دولة سايكس بيكو .. بداية انهيار

لاشيء أبلغ في إعلان نهايتك من أن تكون أمام صراع بين طرفين فوز أي منهما يعني في الحقيقة خسارتك، فالدول العربية على رقع سايكس بيكو في معركتي العراق وسوريا يقفان مثل هذا الموقف، فالصراع في كل أحواله لن ينتج إلا خسارة حتمية للنظام العربي القديم وأنماطه الجغرافية والسياسية، وفي كل الأحوال سواء انتصر معسكر إيران الصفوي أو انتصرت المجموعات الإسلامية المسلحة فالنظام السياسي العربي ودولة سايكس بيكو ستكون أمام إعلان وفاة حقيقي!.

يشكل الفكر الإسلامي السياسي بشقيه الجهادي الجذري والإخواني عملية فعلية لتجاوز الصيغ الوطنية للدولة العربية المبنية على أساس هويات سايكس بيكو، ومشاريع الإسلام الجهادي أو الإسلام السياسي كلها تصب فعليا في انهيار ومواجهة الصيغ الوطنية كون أن مجرد بناء تنظيمات سياسية متجاوزة للدولة في حالة الإخوان وحزب التحرير على أساس المشروع الديني والرابطة الدينية يعتبر فعليا تجاوزا للدولة كما يعد ضمنيا عدم اعتراف بالهوية النهائية لجغرافيا سايكس بيكو وان اختلف السلوك الاجرائي لدى كليهما، بينما ينزع الجهاديون لإعلان ذلك أيضا على جبهات القتال مابين جهاد القاعدة العالمي ومابين دولة البغدادي الإقليمية وغيرهما، وبالتالي تعتبر الأشكال القائمة للدول وحدودها خصما وهدفا لهذه التنظيمات وان اختلفت في إظهار حدة ذلك وتفاوتت في طرق المواجهة معها!، وبالتالي يصبح انتصار هذه الصيغ ميدانيا هو اعلان نهاية حقيقي للشكل القائم لدول المنطقة!.

كما أن المشروع الإيراني الصفوي المشتبك ميدانيا في سوريا والعراق على قاعدة المذهب الشيعي والذي يعتبر الطرف الآخر الآن من المعركة بأدواته الممتدة في الهلال العربي الخصيب بدءاً من العراق مرورا بسوريا ولبنان ونزولا إلى ساحل الخليج العربي وعبورا نحو بوابة البحر الأحمر الجنوبية "اليمن"، يعتبر هذا المشروع فعليا عملية تجاوز حقيقية للنظام الإقليمي العربي بحدوده وشكله الحالي ونجاحه حتما سيحول شكل الخارطة نحو تقسيمة طائفية تستحث بمقابلها تقسيمة طائفية أخرى لا مكان للهويات الوطنية القديمة فيها.

وبالتالي  فنحن أمام حالة صراع تؤسس للتنامي الديني وسطوته اقليميا رغم محاولة الانقلاب المصري التبشير بعكس ذلك، وهذا التنامي الديني في مرحلة صعوده لا هبوطه سواءا كان من جانبه الشيعي أو السني، ما تراجع من الصيغ الاسلامية هي صيغ الوسطية والبرجماتية التي كان يمثلها الاخوان ولا يعني هذا بالضرورة تراجع بقية الصيغ!.

وأمام كل هذا تقف الدول الملكية منقسمة بين دعم أحد مشروعين كلاهما سيكون إعلان نهاية لهما وكأنك تختار بكل بساطة إحدى طريقتين لإعدامك، بينما يجادل العسكري المصري في التعالي على الواقع والتبشير بنموذج  ينأى بنفسه عن كل ما يحدث دون إدراك أن اندلاع الصراع الديني والطائفي لن تسلم منه رقعة طالما انتشر وأن محاولات الرهان على شكل عتيق للدولة المحتضرة هو رهان على النهاية وشكلها ليس إلا.

وسط كل هذا ينقص الإسلاميين الإدراك الجيد والحقيقي لطبيعة المعركة وميدانها الجديد وعدم الرهان على الصيغ القديمة لاداراة الخلافات والازمات وفهم طبيعة هذا التحلل الحتمي للخريطة العربية، ومواجهة هذا ليس بالانعزال وانما بالاندماج الواعي، كون أن هذه الخرائط ليست مقدسة وليست هدفا للحفاظ عليها وما كان للاخوان أو غيرهم استعارة تخوفات القومجية. وربائبهم والتي ليس لها من واقع الإسلاميين نصيب!