فكره السياسي وعقيدته الدينية التوراتية تشكلت بين أنامل ثلاث شخصيات، والده المشبع بتعاليم جابوتنسكي الأب والمنظر للصهيونية، وشقيقه جونثان الذي قتل في عملية إطلاق صراح رهائن مطار "عنتيبي" بأوغندا، والزعيم الليكودي موشيه ارينز الذي ضمه للحزب ودفعه إلى بؤرة العمل السياسي.
يعد من "الصقور" المتمسكين بإقامة "
إسرائيل الكبرى" وفقا للحدود التوراتية، وبما وعد الرب إسرائيل "حدودك يا إسرائيل من البحر إلى النهر"، كما أنه يتهم بالانحراف بحزب "الليكود" إلى اليمين المتطرف وزيادة جرعة الأنا اليهودية في بنية الحزب.
ينحدر من نخبة اليهود الأشكيناز التي أسست الدولة العبرية، والذين ترجع أصولهم إلى أوروبا الشرقية، في مواجهة اليهود السفارديم المنحدرين من اليهود الذين استقر بهم المقام في منطقة حوض البحر المتوسط والبلقان، و اليهود "المزراحيون" يهود الشرق الأوسط.
بنيامين بن تسيون
نتنياهو المولود في عام 1949 والذي يطلق عليه اسم الدلع "بيبي"، وُلد لأب من أصول بولندية وأم ولدت بالولايات المتحدة الأمريكية. وكثيرا ما قدم نفسه على انه "زعيم قوي" قادر على توحيد صفوف "الليكود" وقيادته إلى الفوز في الانتخابات التشريعية في مواجهة منافسيه الأقوياء "كاديما" الذي عمل على تأسيسه شارون بعد انسحابه من "الليكود" و"العمل" بزعامة أيهود باراك، ويمكن لنتنياهو، الذي اعتبر لفترة طويلة "الولد المشاغب" في اليمين القومي الإسرائيلي، أن يختال بأنه أصبح عام 1996 أصغر رؤساء الوزراء سنا في تاريخ "الدولة العبرية"، ووصوله قبلها بثلاث سنوات إلى زعامة حزب "الليكود" خلفا لإسحاق شامير متقدما على شارون وديفيد ليفي وذلك عام 1993.
أمضى نتنياهو مرحلة شبابه في الولايات المتحدة، مستفيدا من موهبته في الخطابة وتزويق الكلام وإتقانه للغة الإنكليزية بطلاقة، كما يصنف "خبيرا" في التعامل مع وسائل الإعلام مع أن دراسته في إدارة الأعمال.
فقد تخرج من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بدرجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وعمل مستشارًا في مجموعة بوسطن الاستشارية، وأشغل منصب مدير في قطاع الصناعة في الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ومنذ 1976 كان نتنياهو مديرًا لـ"معهد يوناتان" وهو مؤسسة لبحث سبل مكافحة " الإرهاب".
وبعد أن أنهى تعليمه المدرسي عام 1967 عاد إلى "إسرائيل" لينضم في صفوف الجيش وخدم في القوات الخاصة للجيش الإسرائيلي.
و جمع خبرة في بداية حياته السياسة حين عمل دبلوماسيا في الأمم المتحدة قبل أن ينتخب عضوا في الكنيست الإسرائيلي عام 1988، ويعرف بعدها صعودا سريعان نحو الصفوف الأولى في الحياة السياسية الإسرائيلية.
دخل "دوامة مفاوضات السلام" مبكرا كعضو في الوفد الإسرائيلي لمؤتمر "مدريد للسلام " في 1991 ولمحادثات "السلام " في واشنطن التي أعقبت هذا المؤتمر.
عمل جاهدا طيلة تسلمه لمنصب رئيس الوزراء عام 1996 على تعطيل "عملية السلام "، دون أن يثير غضب الولايات المتحدة الأميركية التي سعت إلى إنجاح المفاوضات، لذلك لم يمانع في الرضوخ للضغوط الأميركية وإبرام اتفاقين مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مما دفع منتقديه في اليمين الإسرائيلي إلى وصفه بأنه "انتهازي"، لكن واقعيا بقيت تلك الاتفاقيات تراوح مكانها دون أن تحقق شيئا يذكر، وكانت فضيلته الأولى إعاقته الدائمة لأي تقدم في سير المفاوضات.
ويرسم نتنياهو مشهدا مخيفا للإسرائيليين حول "العملية السلمية"، مفاده أن انسحابا من الضفة الغربية سيضع الإسرائيليين أمام الاحتمالات المرعبة، فالجيش سيقف على رأس دبوس بسبب تقلص مساحة الأرض، ويسأل نتنياهو الأسئلة الصعبة، هل بالإمكان إعادة احتلال الضفة الغربية في حال حصل الفلسطينيون على أسلحة هجومية، وهل يتجرأ أحد على استخدام السلاح النووي في حدود متداخلة؟.
نتنياهو يعيد صياغة النص التوراتي، فكما أعطى الرب هذه الأرض لليهود، فقد أعطاه الرب حكم "بني إسرائيل" وحكم كثيرين من العرب أيضا. وحين اتفق مع رئيس ما يسمى "بلدية القدس" على الاستمرار في نفق السور الغربي للمسجد الأقصى أشعل شرارة احتجاجات فلسطينية سقط فيها عشرات الشهداء والقتلى من الطرفين.
بعد هزيمته الانتخابية الكبيرة عام 1999 أمام الزعيم العمالي باراك اشتبه بضلوعه في عمليات فساد بيد أن القضاء تخلى في النهاية عن ملاحقته "لعدم توافر الأدلة"، ويزعم نتنياهو أنه تمكن خلال توليه حقيبة المالية من تصحيح مسار الاقتصاد الإسرائيلي المتعثر بسبب الانتفاضة الفلسطينية.
في عام 2002 عينه رئيس الوزراء أرئيل شارون وزيرًا للخارجية، فعمل على منافسة شارون لزعامة " الليكود" إلا إنه فشل في المنازلة، وبعد انتخابات 2003 تم تعيينه وزيراً للمالية في حكومة شارون الائتلافية.
وما لبث أن استقال نتنياهو وسط ضجة كبيرة مطلع آب /أغسطس من وزارة المالية في حكومة شارون، احتجاجا على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية الذي أنجز في أيلول/ سبتمبر من عام 2005.
بعد أسبوعين على الانسحاب من غزة وضع نتايناهو محصلة متشائمة وسوداوية للواقع، فهو اعتبر أن حركة المقاومة الإسلامية حماس ب "تسويق الإرهاب والأسلحة في غزة".
حقق حزب الليكود نتائج مهمة في الانتخابات التي أجريت في شباط/ فبراير 2009، إذ تمكن من مضاعفة عدد مقاعده في الكنيست إلى 27 مقعداً على الرغم نه جاء في المرتبة الثانية بعد " كاديما" بزعامة تسيبي ليفني والذي حصل على 28 مقعدا.
لكنه استطاع مدعوما بالمكاسب التي حققتها أحزاب اليمين في الانتخابات أن يصبح الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة الجديدة، حيث أوكل إليه شمعون بيرس هذه المهمة في شباط/ فبراير 2009.
وعاد في آذار/ مارس عام 2013 إلى تشكيل حكومته الثالثة التي تعتبر الأكثر تطرفاً في تاريخ "إسرائيل"؛ كونها ضمت وزراء من " البيت اليهودي" و" الليكود" فضلاً عن أن معظم وزرائها من أصول غربية، وهي الحكومة التي سرعت وتيرة بناء المستوطنات وعمليات تهويد المسجد الأقصى، وفتحت الباب على مصراعيه لليهود المتطرفين لتدنيس قدسية المسجد.
وأحسن نتيناهو لنفسه باستغلال الربيع العربي وحالة الفوضى التي عمت بعض الدول العربية بعد دخولها في نزاع مسلح أقرب إلى الحرب الأهلية، كما هو الحال بالنسبة لسوريا والعراق واليمن وليبيا، واستغل حالة الاقتتال والانشغال الداخلي العربي، ليتهرب من أي استحقاق سياسي تتطلبه "عملية السلام " مع السلطة الفلسطينية.
ثم أنه قرء بذكاء الذئب وخبث الثعلب حالة العداء التي أشعلتها بعض الحكومات العربية ضد الإسلام السياسي وتحديدا "الإخوان المسلمين"؛ فعمد إلى شن عدوان ضد غزة بهدف كسر إرادة المقاومة وفرض أجندته السياسية على القطاع المحاصر من قبل "إسرائيل" ومصر، لكنه بدلا من الاحتفال بالنصر بات يحتفل يوميا بسيل من الصواريخ التي تعبر الفضاء الإسرائيلي.
عناده في كل محطات عمره هو الذي يقوده للبحث عن نصر في كومة من القش، نصر بدون ملامح حتى ولو كان عبر رفع الكلفة البشرية عند الفلسطينيين وزيادة جرعة الدم والكراهية، وهي نفس الجرعة التي يرتفع منسوبها في كل مراحل من مراحل حياته السياسية التي توشك أن تنطفئ في فضاء غزة.