سياسة عربية

نابلس.. ضجيج الاقتحامات يغني عن المسحراتي

مهنة المسحراتي أضحت شكلا من أشكال الفلكلور - جوجل
مهنة المسحراتي أضحت شكلا من أشكال الفلكلور - جوجل

لم تعد "نابلس" بحاجة إلى "المسحراتي" الذي اعتادت عليه أحياؤها وأزقة مخيماتها، فالقنابل الصوتية ومداهمة المنازل وتكسير أبوابها من قبل جيش الاحتلال كفيلة بإيقاظ النائمين، ومجافاة النوم للمواطنين.

المسحراتي علي مباركة "أبو حسن" في العقد السادس من عمره، يعد من أشهر المسحراتية في محافظة نابلس، حيث أمضى في مهمته قرابة إلى (25 عاما)، لم يمنعه من الخروج في ليالي رمضان إلا المرض الشديد وملاحقة جنود الاحتلال الإسرائيلي له.

يقول: منذ بداية الشهر الفضيل وأنا أخرج لإيقاظ أهالي مخيم بلاطة -شرق نابلس- للسحور، وفي كل يوم كان هناك اقتحامات لجيش الاحتلال لحارات المخيم، وكنت اتفادهم خوفا من تعرضي لإطلاق النار، واخترت المرور بالشوارع الفرعية والأزقة.

ويضيف أنه في أحد الليالي تعرض للغاز المسيل للدموع الذي أغرق إحدى الحارات التي كان فيها، مما كاد أن يفقده الوعي، حتى نداءاته كانت تخرج بصعوبة.

ويتابع في حديث لـ"عربي21": في يوم الثلاثاء الفائت كانت قنابل الصوت كافية لإيقاظ الأهالي، فعلى مدار ساعتين والجنود يطلقون قنابل الصوت في كل أرجاء مدينة نابلس ومخيماتها أثناء عمليات اعتقال، مما جعل الأهالي يطلقون طرائف أن الاحتلال لعب دور المسحراتي هذه المرة.

ويستذكر "أبو حسن" أيام انتفاضة الأقصى، حيث واصل مهمته رغم الاجتياحات الكبيرة والاشتباكات المسلحة بين جنود الاحتلال والمقاومين، وفي إحدى المرات أوقفه الجنود واتهموه بأنه يساعد المطلوبين على الفرار عبر أهازيج معينة متفق عليها، وفي ليلة احتجز في منزل ثلاث ساعات حتى انسحاب جنود الاحتلال.

والمسحراتي، هو الشخص الذي يوقظ المواطنين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور، من خلال ترديد الأهازيج والأناشيد الدينية والدق على الطبل، إلا أن هذه المهنة أصبحت الآن شبه منقرضة بفعل وجود وسائل تكنولوجية بديلة.

يقول الأخصائي والباحث الاجتماعي رائد سناقرة، إنه رغم التقدم الكبير في وسائل الاتصال والتواصل، إلا أن الكثير من التجمعات الفلسطينية وبخاصة المخيمات ما تزال تعتمد على المسحراتي في رمضان كوسيلة للاستيقاظ للسحور، مما جعله شكلا من أشكال الفلكلور والتقاليد التي يتم الالتزام بها، وتلقى اهتمام الكبار والصغار.

ويضف لـ"عربي21": أن المسحراتي يحظى بتقدير الأهالي، حيث يقدم له الشراب والحلوى أثناء تنقله من حارة إلى أخرى، كما تقدم له مكافئات من الميسورين في نهاية الشهر، ويستيقظ الأطفال على صوته الندي، وبعضهم يخرج لالتقاط الصور معه للذكرى.

المواطن عبد الرحمن الجمال، ككثير من المواطنين يعتمد في الاستيقاظ للسحور على المسحراتي. 

ويقول لـ"عربي21": رغم أن أبنائي احضروا ساعة منبه، إلا أن صوت المسحراتي له أثر وجداني، فمنذ صغري وأنا استيقظ على صوته، كما أن لي معه ذكريات في أيام اقتحامات الاحتلال، حيث اضطر في مرتين للجوء لبيتي بعد ملاحقته من الجنود، وجاء أذان الفجر وهو محتجز عندي لأن الجنود كانوا يبحثون عنه.

ويصفه قائلا: هو رجل المهمات الصعبة، ورغم المخاطر المحيطة به يواصل خدمة المواطنين تطوعا.

ولم يسلم المسحراتي من رصاص الاحتلال، فقد استشهد قبل عدة أعوام أحد المسحراتية من مخيم عسكر، وهو جهاد الناطور، أثناء تصادف وجوده اقتحام الجنود للمخيم وإطلاقهم النار عليه، مما أدى إلى استشهاده، كما أصيب المسحراتي عرب محمود من مخيم بلاطة قبل عامين بالرصاص في حدث مشابه.
التعليقات (0)