مقالات مختارة

«حل السلطة».. خيار أم ورقة ضغط؟

أسعد عبد الرحمن
1300x600
1300x600
كتب اسعد عبد الرحمن: تعودنا على لعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالشعارات التعجيزية مع سعيه لاحتلال كامل الأرض الممتدة من البحر إلى النهر، ولربما يبدي «كرماً» بتضمين ذلك بكيان فلسطيني لا لون له، وإن كان له طعم سيء ورائحة كريهة: كيان حكم ذاتي هلامي، جوهره القمع البوليسي في خدمة إسرائيل، انطلاقاً من الأسطوانة المشروخة: «أمن إسرائيل». وقد استمعنا مؤخراً لمضامين هذه المواقف عبر تصريحاته الأحدث، سواء قبيل زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية أو خلالها أو بعدها!

وفي الوقت الحالي، يتزايد الرهان على فشل المفاوضات الجارية. فالحديث عن «اتفاق سلام» بل حتى «اتفاق تسوية» لا تظهر بوادره في الأفق. ففيما يتبدى أن الإسرائيليين قد «فرضوا» معظم بنود وجهة نظرهم على الأميركيين، وهو ما يتجلى يومياً عبر التسريبات التي تُنشر بشأن خطة أطروحات وزير الخارجية الأميركي (جون كيري)، وذلك خلافاً لما التزمت به الإدارة الأميركية، شفهياً، للجانب الفلسطيني داخل الغرف المغلقة. وفي هذا السياق، يرى العديد من المعلقين والسياسيين، فيما عدا الموقف السلبي الإسرائيلي من «اتفاقية الإطار» التي يكثر الحديث عنها، أن أقصى ما يمكن أن تقبل به إسرائيل هو حل «انتقالي» يتحول تلقائياً إلى «نهائي»، فيما يرغب الفلسطينيون بحل نهائي، في نطاق محاولة الوسيط الأميركي التجسير بين الموقفين بصيغة «حل نهائي على مراحل»: إقامة دولة «ذات حدود مؤقتة»، مترافقاً مع إطار لعناصر التسوية الدائمة يتفق على تطبيقها مرحلياً.
يوماً بعد يوم، يتأكد، أن الرد على المكائد الإسرائيلية هو الطريق الأنجع لمواجهة التعنت الإسرائيلي والتراخي الأميركي.

فمع التغير المتسارع في الساحة الدولية، ومع إصرار إسرائيل على الخطوات الانفرادية، ومع فقدان القادة الفلسطينيين للخيار العسكري، عليهم اليوم قبل الغد إثبات قدرتهم على التأثير بخطوات «أحادية». ومما يعزز الخيار الفلسطيني هذا كون إسرائيل تعتمد الخطوات الاستباقية الأحادية لتحقيق سياسة الأمر الواقع على الأرض، حتى تصبح أموراً مسلماً بها لا مجال للتخلي عنها، بل تصبح مع مرور الوقت، مطلباً «شعبياً» إسرائيلياً لا يمكن التنازل عنه!

في أوساط صنع القرار الفلسطيني والنخبة السياسية، تتزايد ضبابية الأجواء الداخلية، خاصة لدى المتخوفين من أن المفاوضات لن تحقق الحد الأدنى المطلوب فلسطينياً، وأن إسرائيل ومن ورائها الإدارة الأميركية لن تنجحا في تبديد هذه المخاوف، وستصران فقط على قيام الفلسطينيين بتقديم التنازل تلو الآخر. والسيناريوهات لما بعد الإعلان المتوقع عن فشل المفاوضات كثيرة: «ضغوط داخلية في اتجاه انتفاضة ثالثة» (قد تستهدف ضمن ما تستهدف السلطة الفلسطينية ذاتها)، «عقوبات تفرضها إسرائيل على السلطة الفلسطينية»، «قطع المعونات الغربية عنها»، وأسوأها على الإطلاق «انهيار السلطة الفلسطينية» على نحو سريع وغير مبرمج.

في دراسة أصدرها «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية»، بالتعاون مع «مشروع الشرق الأوسط للولايات المتحدة»، و«المركز النرويجي لمصادر بناء السلام»، وقد شارك في إجرائها حوالي 115 خبيراً سياسياً وأكاديمياً، فإن «معظم الفلسطينيين يعتقدون أن إسرائيل تنظر إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها تلعب دورين مهمين: تعفي سلطة الاحتلال من مسؤولية رعاية أولئك الذين يعيشون في ظل الاحتلال، وتقي إسرائيل التي ترغب في حماية هويتها اليهودية من التهديد الديموغرافي المتجسد في واقع الدولة الواحدة».

وأضافت الدراسة، التي حملت عنوان «مبادرة اليوم التالي»، بمعنى اليوم التالي لانهيار السلطة الفلسطينية، أنه رغم ذلك فإن «إسرائيل قد تلجأ إلى فرض عقوبات من شأنها أن تؤدي، عن قصد أو عن غير قصد، إلى انهيار السلطة الفلسطينية». وبالمقابل، ومن وحي الدراسة ذاتها، يرى فلسطينيون كثر (بعضهم في أروقة قيادية رفيعة) أن الحيل الإسرائيلية تقود عملياً إلى تفكيك السلطة الفلسطينية. بل إن قياديين من هؤلاء يرون أنه لا ضير من أن تحل السلطة الفلسطينية نفسها بنفسها «لإجبار إسرائيل على تحمل مسؤوليتها الكاملة كقوة احتلال».

وبحسب هؤلاء، فإن هذا الأمر في حال حصوله، سيضطر إسرائيل «لأن تختار بين خيارين لا ثالث لهما: تعزيز واقع الدولة الواحدة -مما يضطرها لأن تصبح دولة فصل عنصري أو تمنح الفلسطينيين حق المواطنة الكاملة- أو إنهاء احتلالها ومنح الفلسطينيين الاستقلال والسيادة». وبالفعل، يرى قادة فلسطينيون أن «حل السلطة» ربما يكون أمراً لا مفر منه والطريق الوحيد الكفيل بإحداث هزة في الوضع بحيث يفرض على إسرائيل عبئاً كبيراً تعود بموجبه إلى إنفاق الأموال مرة أخرى لإدارة شؤون الفلسطينيين (تحت الاحتلال) في المجالات المختلفة، وهذا سيؤدي إلى جدل كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، حول مستقبل الأراضي الفلسطينية. ويؤكد هؤلاء القادة أنه قد بات مطلوباً من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية إحداث مثل هذه «الهزة»، بحيث يتم رفع الغطاء الذي يمرر نتنياهو من خلاله كل مخططاته «الاستيطانية». فهذا الأخير لا يرى في السلطة شريكاً حقيقياً في العملية السلمية، وهو مستمر في قضم ما تبقى من أرض فلسطينية في القدس والضفة.

أما خيار «أضعف الإيمان» قبل فوات الأوان فإنه يستوجب، في أعين عدد متنام من القياديين الفلسطينيين، توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة مجدداً. وللرد على التخوفات يستذكر قادة فلسطينيون كيف أنه سبق وأن هدد الرئيس الأميركي (أوباما) عبر ثلاث «رسائل تهديد» بقطع المساعدات المالية عن السلطة إن هي أصرت على الذهاب للأمم المتحدة، مع أن البعض كان دوماً يعتقد بأن «تهديد» الإدارة الأميركية لم يكن جدياً، لإدراكها العميق بأن إسرائيل هي الملامة.

وفي كل الأحوال تجاهل الرئيس الفلسطيني هذه «التهديدات» ولم تقم واشنطن بقطع المعونات. وثمة تقدير بأنه حتى لو «حردت» واشنطن فإنها لن تجرؤ على إعلان انسحابها من دور الوسيط لأن في هذا إعلان عن تدمير «عملية السلام»، وربما ينظر له –عملياً- على أنه تخل عن إسرائيل، والأخطر أنه سيكون دعوة للأمم المتحدة كي تتولي الأمور بنفسها. وعليه فإن قيادات فلسطينية متزايدة باتت تدعو إلى مثل هذه الخطوة على أن تأتي في إطار معركة سياسية متواكبة مع تحركات جماهيرية ضد الاحتلال، الأمر الذي سيقود إلى نتائج أقلها نقل القضية الفلسطينية من «المستنقع» الحالي إلى مجرى «النهر» المفتوح على مختلف الاحتمالات، لكنها جميعها احتمالات أقل سوءاً من الحال الراهن، وعندها فقط لن تلام السلطة من شعبها على أي نتائج قد تترتب عن ذلك.

(الاتحاد الاماراتية)
التعليقات (0)