تحظى انتخابات
مجالس الطلبة في
الجامعات الفلسطينية باهتمام من قبل الأحزاب الفلسطينية وأنصارها، يكاد يوازي الاهتمام بالانتخابات
الرئاسية والتشريعية، وظهر ذلك في حملات الحشد والاستنفار، والمتابعة المباشرة من القيادات، إضافة إلى إنفاق آلاف الدولارات على الدعاية الانتخابية.
وتعتبر حركتا "
فتح" و"
حماس"، أن الانتخابات الطلابية مقياس لمدى شعبيتهما في الشارع الفلسطينية ومؤشر على توقعات نتائج أي انتخابات قادمة.
وأظهرت نتائج انتخابات جامعة بيرزيت -قرب رام الله- بقاء الحركتين محتفظتين بصدارتهما للمشهد السياسي الفلسطيني، وهذا ما أظهرته نتائج الانتخابات في جامعات وكليات أخرى.
وكانت نتائج انتخابات بيرزيت، قد أسفرت عن فوز "حركة الشبيبة الطلابية"، الذراع الطلابية لحركة "فتح"، بـ23 مقعدا من أصل 51، وتلتها "كتلة الوفاء الإسلامية" التابعة لحركة "حماس" بـ 20 مقعدا، بفارق نحو 400 صوت، وحصول "القطب الطلابي الديمقراطي" (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) على سبعة مقاعد فقط، وحصلت "كلتة الوحدة الطلابية" على مقعد واحد.
وبلغت نسبة الاقتراع 74 في المئة، في الجامعة التي تعتبر من أكبر الجامعات الفلسطينية وتضمّ نحو 8500 طالب وطالبة.
وأظهرت نتائج انتخابات مجلس طلبة جامعة الخليل (21 مقعداً لـ"فتح" مقابل 19 لـ"حماس")، وجامعة البوليتكنيك في الخليل (15 مقعدا لـ"فتح" مقابل 14 لـ"حماس")، التي جرت قبل نحو أسبوعين تقاربا في النتائج، فيما تتجه الأنظار إلى انتخابات مجلس طلبة جامعة النجاح الوطنية، التي تضم نحو 22 ألف طالب، ومن المتوقع أن تجرى في تشرين الثاني من العام الحالي.
ولا تعكس الانتخابات الطلابية هذه المرة شعبية الأحزاب والفصائل الفلسطينية فحسب، وإنما تعكس مدى إمكانية تحقيق المصالحة فعليا على أرض الواقع، والتمهيد لإعادة اللحمة بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انقسام امتد نحو سبع سنوات.
ويرى الكاتب الصحفي خالد معالي، أن الدلالات والانعكاسات التي قدمتها انتخابات بيرزيت تسلك عدة اتجاهات؛ منها مثلا الاتجاه السياسي، حيث تبين أن القوتين الكبيرتين ما زالتا تسيطران على الساحة، واليسار في تراجع، ووجود أجواء من الانفتاح على الآخر والديمقراطية. ومن الناحية الطلابية سيطر الخط السياسي على خدمة الطلاب.
وأوضح معالي في حديثه مع "عربي21"، أنه "لوحظ أن الدعاية الانتخابية للكتل طغى عليها الوضع السياسي الموجود على الساحة من ناحية فشل المفاوضات، ومن ناحية السخط من تصريحات الهباش حتى وصل الأمر لحد حرق صوره من قبل الشبيبة، وهذا يدل على أن الوضع السياسي حساس ويدخل قلب الجامعات ويكون له دور كبير في ميول الناخبين. وفي كل الأحوال فإن الصراع عبر صناديق الاقتراع هو أفضل الطرق للمناخ الديمقراطي وللتداول السلمي للسلطة".
وأضاف، أن الطالب اعتمد معيار البرنامج السياسي للانتخاب وليس بناءً على الخدمات الطلابية التي تقدمها الكتل، وبالتالي فإن الطالب ينظر إلى ما هو أبعد من المجتمع الجامعي الضيق إن صح التعبير، بحكم أن الطالب جاء من المجتمع الفلسطيني وليس من مجتمع آخر، وهو ما يعني تأثره بمحيطه الكبير أكثر من محيطه الضيق وهو الجامعة، مع عدم إغفال أهمية الحياة الجامعية وتأثيراتها، ولكنها تبقى صغيرة مقارنة بمحيطها الكبير.
ونوه معالي، إلى أنه في هذا العام لوحظ غياب المناكفات والتراشقات بالتصريحات بين أذرع "فتح" و"حماس" الطلابية عكس الأعوام السابقة، ما يشير –بحسب معالي- إلى أن الوضع الفلسطيني يسير نحو المصالحة وطي صفحة الانقسام مع عدم إغفال التحديات الكبيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني.
وفور صدور نتائج الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت، اعتبر عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمود العالول، أن الفوز الذي حققته حركة الشبيبة الطلابية يعد مكافأة للحركة على استراتيجية الوفاق "التي أنجزناها ومبايعة وطنية للحركة، وبرهانا على ثقة الجمهور بمبادئها وأهدافها وبرنامجها".
وأكد العالول "التفاف الجماهير حول حركة فتح وبرنامجها على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد النضالي، وهذا يشكل انتصارا للديمقراطية الفلسطينية وللانتخابات التي تصر الحركة على إجرائها، واستفتاء على منهج الحركة السياسي ورئيسها الرئيس محمود عباس، ووفاء لدماء الشهيد ياسر عرفات".
تراجع اليسار
بدوره اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح عثمان عثمان، أن الانتخابات الجامعية في بيرزيت خاصة والجامعات الفلسطينية عامة، أظهرت تراجعا لليسار الفلسطيني.
وأوضح في حديثه مع "عربي21 "، أن "من المتوقع تراجع
اليسار، بل هو في تراجع مستمر، وليس من اليوم فقط وإنما منذ أوائل التسعينيات عند انهيار الاتحاد السوفييتي. اليسار لا يحظى بثقة الشارع الفلسطيني لسببين: الأول هو عامل المصداقية التي فقدها هذا الحزب مع انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار المفاهيم التي يدعو لها ويقوم عليها، والعامل الآخر العامل المادي لأن اليسار لا يملك المقومات المادية والمالية التي تؤهله لتقديم خدمات متميزة للطلاب أو للشارع الفلسطيني".
ويرى عثمان أن فوز "فتح" في الانتخابات وتقدم "حماس" فيها ليس مؤشرا على عدم تراجع ثقة الشارع الفلسطيني بالحركتين. وأوضح أنه "قد تكون ثقة الشارع الفلسطيني تراجعت بالفعل بهذين الفصيلين، ولكنهما الأقوى حتى الآن ويحظيان بأصوات كبيرة بسبب شبه انعدام البديل عنهما، لأن البديل سيكون واحدا من اثنين. أما بما يتعلق باليسار الذي لا يحظى بثقة الشارع الفلسطيني أصلا، وبالمستقلين الذين من الصعب على المواطن أن يعرف توجهاتهم، فإن الشعب مخير بين حركتي فتح وحماس فقط".
وأشار إلى أن الأجواء التي سادت الانتخابات يمكن اعتبارها مؤشرا على صدق النوايا الفصيلين في المصالحة، ولكن صدق النوايا وحده لا يكفي، فهناك ضغوطات أمريكية وإسرائيلية، "وعلى كل حال فإن الانتخابات جرت في أجواء ديمقراطية، لكن هذه الأجواء الديمقراطية تفتقد للأرضية السليمة، لا يوجد تكافؤ بالفرص بين حركتي فتح وحماس، فذراع فتح الطلابي يحظى بكل الإمكانيات في الضفة الغرب".
أما الناشط الشبابي سمير أبو شعيب، فاعتبر أن الانتخابات الطلابية هذا العام جرت في جو ديمقراطي، "ولمسنا أجواء المصالحة من خلالها، ففي هذا العام جرت الانتخابات الطلابية دون أن يشهد اعتقالات سياسية، كما أن أبناء الكتلة الإسلامية تمكنوا من رفع الإعلام وترديد شعاراتهم في الشوارع والساحات دون أن يعترضهم أحد بخلاف الأعوام السابقة، وبالتالي يمكن القول أننا نرى نتائج المصالحة في الانتخابات".
ويرى أبو شعيب أن نتائج الانتخابات الطلابية، لا يمكن أن تقدم صورة عن نتائج
الانتخابات التشريعية القادمة؛ وأوضح أنه "بالرغم من أن المجتمع الطلابي هو جزء من المجتمع ككل، فإنه علينا الانتباه إلى أن المجتمع الطلابي في بير زيت يعكس واقع المجتمع في رام الله وحدها. ومن المعروف أن بعض الأحزاب تكون قوتها في مدن معينة أكثر من غيرها، وبالتالي فإنه لا يمكن أن نقيس نتائج الانتخابات على باقي المدن".