كتب نادر بكار: كنت أرى أنه من الصعب جدا حتى على من لا يحسنون قراءة التاريخ بتأنٍ وفهم أن يقعوا في خطأ استراتيجي فادح سبق أن كان عاملا من عوامل اشتعال
ثورة يناير ولم يمر عليه إلا ثلاث سنوات فحسب، لكن يبدو أنني كنت واهما!
كان المفترض فى
البرلمان القادم أن يصبح المتنفس الشرعى الوحيد أمام كل التيارات السياسية للتعبير عن آرائها السياسية والاقتصادية مهما كانت متباينة بشكل مؤسسى بعيدا عن فوضى الشارع المستمرة منذ ثلاث سنوات، لكن الطريقة التى صيغ بها قانون مباشرة الحقوق السياسية يُشعرك بأن نفس الأخطاء تكرر بأريحية غريبة، لذا فلن تدهش كثيرا لو رأيت نفس النتائج السابقة... وبنفس التسلسل!
هل نحن بحاجة للتأكيد على أن مجلس النواب القوى يُمهد لحكومة برلمانية قوية تمارس صلاحيات موسعة للمرة الأولى منذ ستين عاما وفق الدستور الجديد، وأن الرقابة البرلمانية على الأداء الحكومى ضمان لانضباط هذا الأداء وتقييد لإنجازاته بجداول زمنية محددة وأهداف واضحة؟
الحديث عن ضعف الأحزاب السياسية لتمرير نسبة الـ"80? الفردي" الكارثية هو حديث متكرر ممجوج الغرض منه تهيئة الرأي العام لتقبل فكرة مجلس محلى كبير عوضا عن برلمان حقيقى يشرع ويراقب؛ ويصبح هم النائب فيه البحث عن مسكنات لمشكلات دائرته الانتخابية ضمانا لاستمرار تمثيلها فى البرلمان.. نعم لم تكن تجربة البرلمان السابق بالجيدة ـ رغم أنها لم تستمر أكثر من ستة أشهر ـ لكن من يتخيل أن تصل الأحزاب السياسية كلها إلى قمة النضج السياسى ولم تترك لها فرصة ممارسة برلمانية حقيقية تتراكم فيها خبراتها، وتكتسب فيها كوادرها لاسيما الكوادر الشابة حساسية العمل البرلمانى.
والأسوأ أن حتى نسبة الـ20? المخصصة للقائمة والتى قد نتصور للوهلة الأولى أنها متنفس ولو ضيقا للحياة الحزبية، تبدو عند التدقيق مأساوية للأحزاب الصغيرة أو حديثة النشأة، فحتى لو كافحت وبذلت قصارى جهدها فالمطلوب منها أن تنجح القائمة بكل من فيها أو ستخسر أيضا بكل من فيها وفق نظام القائمة المغلقة المطلقة، فى حين أن نظام القائمة النسبية كان يتيح عددا من مقاعد البرلمان لقائمة الحزب بحسب مجموع الأصوات التى حصل عليها، لا أن تهدر هذه الأصوات بالكلية!
بل لن أندهش كثيرا لو تعرض البرلمان القادم للحل مرة ثانية ـ أو ربما ثالثة ـ بدعوى قضائية تستند إلى مخالفة القانون بشكله الحالى لنصوص الدستور الجديد بشكل واضح وصريح لا يحتاج إلى فتوى جهابذة القانون، إذ أن النص على ضرورة تضمن القائمة "المغلقة" لثلاثة أفراد مسيحيين ومثلهم من النساء ونفس الأمر بالنسبة لذوى الإعاقة يصطدم مباشرة بالمادة 53 التى تنص على أن «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.. إلى آخر المادة «.... لمصلحة من ندور في هذه الحلقة المفرغة؟ أو لمصلحة من يُستنسخ برلمان
فتحي سرور؟
(عن صحيفة الشروق
المصرية 7 حزيران/ يونيو 2014)