سخّر
الجيش الجزائري، الثلاثاء، ترسانة عسكرية ضخمة، لمسح جبال "منطقة القبائل"، شرقي العاصمة، بحثا عن الرعية الفرنسي
هيرفيه غورديل، الذي اختطفه الأحد، تنظيم يطلق على نفسه "جند الخلافة"، كفرع لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" بالجزائر.
وعزّز الجيش وفقا لتعليمات أسداها نائب وزير الدفاع الوطني وقائد الأركان، اللواء قايد صالح، إلى قائد وحدات الجيش بالمنطقة، بتخصيص فرق إضافية، في جبال تفصل محافظتي "تيزي وزو" و"البويرة"، على بعد 110 كلم شرقي العاصمة، لتعقب المجموعة المسلحة التي اختطفت الرهينة الفرنسي ببلدة "أقبيل" وبالضبط في مكان سياحي يدعى"لالا خديجة".
وتعتبر منطقة " القبائل" التي يسكنها أمازيغ، مسرحا للخطف منذ العام 2005، حيث اختطف ما لا يقل عن 80 شخصا، من قبل تنظيم "
القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" من أجل الحصول على الفدية، وأيضا من قبل عصابات وقطاع طرق، لتحصيل الأموال.
يذكر أن معظم عمليات الخطف، تمت ضد رجال أعمال، أو أقارب لهم. كما أن أغلب من يتم اختطافهم، يفرج عنهم لاحقا، في حين قتل عدد قليل من الضحايا، وكان آخرهم شاب يبلغ من العمر 19 سنة، عثر عليه مقتولا بعد أسبوع من خطفه في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وتمكنت قوات الأمن من القبض على الجناة، وحكم عليهم بالإعدام في كانون الثاني/ يناير من العام 2013.
وفي مرات عديدة خرج سكان القبائل في مسيرات بالشوارع يطالبون بوقف اختطاف أبنائهم، وبتوفير الأمن بالمنطقة. لكن، هذه أول مرة يختطف في المنطقة، رعية أجنبي.
وقام بعملية الاختطاف فصيل تابع لتنظيم مجهول لدى مصالح الأمن، هو "جند الخلافة" يتبع تنظيم" داعش". وقد أعلن عناصر هذا التنظيم البالغ عددهم 15 فقط انشقاقهم عن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، منتصف تموز/ يوليو، المنصرم.
ويقود هذا الفصيل، عبد المالك القوري، وهو معاون سابق لأمير "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أبي مصعب عبد الودود، واسمه الحقيقي "عبد المالك دروكدال".
وظهر الرهينة الفرنسي، هيرفيه غورديل، مساء الاثنين، في شريط مصور يتوسط مسلحيْن اثنين من "جند الخلافة"، بيدهما قطعتا سلاح من نوع "كلاشينكوف"، بينما أخذ الرهينة في كلمته يتوسل الرئيس فرانسوا هولاند من أجل "التدخل لإخراجي من هذا الوضع"، على حد تعبيره.
وطالب مسلح، في نفس الشريط، الرئيس الفرنسي بوقف ضرب معاقل تنظيم "داعش" في العراق، في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
وتطرح تساؤلات وسط المراقبين بالجزائر، حيال مدى قدرة هذا التنظيم الجديد على التنامي أكثر، في وقت يعرف الوضع الأمني بالجزائر تحسنا ملحوظا.
وقال عثمان لحياني، الكاتب والإعلامي المتابع للشأن الأمني في الجزائر، لـ"عربي21"، الثلاثاء إن "جند الخلافة، تنظيم يحاول أن يستفيد من الزخم الإعلامي الذي يرافق صعود تنظيم داعش دوليا، تماما مثلما فعلت تنظيمات سابقة، كالجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تحولت إلى تنظيم القاعدة الأم وبايعت زعيمها السابق أسامة بن لادن، وسمت نفسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أسوة بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والقاعدة في جزيرة العرب".
ويعتبر لحياني أن خطف الرهينة الفرنسي، بمثابة "تحد ميداني، ذلك أن التنظيم الجديد الذي ظهر في الجزائر، يحاول أن يقوم بعمليات استعراضية تتسم بالزخم الإعلامي لكسب تعاطف قيادة التنظيم الأم والاستفادة من التمويل".
وأثار خطف الرعية الفرنسي، زوبعة سياسية بالبلاد، حيث أفاد الأمين الوطني المكلف بالشؤون السياسية في حركة "مجتمع السلم" المعارضة أبو سراج الذهب، لـ"عربي21" الثلاثاء، بأن "الجزائر باتت في خطر بهذه العملية، وهناك راية جديدة للعمل المسلح في البلاد، أعلن عنها بعد توسيع دائرة التنظيم الأم في سوريا والعراق".
وأضاف أبو سراج أنه "إثر إعلان التحالف الدولي المكون من 40 دولة لمواجهة داعش، تفطنا لحقيقة أن أي دولة ترفض الانخراط في هذا التحالف سيولد بها فرع تابع لهذا المارد الجديد". ورأى أن "الجزائر ترفض الانخراط في تحالفات كهذه لا تعرف أهدافها بالضبط، فهي حذرة جدا".
ويربط المتحدث مواجهة تنظيم"جند الخلافة" بضرورة فتح السلطة حوارا مع كافة الأطياف السياسية دون استثناء المعارضة، باعتبار أن التحديات الإقليمية الراهنة أكبر من أن تواجهها السلطة الجزائرية وحدها".
ويقول الدكتور محمد دخوش، الباحث في الشؤون السياسية و العسكرية، إنه "بالنسبة لعملية الخطف هذه، فهي عملية تحيط بها ملابسات غريبة نوعا ما، سواء في طبيعتها أو في توقيتها".
ويوضح دخوش ردا على أسئلة "عربي21" الثلاثاء، أن "العملية جاءت مباشرة بعد طلب تنظيم داعش من أنصاره في كل العالم بتوجيه ضربات لرعايا الدول المشاركة في التحالف الدولي ضده".
واستغرب دخوش "كيف أن الرعية الفرنسي دخل الجزائر، قادما من المغرب ليتوجه مباشرة لمنطقة جبلية معروفة بخطورتها، ليجد المجموعة المسلحة التي أعلنت ولاءها لـ داعش في انتظاره". وتابع بأن "كل هذا يطرح العديد من علامات الاستفهام عن الغاية من وراء العملية، خصوصا في ظل تصاعد الأصوات الغربية التي تدعوا للحشد ضد داعش وما يسمى بالإرهاب".
وبخصوص تأثير خطف الرعية الفرنسي على صورة الجزائر التي يقول مسؤولوها إن الوضع الأمني فيها صار مستقرا، يقول دخوش: "تطالعنا من حين لآخر، تقارير غربية صادرة عن حكومات أو منظمات غير حكومية، تصنف الجزائر بأنها من المناطق الأكثر خطرا، وتدعو هذه الدول رعاياها لتجنب السفر إلى بلادنا.. وما هذه التصريحات الأجنبية إلا وسيلة من وسائل الضغط السياسي من دول المركز على دول الأطراف. وقد تعودنا عليها وهي ليست بالجديدة".
ودان رئيس "جبهة التغيير"، عبد المجيد مناصرة، حادثة الخطف، وقال في بيان الثلاثاء: "ندين هذا الاختطاف وكل الأعمال التي تدخل في خانة الإرهاب زمانا ومكانا، ولا نريد أن تتحول الجزائر إلى أرض للإرهاب الدولي"، داعيا الجميع إلى "تحمل مسؤوليته".