نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية تقريرا للصحفي محمد عمر حول أوضاع صيادي السمك في
غزة تحدث فيه عن معاناتهم والخسائر التي تكبدوها جراء الحصار والحرب.
وفي التقرير يقول عبد السلام العسي إنه ورث مهنة
الصيد عن أبيه الذي ورثها بدوره عن أبيه وهكذا لعدة أجيال وكأنها وراثة جينية. وعبد السلام ليس الوحيد، فهناك عائلات كثيرة تعيش في مخيم الشاطئ في شمال غزة توارثت المهنة لأجيال.
ويقول عبد السلام البالغ من العمر 63 عاما: "هذا هو العمل الوحيد الذي اشتغلت به منذ عام 1967 وحتى اليوم.. ولم أفكر أبدا في تغييره حيث كانت هذه هي مهنة الأجداد أيضا"، قالها وهو يبتسم عندما تذكر قصص أجداده الذين كانوا يعملون بالصيد في يافا قبل قيام
إسرائيل.
ويقوم عبدالسلام بتفقد مركبه كل يوم منذ بداية الحرب مع ما يشكله ذلك من خطورة وقد نجا قاربه هذه المرة من القصف بينما فقد بعض أصدقائه قواربهم في القصف الإسرائيلي لميناء الصيادين.
وعندما أعلن عن الهدنة لم يستطع عبد السلام الانتظار للذهاب للبحر وفي صباح يوم الخميس أخذ كل أقاربه لشاطئ البحر وفي باله الإبحار للصيد فبعد سنوات من منع الصيادين تجاوز الثلاثة أميال أصبح بإمكانهم الصيد على مسافة 6 أميال بحرية كما تم الاتفاق عليه في وقف إطلاق النار، وبالرغم من المخاطر المترتبة إلا أن كل أقاربه شجعوه على اختبار الحدود الجديدة للصيد.
ومع أن ثلاثة أميال إضافية لا تبدو كثيرة إلا أنها قد تعني الفرق بين الموت والحياة لـ 1.8 مليون شخص دأبوا على الصيد في 3 أميال لسنوات مما أخلى المنطقة تقريبا من
الأسماك.
لدى عبد السلام ابنين وابنتين وهو لا يتوقف عن الحديث عن عائلته المكونة من 27 فردا بما في ذلك الأحفاد وعائلة بهذا الحجم هي سبب آخر في الاستعجال في العودة إلى البحر.
وقد خسر عبد السلام بعض أدواته في ضربة إسرائيلية قبل عدة أسابيع ولكن قاربه وشبكته لم تصابا بأذى ولذلك عليه العناية بما بقي من أدواته بشكل جيد والعمل بشكل دؤوب لتعويض الخسارة.
وكان يعمل على القارب قبل الحرب 12 شخصا يعيلون 70 شخصا ولكن ارتفاع أسعار الوقود التي تسبب فيها الحصار الإسرائيلي اضطرت عبدالسلام للاقتراض ثم للاقتراض ثانية لسداد القرض الأول، قال عبدالسلام: "اضطررت للاقتراض من البنك لسداد القروض الأخرى"، وهو يدفع الآن 200 دولار في الشهر كان يستطيع دفعها قبل الحرب ولكنه استنفذ مدخراته خلال الحرب في النفقة على عائلته ويقول إنه حتى مع توسيع مجال الصيد لتصل إلى 6 أميال فالمنطقة لا يوجد فيها أسماك كثيرة وكانت هذه تجربتهم عام 2012 بعد اتفاق وقف إطلاق النار حينئذ.
أضف إلى ذلك المخاطر الأمنية فلا أحد يعرف كيف يتصرف الإسرائيليون وإن كانوا سيقومون بعمل ضد صيادي غزة وحتى الصيد في حدود الثلاثة أميال القديمة كان مخاطرة فبحسب كمال أبو وطفي صديق صبحي ابن عبدالسلام فقد قامت البحرية الإسرائيلية بفتح النار عليه واعتقاله قبل فترة ليست بالبعيدة ثم أطلقوا سراحه ولكنهم لم يطلقوا سراح قاربه.
وكباقي أبناء غزة عانى الصيادون من جراء الحصار والحرب، يقول عبد السلام: "هذه لم تكن حربا، إنها كانت محرقة لم تمر علي من ذي قبل.. رأينا حروبا كثيرة ولكن لم يمر علينا حربا أشد من هذه .. خسرت أدوات الصيد خلال الحرب وغرفة الصيد تم حرقها تماما ولكن ولله الحمد الأطفال بخير".
كما خسر صيادون آخرون عدة صيدهم خلال الحرب ويقول مرهرز أبو ريالة (37 عاما) إن الدمار الذي خلفه القصف على ميناء الصيادين كان لا يصدق "فقد خسرت كل أجهزة الصيد والشباك ومحرك قاربي". وهو أب لعشرة ويعمل مع إخوانه في الصيد لإعالة 53 فردا.
ويقول أبو ريالة بينما كان يتفقد في قاربه: "هذا هو مصدر رزقنا، لقد خسرنا 45000 دولار.. هذا إرهاب
اقتصادي.. كان هدف هذه الحرب هو القضاء تماما على اقتصاد قطاع".
وكل ما تستطيع العائلة فعله الآن هو انتظار حصول معجزة في بلد لم يبتسم له الحظ لعقود ويقول إن الصيد هي المهنة الوحيدة التي عمل بها منذ كان عمره 10 سنوات ولا يتخيل القيام بأي عمل آخر. وعرضت زوجته أن تبيع ذهبها ليشتري محركا لقاربه ولكنه يقول حتى هذا ليس حلا فالمحركات هذه على قائمة الممنوعات ولا يستطيع شراء المحرك هذا في القطاع.
يقول عبد السلام إن الأمور لم تكن كذلك في الماضي، حيث كانت أول مرة حددت إسرائيل فيها مسافة الصيد عام 1994 عندما قامت السلطة؛ ولكن حتى في وقتها كانت تصل المسافة إلى 10 أميال بحرية وخاصة عندما يكون ناشطون أجانب مع تلك القوارب.
ويضيف إنهم كانوا يصيدون كل أنواع السمك وأنه كان يبيع في اليوم في تلك الفترة التي يسميها "الذهبية" ستة أضعاف مما يستطيع الحصول عليه هذه الأيام.
كما يتحدث عن فترة "ذهبية" أخرى قصيرة كانت عام 2012 عندما تسلم مرسي رئاسة مصر حيث يقول إنه كان بإمكان الصيادين الهروب من البحرية الإسرائيلية بالإبحار عبر المياه الإقليمية المصرية ويخرجون إلى أكثر من 20 ميلا بحريا.
وكل ما يطلبه هو السماح للصيادين بالإبحار لمسافة 12 ميلا بحريا حيث يقول: "على مسافة 12 ميلا نستطيع صيد عدد كبير من أنواع السمك.. إنه بحرنا ويجب أن يسمح لنا الصيد فيه وألا يدخله الصيادون الإسرائيليون تحميهم القوارب الحربية الإسرائيلية.. ولكن لكي نصيد نحتاج قوارب فالصياد لا يستطيع فعل شيء دون قاربه".