يقول جماعة الأرصاد الجوية، إن صيف هذا العام سيكون استثنائيا من حيث ارتفاع درجة
الحرارة، ولأن الله لطيف بعباده فها نحن الآن في شهر الصوم الفضيل، وهناك منافسات كاس العالم لكرة القدم التي تخفف – بالنسبة لي على الأقل – وطأة الإحساس بالحر، فبحمد الله، لا يخيفني الحديث عن ارتفاع درجات الحرارة، لأن المسافة بين القطبين المتجمدين والسودان، كالمسافة بين واشنطن وطالبان، وعلى كل فأنا من أفريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء/ لفحتني بالحرارات الشموس/ وشوتني كالقرابين على نار المجوس/ فأنا منها كعود الأبنوس!
وبالتحديد من
السودان حيث لا ربيع (جغرافيا أو سياسيا)، وفصل الشتاء عندنا يستغرق نحو أربعين ساعة موزعة على عشرين يوما في الفترة ما بين ديسمبر ويناير، ومباريات كاس العالم رفعت عني الإحساس بالحر النفساني خلال رمضان، فكلما اقترب شهر الصوم اضطرب نومي واضطربت معه حالتي النفسية، بسبب الترويج والتنويهات التي أراها على شاشات التلفزيونات العربية، أخذا في الاعتبار أنني كنت جسورا منذ نحو عشر سنوات بحيث أصدرت فتوى لا يسندها نص صريح لا في الكتاب او السنة (ولكن تقوم على "القياس") بأن الكثير مما تبثه القنوات الفضائية العربية ينقض الوضوء ويوجب الغسل، علما بأنني – والله على ما أقول شهيد – لا أتابع ما تبثه تلك الفضائيات عمدا قط. بمعنى أن عيني قد تقع على بعض غثاثاتها وأنا أزور مكانا خارج بيتي أو وأنا أتنقل بحثا عن قناة خالية من الدنس والرجس السياسي والثقافي.
ثم جاءت منافسات
كأس العالم لكرة القدم وانفض الناس عن التلفزيونات العربية الترفيهية، ولهذا أجزم بأن ملايين العرب لم يسمعوا بداعش وما فعلته ببراقش (الاسم المناسب في الظرف الحالي لنوري المالكي الذي يبدو أنه لم يقرأ جيدا سيرة نوري الذي سبقه الى كرسي رئاسة الوزارة في بغداد، وكانت نهايته في يوليو/ تموز من عام 1958 بعكس معنى اسم عائلته: "السعيد")، ولأن كرة القدم العربية لا في العير ولا في النفير في المنافسات الدولية، فإنك تجد عشاق كرة القدم العرب متعددي الولاء، فهذا يشجع ألمانيا وذاك إسبانيا وغيره سويسرا، أما
البرازيل فهي الممثل الدائم للعرب في منافسات كأس العالم، لأن معظم مهووسي كرة القدم العرب يشجعون المنتخب البرازيلي (تقارير صحفية خبيثة ظهرت مؤخرا قالت إن حرص المشجعين العرب على متابعة مباريات البرازيل، يعزى ليس لعشق طريقة البرازيليين في مزاولة اللعبة، بل للاستمتاع بتضاريس نساء البرازيل اللائي يذهبن إلى ملاعب كرة القدم بملابس في منتهى التقشف).
والشاهد هو أنني سعيد أيما سعادة بتزامن بطولة كاس العالم لكرة القدم مع شهر الصوم، لأنها جعلت بضاعة بلهاء التلفزة العربية تبور، فلعلة في عقول القائمين على أمور التلفزة في بلداننا، فإنهم يخرجون علينا ببرامج تؤكد أنهم من ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة، بينما هم يحسبون أنهم يضحكون على جمهور المشاهدين، ويبصقون على عقولنا بمسلسلات يفترضون أنها كوميدية بينما هي السخف والبله في أقصى تجلياته، وقد يعجب القارئ عندما يعرف أنني لم أتابع أي مباراة في هذه البطولة ولا اللواتي سبقتها، لأنني أكره كرة القدم (انتبه الى التشابه الهجائي بين "كره" و"كرة")، رغم أنني أعرف أن فيها متعة ممارستها، ومتعة مشاهدة من يجيد ممارستها، وسر كرهي لها هو أن الحكومات العربية تحاول ان تقنع شعوبها بأن الكرة أساس التنمية، وأن خسارة "المنتخب الوطني" لمباراته ضد منتخب سلطنة بروناي، هزيمة بطعم النجاح.
ثم كانت القطيعة النهائية بيني وكرة القدم بعد موقعة الخرطوم حين التقى منتخبا مصر والجزائر لكرة القدم، ولا أذكر من نتيجة المباراة سوى تحويل الخرطوم التي "أصلا مو ناقصة" إلى ساحة حرب حقيقية، وتبارى أقزام الإعلام في البلدين لتبادل الشتائم، ونال السودانيون نصيبا طيبا من السباب من إعلاميين مصريين، وتم تصعيد الأمر بسحب سفير مصر من الجزائر وسفير الأخيرة من القاهرة، ولولا وجود ليبيا وتونس كمنطقة عادلة لدخل البلدان في حرب برية وجوية كما حدث بين السلفادور وهندوراس بسبب خلاف حول نتيجة مباراة في كرة القدم في يوليو 1969.
المهم أنه كرم من الله أن أتانا هذا العام ببطولة دولية لكرة القدم، فجافيت شاشات التلفزيون نهائيا، وهكذا لم يتعرض صيامي أو مشاعري للجرح، وختاما أؤكد ان فيفا وفيفي عبده في نظري صنوان.. فهمت؟ عنك ...!!!