مقالات مختارة

رفع الإصر عن كلام رئيس مصر (3) .. أيكون الجيش هو الحل؟

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
كتب فهمي هويدي: في مواجهة أي أزمة أو احتقان سوف أطلب من الجيش أن يتدخل.. ذلك أن لدينا في القوات المسلحة نظام وأسلوب عمل يضمن تحقيق النتائج في أوقات قياسية. وهي كلمة واحدة إذا قيلت للجيش فستجدون أن الدنيا تحركت في الاتجاه الصحيح. وخلال ثلاثة أشهر ستكون هناك أسواق حول المناطق الشعبية كثيفة السكان تسهم في تخفيف معاناتهم، وخلال الأشهر الماضية قام الجيش بتوزيع حصص تموينية في تلك المناطق السكانية، وسوف يستمر في ذلك لإعانة تلك الشرائح من البشر على مواجهة الغلاء وأعباء المعيشة الصعبة.

أيام كان الأمر فإننا سوف نستدعي الخير في نفوس الناس فإذا تحققت النتائج الإيجابية المرجوة فأهلًا وسهلًا، وإذا لم تتحقق تلك النتائج فلن نسكت، لأن الجيش له آلياته البديلة، ولابد أن يكون واضحا أننا نستطيع أن ننشئ أسواقا في جميع أنحاء الجمهورية بمقدورها توفير احتياجات الناس بأسعار تناسب الجميع. ورجال الجيش الشرفاء والمنضبطون قادرون على القيام بتلك المهمة.

كل ما سبق ليس فيه شيء من عندي، باستثناء الوصلات والفصلات والنقاط، ذلك أنها مقتطفات وعبارات وردت على لسان المشير عبدالفتاح السيسي في كلامه الذي وجهه إلى رؤساء تحرير الصحف المصرية بوجه أخص. ووضع تلك الجمل جنبا إلى جنب يكاد يقدم لنا شعار الرئيس المقبل الذي يتلخص في أن «الجيش هو الحل». وهو أمر قد يبدو مفهوما لأول وهلة حيث أكرر أننا ينبغي ألا نتوقع من السيسي أن يطوي صفحة 45 عاما من الانخراط في السلك العسكري، لمجرد تغيير بدلته وتحوله من مشير إلى رئيس وانتقاله من مسكنه في مدينة نصر إلى مقر الاتحادية.

حين يرى حضور الجيش في عمق الصورة فإن ذلك قد يبدو متناقضا مع ترديده مقولة إن الشعب هو «القوة السحرية» التي يعتمد عليها، وهو ما ذكره نصا في كلامه، لأن الأداء مختلف على أرض الواقع، حيث الجيش هو الذي يمثل تلك القوة المعول عليها في حقيقة الأمر. وإذا أحسنا الظن بهذا الكلام حيث كل الظن ليس إثما فربما قلنا إنه يقصد روح الجيش وهمته وليس بالضرورة يده وإدارته، وربما يقصد أيضا أن ذلك مطلوب لفترة قصيرة محددة قدرها هو في نحو سنتين أو ثلاث. وهو ما يحتاج إلى إيضاح من جانبه لا يحتمل اللبس ولا يترك الأمر للظنون.

من هذه الزاوية المتفائلة قد يبدو الأمر مفهوما بدوره ومحتملا، إلا أن الأمر مع ذلك لا يخلو من مصدر للقلق وعدم الارتياح، لسببين رئيسيين هما:

إن للجيش مهاما أخرى يخشى أن ينصرف عنها في ظل استغراقه في الجهد المدني المبذول، فضلا عن أن التساؤل يظل مشروعا حول احتمالات تطوير عقيدته العسكرية وأولوية التحديات التي يواجهها، خصوصا بعد الإعلان عن إنشاء ما سمي بقوة التدخل السريع، التي قيل إن مهمتها ستشمل مهمات خارجية، في المحيط العربي المدجج بالقواعد العسكرية الأجنبية، وقد قيل لنا إن دولتين فقط أنشأتا مثل تلك القوة هما الولايات المتحدة وروسيا (إضافة إلى الأمم المتحدة)، وهي حجة تنقض الفكرة ولا تخدمها، لأن ذلك إذا جاز لدولتين تعتبران «إمبراطوريتين»، فإنه لا يجوز لدولة مثل مصر ذكر المشير السيسي أمام سامعيه من الصحفيين أنها «في أضعف حالاتها».

إن اعتزازنا بالجيش واحترامنا لجهده وحاجتنا إلى همته وروحه في الإنجاز ينبغي ألا يدعونا إلى تجاهل دور المجتمع في تحقيق الطموحات المرجوة، لا أدعو إلى تفرقة بين الشعب والجيش، إلا أنني أفهم أن لكل منهما مؤسساته وأدواته التي تتكامل في خدمة الوطن بطبيعة الحال، وحتى أكون أكثر وضوحا أقول إنني لاحظت في كلام المشير أن التعويل على الجيش أقوى بكثير من التعويل على المجتمع، أعني أنني تمنيت أن يتوازى استحضار الجيش، الذي يفترض أنه مؤقت في كل أحواله، مع استدعاء المجتمع وتقوية مؤسساته التي هي الضامن الحقيقي لعافية البلد واستقراره واستمرار نهوضه.

سأوضح الفكرة أكثر استنادا إلى ما ذكره المشير السيسي حيث تساءل مستنكرا: لماذا لم يفكر أحد في استحضار التجربتين الألمانية واليابانية بعد تدمير البلدين في الحرب العالمية الثانية، وقد حققتا في تقدم البلدين شأنا عظيما مشهودا؟ وهو السؤال الذي اعتبرته معبرا عن نمط في التفكير يحتاج إلى مراجعة، من ناحية لأن البلدين استنسخا النموذج الرأسمالي الغربي وطبقاه بذكاء وهمة عالية. من ناحية ثانية فإن السؤال بمثابة دعوة إلى مجرد نقل التجربة وزراعتها في بيئة مغايرة، والأهم من ذلك أنها دعوة إلى تجاهل فكرة «الإبداع» الذي يخرج من رحم المجتمع وتربته، ويحقق له حلمه بالأدوات والوسائل النابعة من طاقاته وخصوصيته. (لاحظ أنه لم يشر إلى تجربة الصين أو الهند أو البرازيل).

إنني أتفهم حرج الموقف والظروف التي تضغط لتحقيق إنجاز سريع، ولا أرى غضاضة في اللجوء إلى أي «مسكِّن» يخفف المعاناة بصورة مؤقتة، لكنني أزعم أن استدعاء المجتمع من خلال استنهاض مؤسساته واستخلاص إبداعاته يظل هدفا استراتيجيا ينبغي الحفاظ عليه والتمسك به في كل الحالات، لأنه بغير سواعد المصريين التي تستدعى وتستثمر من خلال المؤسسات والأوعية المصرية، لن يقدر لذلك الوطن أن يدافع عن عزته وكرامته أو أن يحقق تقدمه ونهضته ــ غدًا: أسئلة تنتظر المشير السيسي.

(بوابة الشروق)
التعليقات (0)