كلمات لا تدري بأي ماء تدونها.. "التنسيق الأمني مع إسرائيل ليس عيباً وهناك من يلومنا لكن التنسيق من مصلحة السلطة لحماية الشعب الفلسطيني"، "المستوطنون المفقودون في الضفة بشر مثلنا وعلينا البحث عنهم وإعادتهم إلى عائلاتهم، ومن قام بهذا العمل يريد تدميرنا، ولذلك سيكون لنا موقف منه مهما كان لأننا لا نستطيع مواجهة إسرائيل عسكرياً"، "حكومة الوفاق ملتزمة ببرنامج منظمة التحرير وتؤمن بالتنسيق الأمني مع إسرائيل"، "لا نريد العودة إلى انتفاضة جديدة".
أعلنها
محمود عباس صراحة غير مكترث بآثارها، وغير مبال بإرادة الشعب الذي نصب نفسه ليتحدث باسمه، مؤكداً على بشرية ثلاثة صهاينة وكأن الأسرى في سجون الصهاينة كائنات غريبة لا بشرية.
التأكيد على تلك المواقف يؤكد استمرار السلطة بذات المسار في إدارتها للقضايا الفلسطينية والحقوق المسلوبة.
لم يكن شيء يمنعه من إعلان ذلك حتى
المصالحة الفلسطينية الوليدة، ليؤكد بلا ريب أن لا نقاط التقاء بين الوجهتين، ولا سبيل لنجاح المصالحة.
فرغم الآثار السيئة جداً المترتبة على الانقسام الفلسطيني إلا أن المصالحة بشكلها الذي خرجت به لم تكن لتلبي طموح الفلسطينيين، ولا حتى طموح أي مطلع متابع منصف لقضايا فلسطين والشعب الفلسطيني.
لا أجد لمثلي الحق في الحديث عن المصالحة احتراما وتقديرا لموقف حكومة غزة التي أثبتت صدق مواقفها ونقائها، والتي لا أملك تجاهها الا كل التقدير والإجلال لصمودها الأسطوري أمام أعتى الحملات العسكرية الصهيونية، والتي لم تتخل أبدا عن الالتزام بواجباتها اتجاه غزة وأهلها رغم الحصار الإقليمي والدولي الخانق.
الحكومة التي صنعت نموذجا فريدا في مسيرة الحفاظ على الثوابت في زمن باتت مصالح رجال الأنظمة وملء جيوبهم تتقدم على كل مصلحة للشعوب، وهي الحكومة التي أعجزت الجبروت الصهيوني عن أن يجد أثرا لشاليط في بقعة صغيرة تحيطها القوة الصهيونية من كل جانب برا وجوا لتخرج بصفقة أذهلت العالم يخرج بها بـ320 أسيرا وأسيرة وفيهم المحكوم عليه بالمؤبدات.
هي الجهة الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تحطم أسطورة القوة العسكرية الصهيونية، والتي بفضل صواريخها حولت مسار سفك الدماء في الساحة الفلسطينية لتشكل التهديد الحقيقي والوحيد للصهاينة بوصول صواريخها إلى وسط تل أبيب.
يتضح من ذلك أن
حماس وهي القوة الحقيقية المستقلة التي تهدد الكيان الصهيوني لم تلجأ لتلك المصالحة وبهذه الصورة إلا مرغمة مكرهة، لفقدها الخيارات البديلة في ظل تآمر عالمي غاشم أبقاها ما يقارب السبع سنوات تحت الحصار.
بعد هذا الاستعراض الموجز وبعد الإنجازات العظيمة الحقيقية لحكومة غزة والتي توافقت مع طموح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، هل كانت المصالحة بتلك الصورة هي الطموح الحقيقي للشعب الفلسطيني؟
هل تعتبر المصالحة سبيلا لحل الأزمات العالقة بين غزة ورام الله؟
ما النتائج التي جنتها غزة من تلك المصالحة؟
ألم تكن مواقف السلطة واضحة في انهيار المصالحة قبل أن تبدأ عمليا؟
أهم تصريحات عباس بعد المصالحة:
1. التأكيد على إبقاء المعابر تحت السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
2. التأكيد على اعتبار الأنفاق معابر غير قانونية ويجب تدميرها أو إغراقها بالماء دون أن يتطرق لبديل أو حتى الإشارة لفك الحصار عن غزة.
3. تخلي السلطة عن واجبها في دفع رواتب موظفي غزة واعتباره مسؤولية حماس.
4. عدم موافقة
حكومة التوافق على استلام الحوالة القطرية لدفع رواتب موظفي غزة.
ويتوج ذلك كله تصريحات عباس وتأكيده على استمرار وضرورة التنسيق الأمني مع إسرائيل ورفضه للعودة لانتفاضة فلسطينية جديدة.
فأي لسان يتحدث به عباس وأي موقف تغير لديه؟
هو ذاته قبل المصالحة وهو صاحب الموقف الأسوأ بعدها؟
سيبقى هو هو المتحدث باسمه وباسم كل خائن مفرط بالوطن، وهو اللسان الناطق باسم المحافظة على المصالح والمكتسبات الصهيونية.
سيبقى عباس اليد الصهيونية العابثة بالدماء والحقوق الفلسطينية؟
وسيبقى في هرولة عبثية لاسترضاء الصهاينة ضاربا بعرض الحائط كل حاجة لفلسطين ولأهلها، أعمى بصره وأصم سمعه عن أوجاع الأسرى وخواء أمعائهم.
عباس رأس السلطة عربي الشكل صهيوني المضمون، كيف لحماس التي تتبنى نهج المقاومة أن تلتقي معه؟؟
تحتاج المصالحة لنقاط توافق تنطلق منها وتضمن صلاحيتها، إلا أن الواقع يُعجز كل مراقب ومتابع من أن يجد أي نقطة يتوافق فيها طرفان تعارضا في كل سبيل وكل نهج متبع.
أسأل الله السلامة لأمتنا ولقضيتنا الفلسطينية وأخشى عليها من مصالحة تُؤتى من قبلها.
أخشى أن تكون المصالحة أشد الضررين لا أخفهما. خالية من المكتسبات والمصالح المنشودة لفلسطين والمقاومة.
أخشى أن تتهاوى آمال الشرفاء في العالم، التي كانت تتعلق بتلك الزاوية الصغيرة الصامدة أمام سطوة السلاح الصهيوني وأمام الحصار والجوع.
في عالم اشتدت ظلماته لابد أن نحافظ فيه على بعض الضوء والذي نجده في غزة والمقاومة.
نثق بخيارات أهل الصمود، لا نفتي لهم، لكنها دروب تعارضت لم نجد لها نقاط التقاء، وهو حقنا في الطموح، وسنبقى ما حيينا نسعى لأن نصنع خياراتنا وحكامنا والناطقين باسمنا لا المتسلقين على جراحنا العابثين بدمائنا.
كرهنا كل خطاب خانع ذليل خائن، يُتاجر بالدماء والحقوق، متباهيا بخسته.. يستخدم منابرنا استرضاء لعدو جبان.. يتاجر علنا.. ويبيع بلا استحياء!