مازال الجسد السياسي للثورة السورية وهناً يتآكل من الداخل؛ ناهيك عن عجزه عن الانطواء تحت قيادة موحدة، بالرغم من المبادرات والدعوات التي وجهت للائتلاف من قبل ثوار الداخل والأحزاب والمثقفين المهتمين بالشأن السوري حول أهمية توحيد الجهود وإنهاء أزمة الثقة، إلا أن أي منها لم يلق الصدى المطلوب.
نخب سياسية بإيديولوجيات وأدوات وأساليب عمل مختلفة تشاركت التطلعات المخلصة نحو توحيد الصفوف وإعادة ترميم ما تآكل من الهيكل السياسي للمعارضة.
وقد قدمت هذه النخب مبادرات كان منها إنشاء مجلس قضائي مستقل مهمته إعادة التوازن والثقة التي تزعزعت بين الثوار وقياداتهم بفصيليها السياسي والعسكري عن طريق الرقابة والمحاسبة القضائية. وجود هذا المجلس ربما يكون حلاً للقضايا الخلافية بين القيادات والتكتلات الثورية وينهي أزمة الثقة بينهم؛ فالثوار يطالبون بالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية ومؤسساتهم الثورية تعج وتغلي بالفوضى والتسيب !؟
الشعب السوري اليوم يطالب بمحاسبة أي عضو يقدم على أي تجاوز بحق الثورة، ومن المفترض أن هذا المجلس القضائي المقترح سيمتص غضب الثوار وسيسهم في الحد من الأحكام اللاشرعية والمجحفة التي تصدرها في حق السوريين جهات غير مختصة في المناطق المحررة.
مبادرة ثانية قدّمتها حركة حصن حيث وجهت دعوى للائتلاف لعقد المؤتمر السوري العام من أجل تشكيل قيادة وطنية للمعارضة تنتخب بصورة شرعية دون إقصاء أي جهة وطنية، وبالتالي فإن الهدف من وراء هذا المؤتمر تجاوز أزمة الثقة بين الائتلاف والفصائل الثورية التي تشكك فيه .
ربما سيثمر هذا المؤتمر في حال انعقاده قيام قيادة شرعية شاملة وانضواء الرايات السياسية المختلفة تحت جناح قيادة منتخبة.
يقول أ.غسان النجار في دعوته: "اتركوا الأمر إلى خمسمائة عضو من المعارضة السياسية وخمسمائة عضو من المعارضة الثورية ليشكلوا المؤتمر العام السوري، لعلكم بذلك تكفرون عما كسبت أيديكم وعندها نبدأ خطوة في الطريق الصحيح ". فهل سيستجيب الائتلاف لهذه الدعوة أم سيتابع مسيرته دون الاكتراث للبراكين التي تغلي وتحيط بمجلسه؟
وبغض النظر عن كون دعوة حصن قد جاءت نتيجة لتبنيها سياسة المشاركة وتقبل الآخر، أم أنها محاولة منهم للاندماج في نسيج الائتلاف السياسي الذي حقق دعماً وقبولاً دولياً لا يستهان بهما؛ إلا أنها دعوة تملك أذناً صاغية عند السوريين لرغبتهم في الخلاص من الوهن الذي سببه التشرذم بين فصائل المعارضة .
كذلك قدّم أ. محيي الدين اللاذقاني في وقت سابق مبادرة للائتلاف لأجل عقد مؤتمر سوري وطني عام يتم من خلاله اقتراع حر ومباشر لاختيار أعضاء الائتلاف السوري ورئيسه، وقد بين في مبادرته أن أغلب الشعب بات يرى في أعضاء الائتلاف مجرد ممثلين لأجندات إقليمية ودولية وليس للقرار السوري المستقل.
من خلال هذا الضوء على بعض المبادرات التي قدمت خلال سنوات الثورة يتبين حجم الخلل في الجسد السياسي، ففي الوقت الذي سعى فيه الائتلاف لكسب ثقة المجتمع الدولي كان يخسر مع كل يوم ثقة الشعب السوري الذي لولاه لما تحقق له ما تحقق من مكتسبات دولية؛ وهذا بالضبط ما غاب عن الائتلاف. وعلى الرغم من اعتراف المعارضة مؤخرا بهذا الخلل الذي يعد أشد ما يؤثر في الشعب إلا أنه إلى الآن لا جدية تجاه الإصلاح .
من الخطأ اليوم إرجاع التخاذل الدولي أمام ما يعاني منه الشعب السوري من انتهاكات ومجازر وتدمير للبنى التحتية إلى المصالح الدولية في المنطقة فقط . بل إن من أهم الأسباب التي أدت إلى وقوفهم موقف المتفرج ضعف المعارضة وعدم تبلورها كقوة فاعلة في المنطقة؛ فإلى الآن لم تتمكن القيادة السياسية من التوافق مع الجسد العسكري ولا الأخير راض عن أداءها ودعمها ومواقفها حتى اليوم، إضافة إلى افتقارها إلى البنية القوية. والأسوء بأنها تعترف دولياً باختراق الإرهابيين صفوف الثوار وعدم قدرتها على إدارة زمام الأمور بدل أن يكون لها موقف واضح بأن ثورة السوريين للسوريين و داعش والنظام بالنسبة لها خصم واحد.
إن هذا الوهن في جسد المعارضة طمأن المجتمع الدولي إلى أن ما يحدث في
سوريا يمكن حله عبر المفاوضات، وبأن يد الأسد الحربية وحلفائه كفيلان بالضرب من حديد دون أن تتأثر مصالحهم في المنطقة، بل وأكثر من ذلك ما يحققه نظام الأسد اليوم من دمار وتخريب في سوريا لن تستطع إليه الحروب الخارجية مهما بلغت شراسة آلتها .
وأبلغ دليل على ذلك الموقف الدولي الفوري والحاسم إزاء ثورة أحرار العراق إذ لم تتوان أي من الدول عن إبداء استعدادها للتدخل الفوري لإنقاذ المالكي وإيقاف المد السني في العراق .
إذاً موقف سريع وأكثر من ملب للمالكي دولياً والسبب يعود إلى القوة التي أفرزتها وحدة صف أحرار العراق و إنجازاتهم ابتداء من تحرير الموصل إلى نينوى وصلاح الدين والرمادي .
فالقيادة العسكرية والسياسية المنظمة حددت خطواتها وأهدافها بكل اتزان وصرحت للمجتمع العراقي والدولي بأن تحركها لأجل تحرير العراق من استبداد المالكي ومحاربة التنظيمات الإرهابية المتواجدة في المنطقة هي ما انطلقت لأجله.
هذا بالضبط ما تحتاجه الثورة السورية قيادة قوية ومنظمة؛ فالمجتمع الدولي لن يفاوض أو يتحرك ما لم يجد قائدا قويا قادرا على ضبط الوضع وتغيير المعادلة... في المنطقة فهل ستقدم لهم المعارضة هذا القائد أم أنها أدمنت لعبة الكراسي؟