أرقام مهولة ومخيفة تلك التي كشف عنها وزراء مغاربة حول
العنف المجتمعي بالمغرب، ففي الوقت الذي قال رشيد
بلمختار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، إن المؤسسات التعليمية شهدت في السنة الدراسية 2012/2013 أزيد من 32 ألف حالة عنف، كشف مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، أن
المغرب يسجل مليون ونصف واقعة كل سنة. وهو ما أكدته بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، حينما قالت بأن المغرب يعرف مناخا عاما يساعد على انتشار العنف بكل مظاهره، فيما قال ممثل وزارة الداخلية إن المغرب يسجل سنويا حوالي 590 حالة
قتل.
وبالعودة لتفاصيل ما أعلن عنه الوزراء الثلاث بحكومة عبد الإله بن كيران السبت بمدينة سلا غري المغرب، في المناظرة الوطنية الأولى حول "العنف المجتمعي والوساطة الجمعوية"، فإن بلمختار قال: "إن 32 ألف حالة عنف التي تعرفها المؤسسات التعليمية منها 65 بالمائة داخل المؤسسات، و35 بالمائة خارجها".
وأردف الوزير في تقرير قدمه بالمناظرة، أن حالات العنف المرتبطة بالمدرسة بين التلاميذ بعضهم البعض تشكل 83 بالمائة، أما حالات العنف بين الأساتذة والتلاميذ فتمثل 17 بالمائة، وبيّن الوزير أن العنف اللفظي يشكل 54 في المائة من إجمالي الحالات، فيما يشكل العنف الجسدي 24 بالمائة، أما تخريب الممتلكات فيناهز 18 في المائة، فيما الاعتداء الجنسي يشكل حوالي 4 بالمائة.
وأضاف الوزير أنه فيما يخص التوزيع الجهوي لخريطة حالات العنف المدرسي، فإن جهة مراكش تنسيفت الحوز تتصدر رأس القائمة بأزيد من 19 ألف حالة عنف، وهو ما يمثل 53 بالمائة من عدد الحالات الإجمالية، تتبعها جهة دكالة عبدة بنسبة 14 بالمائة، حسب الإحصائيات المتأتية للوزارة من خلال المراصد الموجودة بكل المؤسسات التعليمية.
وقال بلمختار: "إن المدرسة المغربية تشهد تزايدا كبيرا في مستويات العنف، رغم كونها حاضنة للتربية والتعليم، وأن السياسات التي تقوم بها الوزارة للحد من الظاهرة محدودة تبعا لتنوع الحياة والحالات وانعدام معطيات تعالج كل حالة على حدا، مشددا على ضرورة التربية بالمثل والقيام بدراسات سوسيولوجة وسيكولوجية لتحقيق نتائج إيجابية في الحد من ظاهرة العنف، باعتبار أن هناك قيما متضمنة في الكتب المدرسية لكن لا تجد لها طريقا إلى التفعيل وسبيلها الوحيد هو المثل والقدوة.
من جانبه، وفيما ما يتعلق بالعنف المجتمعي المثار أمام المحاكم، كشف مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، أن المغرب يسجل مليون ونصف واقعة كل سنة، بناء على التوزيع السنوي لحوالي 15 مليون قضية زجرية حدثت خلال 10 سنوات الأخيرة من 2000 إلى 2010، قائلا إلا أنه "لا يمكن القول إن نصيب العنف في المجتمع المغربي هو مليون ونصف المليون واقعة التي تحدث سنويا، لأنه بلا شك أن الوقائع هي أكثر مما يمكن أن يصل إلى المحاكم، ثم إن ما يمكن أن تحصل فيه المتابعة أقل من عدد القضايا المحالة على المحاكم ذاتها"، لأسباب قال إنها قانونية وتتعلق بحفظ الملف وغيرها من الإجراءات.
واقترح الرميد في تقرير رقمي قدمه بالمناسبة، اعتماد سياسات مندمجة عمادها التربية أولا ثم معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ثانيا، موضحا أن الارتهان لمقاربة واحدة زجرية لا تعالج الظاهرة باعتبارها مقاربة قاصرة وبعدية وباعتبار العنف أصبح يخترق كل المجالات، ويمارس على الذات بالإحراق، وينتقل إلى القتل لأتفه الأسباب.
وفي ما يتعلق بالعنف والتعذيب الممارسين من قبل الشرطة في مخافرها، قال الرميد: "أنا لم أقل في يوم من الأيام أنه ليس هناك عنف في مخافر الشرطة، لكن ما أقوله وأعرف ماذا أقول، أنه ليس هناك سياسة رسمية لممارسة التعذيب، بل السياسة الرسمية هي محاربة التعذيب، وليس هناك تغاضي عن ممارسة التعذيب والعنف في مخافر الشرطة أبدا بل العكس هو الحاصل".
من جهتها أوضحت بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، أن هناك مناخا عاما بالمغرب يساعد على انتشار العنف بكل مظاهره، وهو ما ينعكس كل يوم في الإعلام، مرجعة ذلك إلى سيطرة قيم دخيلة على المجتمع تهدد هويته.
وأضافت الوزيرة في كلمة لها بالمناظرة التي نظمتها جمعية "سلا-المستقبل" المنظمة بشراكة مع ست وزارات وعمالة سلا، أن الخطير في العنف ومختلف مظاهره اليوم هو طابعها الاستعراضي والتحدي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة "يجب إرساء إستراتيجية وطنية منطلقها منظومة القيم الأصيلة، بعيدا عن المعالجات الجزئية باعتبار العنف إشكالية مركبة ترهن السلم الاجتماعي".
المناظرة كانت مناسبة أعلن فيها ممثل الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية عامل إقليم سلا، أن المغرب يسجل سنويا حوالي 590 حالة قتل أي بمعدل 1.96 جريمة لكل 100 ألف مواطن، فيما لا تتعدى الجرائم الخطيرة 2 بالمائة سنويا، وهو الأمر الذي يجعل المغرب بعيدا عن المعدلات العالية في الجرائم، مشيرا إلى أن التوزيع الجغرافي لجميع مظاهر العنف والجرائم والمخالفات المسجلة في السنة الماضية بالمغرب، يتمركز بالمدن بنسبة 86 بالمائة، فيما يسجل العالم القروي 14 بالمائة، وأكد أن تطور الحجم الإجمالي للجريمة في السنوات الأخيرة تفوق النمو الديمغرافي بحوالي 6 بالمائة سنويا فقط، وأرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات الجريمة الصغرى.
ولم يفت المسؤول بوزارة الداخلية إلقاء اللائمة على الإعلام محملا إياه جزء من مسؤولية انتشار الجريمة بفعل معالجته لهذه القضايا والتضخيم منها أحيانا.
يذكر أن المغرب عرف في الآونة الأخيرة ظاهرة أطلق عليها اسم "التشرميل" وتتعلق بحمل العشرات من الشباب للأسلحة البيضاء والتباهي بها واستعراضها بالشوارع واعتراض سبيل الناس وتصوير كل ذلك وعرضه بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة في مدن الدار البيضاء وطنجة وسلا، وهو الأمر الذي طلب تدخلا ملكيا للتعامل الصارم معه كما ما يزال الموضوع حديث الإعلام إلى اليوم.