أعاد اليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة الذي يصادف الثالث من آيار/ مايو، الجدل حول واقع
حرية التعبير والحريات العامة بالبلاد، فيما تساؤلات تطرح حول نمط التعاطي المستقبلي للسلطة مع الصحفيين وخاصة هؤلاء العاملين بوسائل
الإعلام المحسوبة على المعارضة.
وقال
بوتفليقة الذي فاز بولاية رابعة بموجب انتخابات الرئاسة 17 نيسان/ إبريل الماضي، وهو على كرسي متحرك، الجمعة أن "الدولة مسؤولة عن حماية حرية التعبير من أي انسياق إلى التجني بالقذف أو اجحاف في حق المواطن أو الطعن في المؤسسات الدستورية".
وجاء في رسالة لبوتفليقة بهذه المناسبة أنه "لن تتوانى الدولة في هذا المجال عن ممارسة كامل صلاحياتها من خلال سن التشريع والتنظيم لضبط ممارسة حرية الصحافة وتأطيرها بالتساوق مع المعايير والمقاييس المعمول بها عالميا".
وأفاد بوتفليقة أن "رهانات عالم اليوم تفرض علينا جميعا وفي المقام الأول على العاملين في قطاع الاتصال التقيد بأخلاقيات المهنة ومراعاة قواعدها وضوابطها المنصوص عليها في منظومتنا القانونية الوطنية والمتطابقة مع ما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية".
وعلى مدى حكم بوتفليقة لثلاث فترات رئاسية بعدما اعتلى كرسي قصر "المرادية" العام 1999، ساد "فعل التجريم المتبادل" بين إعلاميون يجرمون السلطة لتضييقها على عملهم وخنقها حرية التعبير ورفضها سماع الصوت المعارض وبين سلطة تجرم الإعلاميين على أنهم يتجاوزون الخطوط الحمراء".
وأفاد رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها فاروق قسنطيني، التابعة لرئاسة الجمهورية في تصريح لـ"عربي21" الجمعة أن "العدالة هي الفيصل في القضايا الصحفية، فعلى العدالة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة واعتبر أن القاضي هو الضامن للحرية وعليه أن يتحلى بالشجاعة الكافية والتكوين العالي لمعالجة قضايا الصحافة، خاصة ما تعلق بتهم القذف والسب والشتم".
ويرى قسنطيني أنه "يجب على السلطة أن لا تقمع الصحفيين، ولكن على الصحفيين أن لا يسقطون في مغبة القذف والسب .. أنا مع حرية الصحفي لما يتعلق الأمر بنشر آراءه وأفكاره، واعتبر أن الصحافة هي العمود الفقري للديمقراطية".
ومخاوف الصحفيين كما النقابيين والسياسيين من مرحلة مقبلة مليئة بالغموض، إزاء الحريات الإعلامية وسائر الحريات بما فيها حق التظاهر، مرتبط أساسا بتعامل السلطة مع مسيرات نظمت إثر إعلان فوز بوتفليقة بولاية رابعة، ومنها مسيرة تعرضت للقمع بعد أن خرج المئات من "أمازيغ محافظة تيزي وزو"، السبت 20 نيسان/ إبريل، احتفاء بالذكرى الـ34 للربيع الأمازيغي".
ويقول قسنطيني "مازال أمام
الجزائر مسارا لإحلال الحرية الكاملة في التعبير وحتى المسيرات والمظاهرات خاصة في العاصمة، وأنا أرى أن منع المسيرات أمر مبرر، فنحن لم نتخلص من الإرهاب نهائيا، ولما نفعل ذلك، يمكننا برفع الحظر عن تنظيم المسيرات بالجزائر".
وأضاف "في تقاريري السنوية كنت دوما أطلب من الرئيس بوتفليقة، ضمان أكبر لحرية التعبير وحرية التظاهر". لكنه يردف "لكني أرى أن أمن المواطن والممتلكات أولى من أي شيء".
ويؤكد الإعلامي الجزائري، مسعود هدنة أن "حرية التعبير بقيت مفهوما فضفاضا لدى السلطة، ففضح ممارساتهم والإبلاغ عن الفساد بقي دوما على الهامش ولم تعره السلطة يوما اهتماما، وخذ قضية خليل مثلا أو عبد الرحمان عاشور اللتان تعاملت معهما السلطة عن طريق العدالة معاملة "خاصة"، أحكام مخففة ولا شيء غير ذلك".
وقال هدنة لـ"عربي21" الجمعة، إن "بوتفليقة استأثر بجميع السلطات لنفسه وأقال أربعة رؤساء حكومة وأبقى سيف الإشهار مسلطا على الصحافة ولدينا أمثلة خلال الحملة الانتخابية السابقة ومنها الجزائر نيوز التي شكا مديرها من عملية خنق إشهاري رهيبة".
وأضاف أن "الرئيس لن يسمح بوجود سلطة رابعة ما دام موجودا، فهو الذي ألغى ثلاث سلطات كاملة، من التشريعية والتنفيذية والقضائية فهل سيسمح بسلطة رابعة؟ لا أعتقد".
أما الإعلامية الجزائرية حكيمة ذهبي، فترى أن "الصحفي لم يعد يبحث عن حرية تعبير لأنه بالأساس أصبح يعرف حدودها من خلال تجربته وأصبح يصنع لنفسه ضوابط قبل أن يباشر أي عمل صحفي".
وأوضحت ذهبي، لـ"عربي21" الجمعة، "بالتأكيد لا توجد حرية تعبير في الجزائر ترقى إلى مستوى التطلعات والواضح أن الدولة مازالت بعد مرور 34 سنة من التعددية تسيطر على قطاع الإشهار وتماطل في إقرار قانون خاص بالقطاع لأنها تعرف أن هذا القانون سوف ينهي معاناة الصحف بالخصوص".
وكيف ستكون حرية التعبير في المرحلة المقبلة على ضوء تصرف السلطة مع المسيرات وبعد ظفر الرئيس بولاية رابعة؟ تجيب ذهبي "السلطة بعدما ضمنت تمرير أهم مشروع كانت تتخوف منه وهو العهدة الرابعة للرئيس وبطريقة "ديمقراطية" عن طريق الانتخابات فالأكيد أنها سوف تنتهج نفس الطريق الذي انتهجته مع المسيرات المناهضة لمشروعها في فترة وصفت بالحرجة جدا لها وبالتالي لا يوجد ما يجعلها تغير من نمط التعامل مع المسيرات والمظاهرات".
ومشاكل الصحفيين بالجزائر لا تقتصر على السلطة ونمط تعاملها مع الإعلاميين، ولكن أيضا توجد مشاكل مع المؤسسات التي يعملون بها.
وقالت "المبادرة من أجل كرامة الصحفي"، وهي مؤسسة تشكلت قبل ثلاث سنوات، تعنى بالدفاع عن حقوق الصحفيين وحرية التعبير، إن "عشرات الحالات من التعسف تستقبلها مفتشيات العمل عبر مختلف المحافظات".
وأوضحت المبادرة، في تقرير كشفت عنه، الجمعة، بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير أن "مفتشية العمل بمحافظة العاصمة استقبلت شكاوى من 150 صحفي وتضمنت حالات تعسف ونزاع عمل بين صحفيين وناشرين بقاعات التحرير المركزية بالعاصمة بما فيها قنوات تلفزيونية خاصة".
وجاء في التقرير "تستقبل مفتشيات العمل عبر باقي المحافظات ما بين 5 إلى 50 شكوى يتقدم بها مراسلون صحافيون". وأكد التقرير أن "60 بالمائة من المراسلين الصحافيين لا يتقاضون أجورهم".
وقالت حركة "النهضة" الإسلامية، المعارضة، في بيان الجمعة "للأسف الشديد السلطة مازالت لم تقتنع بعد بدور ورسالة الإعلام في التنمية الوطنية الشاملة ولا زالت حرية الاعلام والتعبير بعيدة عما جاءت به مواثيق الدولة الجزائرية، وهو ما يظهر جليا في تجميد قانون الإعلام خدمة لأجندة سياسية".
وترى "النهضة" أنه "لا يزال الغلق الإعلامي لا سيما حول القنوات الفضائية الخاصة والإذاعات لتحرم المواطن من حقه في الإعلام الحر النزيه الغير خاضع لاملاءات السلطة".