقات جديدة وصراعات وتخوين بين من يصنف على انه معتدل ومن يصنف على انه غير ذلك من المجموعات المقاتلة، وهو أمر يجب الحذر منه والعمل على نبذه.

ما يجب أن يحصل هو امّا توحّد كل الفصائل المقاتلة وتركيز جهودها لمحاربة الاسد بينما يقوم التحالف الدولي بمحاربة "داعش"، واما ان يكون هناك توزيع ادوار بين جهات تقوم بمحاربة الاسد وجهات اخرى تقوم بمحاربة داعش وربما ملئ الفراغ الذي ينجم عن انسحابها أو تقهقرها من المناطق التي تسيطر عليها وذلك منعا لعودة النظام السوري اليها، وللسيطرة ايضا على مواقع تدرّ دخلا ماليا سواء آبار النفط أو المعابر الحدودية او غيرها من المواقع الاستراتيجية.

ما يهم هو التركيز على تحقيق الهدف، ومن غير المطلوب من هذه المجموعات ان تتعدى دورها في اسقاط الاسد الى ما هو ابعد من ذلمك، فلم يخوّلها احد من الشعب السوري اعلان دولة من اي نوع كان ولا هوية هذه الدولة، ولم يطلب احد من هذه الفصائل استلام الحكم أو تمثيل أحد، وعليها ان تتعظ من دروس التاريخ ومن عبره في هذا المجال. 

ان هذه الفصائل وان كانت تتمتع بارادة قوية للقتال وايمان بالهدف الذي تسعى اليه، الا أنّها تعاني في المجمل من جهل شديد في المجال السياسي والدبلوماسي وهو جهل لا يجب ان نستخف بتداعياته على مستقبل الثورة السورية وعلى طريقة نظرة العالم الى هذه الفصائل وهدفها النهائي والى الشعب السوري كذلك. كما انّ هذا الجهل يحجب عن هذه الفصائل مساعدات نوعيّة من المجتمع الدولي هي بأشد الحاجة اليها، ويوقعها في حسابات ميدانيّة خاطئة في ظل تجاهل التعقيدات في المشهد السياسي الدولي وكيفية التعاطي معه، ناهيك عن انه قد افقد السوريين الكثير من التعاطف والتأييد حول العالم.

علينا ان نتعلم كيف نوزّع الادوار في خدمة الهدف النهائي وان نقدّم التنازلات وأن نبدي الليونة حينما يتطلب الامر ذلك والشدة حينما يحتاج الموضوع اليها، وان نأخذ بالبراغماتية والدبلوماسية ما لا نستطيع الوصول اليه بالقوة وان نوظّف الظروف بما يساعدنا على تحقيق الهدف الذي يجب ان نركّز على مسار الوصول اليه دون الانحراف الى مواضيع لا تمتّ الى الأصل بصلة.

على المعارضة السياسية ايضا ان ترتقي الى مستوى المسؤولية وان توظّف المتاح لها في استلام املنادق داخل سوريا وادارتها وتأهيلها بما يساعد على اكساب المعارضة الشرعية اللازمة ويثبت اهليتها في ادارة البلاد وتأمين البديل المتاح عن الأسد، بدلا من الاشتباك مع بعضها البعض والبحث عن مناصب وولاءات واعلان الشجب والاستنكار.

باختصار عزيزي الناشط والسياسي والمسؤول والمعارض والثائر والمقاتل والمجاهد، جيد أن تبدي رأيك او موقفك المبدئي بخصوص الهجمات الامريكية والتحالف الدولي التي تحصل مؤخرا ، لكن يؤسفني أن أقول لك أنّه لا يهم أبدا ان كنت موافقا أو غير موافق على الأمر، فهو يتم بغض النظر عن موقفك فيه، ولذلك فان نصيحتي المتواضعة لك هي ان تستغل كل قدراتك ومجهودك الفكري والعملي والقتالي في التركيز على نقطة واحدة جوهريّة وهي "كيفية استغلاله"، خاصة انّ المعسكر الآخر شرع في استغلال هذه الضربات قبل ان تبدأ حتى!!
التعليقات (0)