لا يبدو لي أن هناك شيئا جديدا يمكن قوله؛ تعقيبا على السجال الذي دار بين الرئيس
محمود عباس، والقيادي الفتحاوي السابق محمد
دحلان، بالرغم من فداحة الاتهامات المتبادلة، وما تلقيه من ظلال بالغة القسوة والسوء على الشعب الفلسطيني وقضيته، وعلى حركة
فتح على السواء، فالفصل بين ما هو فلسطيني عام وفتحاوي خاص غير ممكن، إذ لا يوجد ما هو خاص بالنسبة لأي فصيل فلسطيني مهما خف وزنه وتضاءل حجمه، فكيف بالحركة التي لا زالت تنفرد في تقرير أحوال هذا الشعب ومصيره؟!
لا يوجد جديد، لأن كل ما قيل من الطرفين سبق قوله، تلميحا أو تصريحا، وسبق تداوله فلسطينيا من أطراف مختلفة داخل فتح، أو من خارجها، ولأن الحوادث التي تعرض لها الطرفان حصلت في الماضي وأثيرت حولها العديد من الاتهامات والتكهنات، ولأن الخصومة بين الرجلين لم تكن وليدة اليومين الماضيين، وإنما، فقط، اتخذت طابعا مثيرا في هذين اليومين، بلغته اللافتة والتي وصلت حدودًا قصوى في التوتر، بما قطع خطوط الرجعة بين الطرفين، وإن لم يكن المضمون جديدا أبدا. (مع التحفظ على الجزم بقطع خطوط الرجعة، فالعلاقات في فتح قابلة للترميم بحسب خريطة المصالح وإرادة القوى المؤثرة).
ومن ناحية التحليل السياسي لا يوجد الشيء الكثير لقوله، لأن المشهد شديد الوضوح، بتبني النظام الانقلابي في مصر لمحمد دحلان، ومنحه منبرا تلفزيونيا هاما يهاجم من خلاله الرئيس عباس، وممالأة مقدم البرنامج التلفزيوني لمحمد دحلان بصورة فجة ومبتذلة ومسيئة، وتمريره برضى بالغ للغة دحلان المتجاوزة في حق الرئيس عباس، وهي لغة لا يمكن أن تسمح بها أي قناة محترمة.
وإذا أخذ المشهد الإقليمي بكليته، ووضع النظام الانقلابي داخل هذا المشهد الذي يحوي داعمي الانقلاب ومموليه الخليجيين، ومن بينهم الإمارات البلد المضيف لدحلان، فإن هذا يشير بشكل جاد إلى وجود قرار عربي لابتزاز الرئيس عباس، أو للدفع نحو خلق بدائل أخرى في قيادة فتح والسلطة، تمضي بمشروع التصفية الأمريكي إلى نهاياته، ما يذكر بما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات حينما حوصر وجرى التخلص منه بغطاء عربي، على إثر فشل كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى. وهذا بالمناسبة يذكر أيضا، بما قلناه مبكرا عن أهداف الانقلاب، والتي منها؛ إعادة ترتيب المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية، ولن يغير من هذه الحقيقة النكتة التي أطلقها دحلان بقوله إن ما فعله السيسي، بدعم من مموليه الخليجيين، أوقف المشروع الأمريكي في المنطقة العربية!
الطريف في هذا المشهد، وبالقدر الذي يظهر فيه دحلان موظفا لدى المشغلين الإقليميين ومن بينهم النظام الانقلابي المصري، فإن التيار الفتحاوي الآخر المناوئ لدحلان، لم يقصّر في محاولات التقرب من النظام الانقلابي وسلطاته العسكرية وإظهار التشفي بجماعة الإخوان المسلمين، ومباركة استباحة دمائهم وسحلهم في الشوارع، وما ترتب على ذلك من استهداف لحماس وتعزيز الحصار على قطاع غزة، والتلويح بإمكان إسقاط حماس من خلال الجيش المصري!
هذه الطرافة ليست أكثر من تعبير بالغ في الكاريكاتورية والمفارقة، حول طريقة فتح في صياغة خطابها الشعبوي عن العلاقات العربية والدولية، إذ المرتكز في ذلك كله، علاقة الأطراف بحركة حماس، فتمالئ فتح من يستهدف ويعادي حماس، بينما تقدم خطابا شديد العدوانية والتشنج ضد الأطراف التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع حماس حتى لو كانت أقرب إلى فتح في الموقف السياسي من القضية الفلسطينية، كما نلاحظ في الخطاب الشعبوي الفتحاوي العدواني ضد دولة قطر!
على خلاف ذلك، وجدنا حالة بين كتاب حماس، ومدونيها على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها الحزن والأسى من بعد السجال الأخير بين الرئيس عباس ودحلان، متجردة من كل مظاهر التشفي، ونوازع الحزبية، ومبدية الحرص على فتح وتاريخها بصفتها مكونا أساسيا في النسيج الوطني الفلسطيني، ما يقدم صورة عن جماهير تتمتع بالمسؤولية والحس الوطني على نحو معاكس لأي موقف فتحاوي غريزي من حماس! ما يعني غلبة الطابع القبلي على فتح رغم غياب الأيديولوجيا الجامعة.
تستحق هذه المواقف الحزينة مما آلت إليه أمور فتح الإشادة من هذا الجانب بكل تأكيد، على ما فيها من رومانسية، وبالرغم من عادة بعض الكتاب في الجنوح إلى لغة المجاملات والعلاقات العامة على حساب التحليل الرصين والموقف النافع فعلاً، فهذه القيادات يفترض أنها اختيار الجماهير الفتحاوية، ومن الضروري جدا لجماهير فتح أن تقف أمام هذه الحقيقة المرّة، بهذا الشكل القاطع، وأن تتحمل مسؤولياتها تجاه خياراتها، وقبل ذلك هذا حق الشعب الفلسطيني، وهو حق لا يتأتى إلا بمثل هذه المصارحة والمكاشفة المرّة والضرورية، فالحزن والأسى ينبغي أن يكون على استمرار الخلل وإخفائه، لا على كشفه وإعلانه، والوحدة المطلوبة لأي حركة فلسطينية هي تلك الوحدة التي تقوم على أساس تصحيح الأخطاء، لا على أساس استمرار الأخطاء والتغطية عليها، وطالما أن هذا خلل قديم ومزمن، فلم يكن هناك جديد يستدعي الحزن والأسى!