في خضم ما تشهده الساحة الفلسطينية من "
خلافات" داخل حركة
فتح، نتيجة "الصراع" الدائر بين تيارين رئيسيين يقودهما الرئيس الفلسطيني القائد العام لفتح، محمود
عباس، و"خصمه" القيادي المفصول من الحركة، محمد
دحلان للسيطرة على ساحة العمل في قطاع
غزة التي تسيطر عليها حركة حماس، لا يستبعد محللون سياسيون أن يتحول القطاع إلى ساحة "تصفية حسابات" بين التيارين.
وامتلأت وسائل إعلام محلية، خلال الآونة الأخيرة بسيل من التصريحات والمقالات لكل من أنصار التيارين، داخل حركة فتح، حول هذه الخلافات، حيث وصل الأمر بينهم إلى حد التخوين واتباع أجندات خارجية أو التعامل مع حركة حماس التي يصفها الفتحاويون بـ"الخصم" بعد الانقسام الحاصل بين الحركتين منذ 2007.
وفي أحدث مظاهر خلافات حركة فتح الداخلية، ما كشفه عضو المجلس "الثوري" للحركة، سفيان أبو زايدة، عن قطع السلطة الفلسطينية، رواتب العشرات من أنصاردحلان في قطاع غزة، وهو ما قاله في مقال له نشرته وسائل إعلام فلسطينية، الأربعاء.
وقال أبو زايدة في مقاله، إن "الجهة التي اتخذت هذا القرار ملزمة، بأن تشرح للرأي العام الفلسطيني بشكل عام ولمن قطعت رواتبهم بشكل خاص لماذا تم اتخاذ هذا الإجراء؟، وما هو الأساس القانوني الذي استند عليه؟".
وفيما لم يتسن الحصول على تعقيب من السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية حول ما جاء في مقال أبو زايدة، قالت مصادر فلسطيينة مطلعة (مقيمة في مصر)، فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن واقعة قطع الرواتب جاء جزء منها، بعد "احتكاك" جرى بين أنصار التيار "العباسي" و"الدحلاني" في احتفالية نظمتها حركة فتح (إقليم مصر) في مقر نقابة الصحفيين المصريين، وسط القاهرة، بمناسبة انطلاقة الحركة الـ49 التي صادفت الأول من يناير/كانون الثاني الماضي.
ووفقاً للمصادر نفسها التي كانت من ضمن الحضور في احتفالية الحركة، فإن المحتفلين الذين كان معظمهم من المحسوبين على الرئيس عباس، تفاجأوا بعدد من أنصار دحلان (جميعهم يقيم في مصر) يدخلون القاعة رافعين صوراً للأخير، الأمر الذي لم يروق لـ"العباسيين" ونتج عنه احتكاك وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي، بعد أن قام "الدحلانيون" بإلقاء صورٍ لعباس على الأرض والدوس عليها بأرجلهم.
التصادم الذي وقع بين التيارين الفتحاويين، وصل إلى الرئيس محمود عباس في رام الله، بالصوت والصورة، ما دفع الأخير إلى اتخاذ قرار بقطع رواتب 12 منهم، وذلك قبل أن يقوم هؤلاء "المعاقبون" برفع كتاب"اعتذار" للرئيس الذي أصدر تعليماته لإعادة راتب 8 منهم، فيما بقي أربعة يُقال إنهم "تواصلوا مع دحلان الذي دفع لهم مبلغ من المال، تعويضاً لهم على راتبهم المقطوع"، بحسب المصادر نفسها.
وتقول المصادر ذاتها، إن "الجزء الآخر من المقطوعة رواتبهم، يتوزعون على غزة، والضفة الغربية، وخارج فلسطين، وجميعهم ممن وقعوا ضحية للخلاف الحاصل بين عباس ودحلان".
ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من أنصار دحلان حول واقعة الاحتفال بانطلاقة فتح في مصر، كما لم يتسن الحصول على تعقيب بشأن قيام دحلان بدفع مبالغ للمقطوعة رواتبهم.
ولا تزال السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات موظفيها في قطاع غزة والبالغ عددهم نحو 55 ألف موظف، يمتنع أكثرهم عن الذهاب لأماكن عملهم بأوامر من السلطة عقب سيطرة حركة حماس على غزة وتوليها الحكم في القطاع في صيف يونيو /حزيران 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح.
ولأنّ تداعيات الخلاف الداخلي في حركة فتح، وصل لقطع الرواتب، وتجميد مصادر الرزق فإن "حالة الصراع والمكايدة بين التيارين" وفق ما يرى طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، قد "تؤول إلى أي شيء".
وقال عوكل، في حديثٍ لوكالة الأناضول، إن "حدة الخلافات داخل حركة فتح تتجه نحو المزيد من التأزم"، مضيفاً، أن "هناك انقسام وصراع غير مسبوق بين تياري عباس ودحلان، ومن الوارد جداً أن ينتقل هذا الخلاف من خانة التراشق الإعلامي إلى المواجهة العلنية والاشتباك بين أنصار التيارين في غزة".
ورأى الكاتب السياسي، أن "قرارات الفصل والإقصاء، وقطع الرواتب ستدفع بمواجهة تيار ضد آخر، ونشوء حالة من العنف الدموي"، معرباً في الوقت ذاته عن أمله في أن تنتهي هذه "الأزمة"، وأن "تتوقف مشاهد الفرقة والنزاع داخل صفوف حركة فتح".
من جهته، توقع المحلل السياسي ، مصطفى الصواف، أن يكون قطاع غزة ساحة "المواجهة" بين تياري حركة فتح الموالين لكل من محمود عباس رئيس الحركة، والقيادي المفصول منها محمد دحلان.
وفي حديث مع الأناضول، قال الصواف، الكاتب في صحيفة "الرسالة" نصف الأسبوعية، بغزة والمقربة من حركة حماس، إن "المواجهات بين تيارات فتح قد تتحول من شقاق، وتراشق إعلامي إلى مواجهات دموية".
وبحسب الصواف، فإن من "سيشعل هذه المواجهة هو قرار الحركة بفصل القيادات والعناصر الموالية لدحلان في قطاع غزة، وقطع رواتب مناصريه".
وبالرغم من قرار فصله من الحركة منتصف عام 2011، لا يزال محمد دحلان، القائد السابق لحركة فتح في قطاع غزة، يتمتع بنفوذ لدى عناصر وقيادات الحركة في القطاع.
ووجد أنصار دحلان، المقيم في الإمارات منذ سنوات، "في غياب وجود فاعل لتنظيم فتح المؤيد لعباس في القطاع،، الفرصة المناسبة لتوسيع أنشطته أكثر".
وفي هذا الصدد، حذر الصواف، من "التقليل أو الاستخفاف من أنصار دحلان في قطاع غزة"، معرباً عن رأيه في أن هذا التيار "قادر على إشعال فتيل المواجهة".
وأضاف، " في ظل توفر أسلحة لدى التيارين، إضافة إلى وجود الأموال لدى الطرفين فإنه من الوارد استغلالها بشكل سلبي".
وعن دور حكومة غزة في حال وقعت المواجهة بين تياري فتح في لقطاع، قال الصواف، إن "الحكومة ستعمل جاهدة على حفظ الهدوء، والأمن والسلم المجتمعي".
بدوره، أبدى إبراهيم المدهون، رئيس مركز "أبحاث المستقبل"، في غزة، عن قلقه من أن "تتطور الخلافات بين التيارين، من تراشق إعلامي، إلى استخدام للسلاح".
وقال المدهون في حديثٍ مع وكالة الأناضول، إن "الخلافات داخل حركة فتح قد تتحول من شكل سلمي إلى عنف، غير أن الحكومة في غزة، وأجهزتها الأمنية لن تسمح بتجاوز القوانين، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام استخدام السلاح، فهناك خطوط لن تقبل الحكومة بتجاوزها."
ورأى أن حركة فتح "مطالبة بحل خلافاتها بطريقة قانونية، بعيداً عن المواجهة وتصفية الحسابات"،
وكان أشرف جمعة، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة فتح، قال في حديث سابق مع الأناضول، إن" الصراع بين تياري عباس ودحلان، بات يعصف بأطر وقواعد الحركة، ووصل لحد غير مسبوق"، داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة حل الخلافات داخل الحركة.
واشتعلت خلافات حركة فتح الداخلية مؤخرا، بعد أن اتهم عضو اللجنة المركزية نبيل شعث، قيادات فتحاوية في غزة بانحيازها للقيادي المفصول "دحلان".