كتاب عربي 21

عندما تتحرك الديناصورات في الأردن

عبد الله المجالي
1300x600
1300x600
في كل صف مدرسي يوجد تلميذ مسكين يسهل استفزازه، وهو من تبحث عنه مجموعة الطلبة المشاكسين، وما إن يجدوه حتى يتفننوا في استفزازه، ولأنه مسكين لا يستطيع مواجهتهم، فإنه يفرغ غضبه في زميله المسكين الآخر، أو في شقيقه الأصغر.

في الأردن مجموعة من هؤلاء التلاميذ، يستعذب الصهاينة استفزازهم كلما يرون ذلك موايتا.

لكنهم تلاميذ كبار جدا يمكن وصفهم بالديناصورات، فما إن تتحرك ماكينة السلام المزعوم، ويتحرك معها ملف اللاجئين، حتى تقف تلك الديناصورات على رؤوس أصابعها، وتبدأ تحركا يثير الزوابع وموجات متتالية من الأغبرة والأدخنة.

بالمناسبة، فإن وصف أولئك التلاميذ بالديناصورات ليس من عندي، وإنما هو من ابتكار الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، فقد وصف مجموعة من الشخصيات المحافظة والبيروقراطية وبعضهم أعمدة حكمه بالدينصاورات، وذلك في حديث صريح دون ضوابط مع الصحفي الأمريكي جيفري غولد بيرغ نشره في مجلة اتلنتيك الأمريكية.

الملك عبد الله كان يشكو من جمود عقلية بعض الزعامات المحلية وشيوخ العشائر ومحافظتهم، وقد عاب عليهم أنهم زعامات بلا انتخابات.

هذه الديناصورات تحركت مؤخرا لتثير الغبار والزوابع في البلد، وذلك بالتزامن مع جولات كيري للمنطقة، والحديث الذي يتسرب حول خطته لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي خصوصا فيما يتعلق باختفاء شيء اسمه حق العودة من الخطة.

في الأردن ثار الحديث مجددا عن الوطن البديل في ظل خطة كيري التي تسعى إلى إنهاء المطالبة بحق العودة، وهو ما يعني التوطين، أي أن على الأردنيين من أصول فلسطينية البحث عن هوية جديدة لهم، وبمنطق تلك الديناصورات؛ فعلى الفلسطيينين البحث عن هويتهم خارج الأردن وليس على حساب الأردن.

وهنا يمكن أن نلحظ غياب الثقة بين تلك الشخصيات والزعامات المحلية وبين النظام فيما يتعلق بموضوع اللاجئين والوطن البديل.
عدم الثقة هذا، لا يعبر عنه صراحة، ولا أحد يتحدث عنه في العلن، بل عن طريق الرسائل التي تثير الزوابع في البلد.

النظام ومنذ جولات كيري المكوكية حاول تهدئة المخاوف، لدرجة أن العاهل الأردني اضطر للقول مؤخرا: للمرة السبعين أقول إن الوطن البديل وهم.

المفارقة هنا أن هذه الديناصورات هي من أعمدة نظام الحكم، وهم أكثر الناس قربا من النظام ودفاعا عنه، ولهذا فإن الكثيرين لا يفهمون كيف يثير هؤلاء زوابع يمكن أن تهدد استقرار البلد، وخصوصا وأن الموضوع نفاه رأس النظام سبعين مرة.

لتحرك ديناصورات الأردن أمر مذموم وآخر محمود؛ أما المحظور، فإن هؤلاء يصرون على تصنيف الأردنيين؛ أصليون لهم كل الحقوق، وطارئون ليس لهم أي حقوق، مما يشكل سحابة قلق تصيب نسبة كبيرة من السكان، وتنذر باضطرابات وانقسامات نحن في غنى عنها، ولن تصب إلا في صالح العدو الصهيوني.

الأمر المحمود، هو أن تلك التحركات تعكر صفو الجلسات الحميمة بين الأطراف المعنية بالمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، كما أنها تجعل من ملف اللاجئين وحق العودة ملفا ساخنا يصعب على صناع القرار في الأردن تجاهله أو القفز عنه.
التعليقات (0)