السؤال متكرر سواء في حاضرنا أو تاريخنا الحديث فالصراع بين المعممين و المطربشين منذ أواخر القرن التاسع عشر مستمر إلى الآن بين تيارين يتنازعان ناصية المجتمع المصري في سعيه للنهوض ولهذا فالسؤال في صيغته الأخرى المنتشرة هل يوجد مستقبل سياسي للإسلاميين يبدوا بعيداً عن المنطق قصير النظر.
وهذا الصراع الذى قسم المجتمع مرات بين رمى الإسلاميين بالرجعية والتخلف و الانغراس في أوحال الجهل والانفصال عن العالم.
واتهام الإسلاميين لمعارضيهم ( لا أقول العلمانيين لان الصراع ليس دوماً إيديولوجي أو عقائدي بل صراع مصالح في كثير من الأحيان )بأنهم صنائع الغرب و دواجنه وان لم يكونوا عملاء للاستعمار فهم على اقل تقدير مغفلون يعينون الاستعمار في حربة على الإسلام ومحاولاته منع الصحوة الإسلامية بغفلتهم.
وبين الفريقين لا تكاد تظهر مساحة اتفاق إلا على عدم الاتفاق و الفقدان التام للثقة في قابلية الطرف الآخر للقبول بصيغة ديمقراطية للتعايش فيما بينهم .
فيرى العديد من معارضي الإسلاميين أن بلادنا كتب عليها السيناريو الذى خطة فرج فودة في مطلع السبعينات فيصل الإسلاميين للحكم ولا يتزحزحون على كراسية إلا بانقلاب عسكري ثم تعاد الكرة مرة بعد مرة (وان كان كثير منهم لا يوافقونه في تصوره لحل المعضلة دستورياً و رفض الانضواء تحت لواء السلطة القمعية ارتدت العمامة أو البيادة ) وفى المقابل يتفق الإسلاميين إلا قليلاً على أن النهاية السعيد للصراع هي قيام الخلافة الراشدة سواء كان في أذهانهم تصور لها أم يقين بقيامها بلا كيف وهنا مربط الفرس.
ولا اجد غضاضة في المصارحة بان حديث (ثم تكون خلافة ) الذى صححه البعض و حسنة آخرون يستعصى على فهمى هل المقصود به تمرحل النظام السياسي الإسلامي في دورة خلافة ثم ملك ثم تعود خلافة كما ذهب لذلك يزيد ابن رواى الحديث النعمان بن بشير و بشر عمر بن عبد العزيز بظنة بان عهدة هو عودة الخلافة لما ذكرة له.
أم هو من وقائع آخر الزمان قدراً قدرة الله.
وفى الحالتين فمفهوم الخلافة ذاته لا ينصرف إلا للحكم على أساس الشريعة الإسلامية و لا يوجد ما يقطع بأن التصور الشائع في كونها تفويض من الأمة لفرد منها ليكون حاكماً أعلى باختصاصات مطلقة له من الصحة نصيب.
وهذا التصور لشكل وطبيعة و دور الدولة في أذهان غالب الإسلاميين هو المحدد الرئيسي لسلوكهم السياسي.
فلما كان هذا التصور دينياً كان طبيعياً أن يكون خطابة دعوى.
فالإسلامي يخوض غمار السياسية ملتحفاً بعباءة الدين جاعلاً عمله نصرة للدين أولا.
ولا يخفى على احد ما جرة ذلك من تعصب و تحزب أعمى للجماعات المتعددة إلى اختزل المنتسبين إليها الدين في اختياراتها فتحولت الخلافات السياسية في كثير من الأمور الخلافية بطبيعتها إلى خلافات شبة عقائدية فأصبحت الجماعات أشبه بالفرق تصم مخالفيها بالضلال والفساد على الأقل.
و الحقيقة إننا لا يمكن أن نتوقع غير ذلك في مجتمع هامش الحرية السياسية به غاية في الضئالة و لم يشهد تطوراً سياسياً طبيعياً فالتنوع السياسي في أي مجتمع يؤدى لانقسامات عنيفة ثم تهدئ بعد حين بتنازلات و موائمات من الجميع بعد أدراكهم أن احد منهم لا يمكنه أن يختزل الوطن في فصيلة السياسي ويفرض المجتمع الحر على كافة الفصائل قواعد و أسس للممارسة السياسية تحفظ المجتمع و تضمن أن يصب تنافسهم في مصلحته.
وكذلك فإن هذا التصور لطبيعة الدولة الإسلامية في شكل (دولة الخلافة )انتج تصور يجمع بين البعد عن الواقع و مجافاة خصوصية المجتمعات يبرز في الشعار الشهير" الحدود تراب" الذى يحمل خلطاً مزرياً بين تمايز الأمة الإسلامية التي يجمع أفرادها من عرب وعجم وحدة ثقافية أساسها النصوص الشرعية و بين تعدد المجتمعات الذى يقره القرآن و السنه و المنطق السليم فشاع بشكل رومانسي حيناً و بطريقة التسابب أخرى وصم الوطنيين بالشعوبية و الشوفنية وكلاهما يحمل في طياته فكراً يعزل صاحبة عن مجتمعة الذى لا يشعر بالانتماء إليه (فالانتماء نصف قرار و نصف شعوري لا إرادي ) فشقت هوة بين العديد من الإسلاميين و مجتمعاتهم .
وشاعت "موضة " البكاء الموسمي على الأندلس المفقود باعتباره أرض المسلمين التي يجب أن تعود اليهم يوماً ما ولا أدرى لماذا لا ينصرف مثل هذا إلى أراض إفريقيا وآسيا و الهند و جنوب أوروبا أن كان أساس الارتباط فقهياً وليس عاطفياً غذاة التراث الفكري و الأدبي و الفقهي والمعماري لعلماء الأندلس ومبدعيه .
ولا اجد لهذا السلوك الذى يحول الإسلام لقومية وصفاً إلا لفظ التهود القبيح.
واللطمية الموسمية الثانية في ذكرى سقوط الخلافة العثمانية التي يشارك فيها الكثيرين ممن يعلمون قبح جنايات الباب العالي على الشعوب التي ولوا أمرها فاضعفوها واكثروا فيها الفساد و نكلوا بمن برع فيها في علم أو أدب حتى أصبحت لقمة سائغة للاستعمار حرصاً على أن لا تستقل عنهم و يظلون يؤدون الجزية ومدى بعد الخلافة في أطوارها الأخيرة عن أية صلة بالسلوك الإسلامي وكأن الخلافة "تيكت " يلصق على أي منتج لأغراض تسويقية بحتة.
ولا يجد من يحكم على الموسيقى و الغناء و الرقص و الرسم و النحت و العمارة و سائر أصناف الأدب والإبداع بالحرمة أو الكراهة غضاضة في أن يصم الحضارة الغربية بالمادية فقيرة الروح ولا يجوز أن يأخذ من الغرب إلا منتجاته الصناعية و علومه المادية دون المنتجات الثقافية و العلوم الإنسانية و كأنهما منفصلان وكأن ذلك ممكن.
ونجد من يسأل عن "حكم" الديمقراطية طالباً لفتوى بجوازها أو حرمتها ويكون الرد بحسب الحال أما التحريم باعتبارها حكم الطاغوت و تحكيم الرجال في شرع الله أو الجواز كوسيلة مادامت الصناديق لنا لا علينا متذرعين بالظروف و الضروريات وما شاع في المجتمع من تغرب يصعب تغييرة دفعة واحدة فتكون خطوة للوصول للسلطة ثم تنتهى (و يعجبون من عدم ثقة مخالفيهم بهم و تشنيعهم عليهم بأن مشاركتهم السياسية السلمية ما هي إلا مناورة وخداع),في جهل بين بمفهوم الديمقراطية الحقيقي لا التاريخي فتعامل أنها حكم الأغلبية هكذا بلا أساس ولا محاذير أو تعامى عنة فتقتصر الديمقراطية على تلك الصورة المسماة بالإجرائية وليس الجوهرية القائمة على مفهوم المواطنة وضمان الحقوق الإنسانية و المساواة.
وقلة من الإسلاميين من ارتضوا بالديمقراطية على أساس تحقيق المقاصد الشرعية.
وبعيداً عن أبناء الفرقة الناجية فإن مصطلح الإسلاميين أنما يراد به تيار واسع يجوز وصفة بالتيار المحافظ اجتماعيا, وهذا التيار الواسع يكون اقل قبولاَ للتنوع في المجتمع و لهذا فكثيراً ما يكون عرضة للاستغلال من المستبدين لتدعيم سلطتهم وتشديد قبضتهم على المجتمع فيكونوا أعوانا للظلمة ( الذين سرعان ما يستديرون عليهم ) من حيث لا يشعرون.
وما يميز هذا التيار في سلوكه السياسي إدراكه أن التغيير الحقيقي لا يتأتى بمجرد تغيير أشخاص الحكام أو نظام الحكم وان المطلوب التغيير المجتمعي الشامل.
ولا يوجد خطأ في هذا الفكر أو المسعى أنما الأشكال يقع جراء انغلاق الأذهان على تصور معين رومانسي وغير وواقعي للمجتمع ومحاولة فرضها بدلاً من تهيئة الظروف لقبولها وتسويقها بطرق ناجعة.
و في النهاية فإن المحدد لسلوك الجماعات هو فكر أفرادها و الإسلامي كغيرة أن كان دافعة للانخراط في عمل سياسي هو صالح وطنة فعلية ادراك أن مخالفيه أيضا كذلك يدعون العمل من اجل صالح أوطانهم "من وجهة نظرهم" ولم اسمع عن سياسي يقول انه يعمل ضد صالح وطنه من قبل.
وأن كانت لله و نصرة دينة فهي أيضاً تبعاً لمعتقداتك و اختياراتك فيما تظن أنه يرضى الله فلا يتأتى اليقين إلا أن يوحى اليك أو ما بيدك دليل قطعي عليه وهذا في أمور السياسية قليل و تمسكك به ممارسة لحقك الإنساني و المجتمعي و متفق مع سليم المنطق لا يحتاج تحزب ولا يجب أن يكون مرهوناً بواقع سياسي ولا برنامج حزبي بل التمسك به حق و واجب لكل فرد.
وان كان العمل السياسي بدافع الرغبة في الحصول على منصب أو جاه أو سطوة اجتماعية فالطموح حق لغيرك أيضا ولا قيمة له إلا بتنافس.
ونعود للسؤال : أي مستقبل سياسي للإسلاميين ؟
لا أرى إلا طريقين أما الاستمرار في محاولة سيادة المجتمع بالوصول لمقاعد السلطة التنفيذية والتشريعية سواء بصناديق أو انقلابات و تحقيق السطوة الاجتماعية بتنمية و تقوية الجماعات واستغلال مكانة الدين في تحقيق مكانة لهم في القلوب كما كان في القرن العشرين كلة و يكون صراعهم مع السلطة و القوى الاجتماعية المناهضة.
أو طريق تسييد المجتمع بقبول الانتماء إليه أولا في إطار الوحدة الإنسانية المحلية والعالمية التي تجعل كل تراث العالم و فكرة و علومه مشاعاً مشترك و الاعتراف بالطبيعة المتميزة للمجتمعات المحلية بجوار وحدة الأمة الإسلامية الثقافية الجامعة لكل المنتمين لهذا الدين و أخوة الإنسانية الجامعة للبشر كافة.
وعلى هذا الأساس يكون التوافق المجتمعي على كلمة سواء تضمن لكل حقوقه وحرياته على قدم المساواة فلا يخشى من وصول فصيل لمقاعد السلطة ولا تسول لفصيل نفسة محاولة احتكارها و تصفية الآخرين ولا يسمح المجتمع لظالم أن يطغى فيستضعف طائفة و يضرب بفريق الآخرين.
ويكون الصراع مع الظلم و الاستبداد و التعصب.
فأي الطريقين يسلك الإسلاميين (لا تغرنك اللحظة الراهنة فأعمار الأمم طويلة و عقودها ساعات ) ليس لدى إجابة و أنما أمل ورجاء.