ملفات وتقارير

الغرب والانقلاب في مصر: "المصالح أولا"

وزير الخارجية الأمريكي خلال اجتماع بالفريق عبد الفتاح السيسي الأسبوع (أرشيفية)
وزير الخارجية الأمريكي خلال اجتماع بالفريق عبد الفتاح السيسي الأسبوع (أرشيفية)

أثار التعاطي الغربي مع القمع في مصر تساؤلات حول الازدواجية في المعايير وسط اتهامات بالنفاق وتغليب المصالح الاقتصادية والسياسية على مبادئ حقوق الإنسان.

ويقول مراقبون إنه بالرغم من وقوع انتهاكات مروعة وغير مسبوقة في مصر خلال الشهور السبعة الماضية التي أعقبت الانقلاب العسكري، إلا أن أمريكا والاتحاد الأوروبي اكتفيا بالانتقادات "اللطيفة" للسلطات الحاكمة.

وشهد يوم السبت الماضي قمعا وانتهاكات هائلة في مختلف أنحاء البلاد، حيث لقي 62 متظاهرا مصرعهم خلال المظاهرات التي نظمها معارضي الانقلاب في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، كما أصيب المئات برصاص الجيش والشرطة واعتقل أكثر من ألف شخص، كما قامت طائرات تابعة للجيش بقنص متظاهرين في القاهرة كما أطلق عليهم الرصاص من مدافع الجرينوف.

ولم تمنع تلك الانتهاكات الدول الغربية في مواصلة المساعدات الاقتصادية للحكومة المصرية التي تم تعليقها بشكل مؤقت عقب الانقلاب.

وعقب إقرار الدستور الجديد في مصر اكتفت واشنطن بحض السلطات المصرية على "التطبيق الكامل للحريات" التي يكفلها هذا الدستور.

وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الحكومة الانتقالية أعلنت مرارا التزامها بعملية انتقالية توسع الحريات الديمقراطية وتؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة بقيادة مدنية من خلال انتخابات نزيهة، والآن حان الوقت لتحويل هذه الالتزامات إلى واقع".

وبالرغم من انتقادات واشنطن للحكومة المصرية، إلا أن إدارة أوباما حثت الكونجرس على تمرير قانون يقضي باستئناف المساعدات الأمريكية لمصر.

وطالبت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية في مطلع الشهر الجاري الرئيس أوباما بالتوقف عن تدليل حكام مصر من العسكر الذين يروعون معارضيهم السياسيين، سواء كانوا من الإخوان أو حتى من الليبراليين والعلمانيين، واصفة رد الإدارة الأمريكية على تواصل القمع في مصر بأنه لطيف لدرجة "الجبن".

وخلصت الصحيفة إلى أن الوضع في مصر يعد حالة نموذجية للصراع بين تعهد أمريكا برعاية الديمقراطية وبين أهدافها الاستراتيجية، مضيفة أن الحقيقة هي أن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر ليست لها علاقة بتحقيق الديمقراطية في مصر، إنما هي لضمان التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل ومواجهة الإرهاب.

قمع كاسح

وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا الخميس الماضي بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة يناير أوضح أن السلطات الحالية تستخدم كافة مصادرها لسحق المعارضة و"الدوس" على حقوق الإنسان وخنق حرية التعبير.

وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير المنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "تشهد مصر سلسلة من الضربات المدمرة لحقوق الإنسان، مع وجود عنف للدولة في إطار غير مسبوق عبر الشهور السبعة الماضية، وأصبح الإفلات من العقوبة نظاما يوميا". واستطردت صحراوي: يتم استخدام "مكافحة الإرهاب" لتبرير القمع الكاسح الذي لا يميز بين المعارضة المشروعة والهجمات العنيفة.

لكن الحكومة المصرية المؤقتة انتقدت تقرير العفو الدولية وقالت إنه "غير دقيق" وغير متوازن ويعكس استخفاف المنظمة بإرادة وطموح الشعب كالمصري". وأضاف بيان لوزارة الخارجية أن "الحكومة المصرية مسئولة أمام شعبها أولاً وأخيراً، ولا تلتفت إلى محاولات تشويه الحقائق"، حسب تعبير البيان.

واستخدمت قوات الأمن القوة المفرطة يوم السبت في التعامل مع المتظاهرين المعارضين منتمون لجبهة "طريق الثورة" التي تضم حركتي 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وإسلاميين مستقلين، ونزلت للتظاهر ضد مرسي في 30 يونيو الماضي. وقد سقط عدد منهم بين قتيل ومصاب، كما اعتقل العشرات منهم.

مساعدات رغم الانتهاكات

ويوم السبت وجه معتقل مصري يحمل الجنسية الأمريكية رسالة من داخل السجن إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتحدث فيه عن الأوضاع السيئة التي يعيشها داخل الزنزانة، ومعربا عن شعوره بفقدان الأمل في أوباما.

وقال محمد، نجل القيادي الإخوان صلاح سلطان المعتقل منذ فض اعتصام رابعة في آب/ أغسطس الماضي، في رسالته إلى أوباما والتي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز": "يبدو أني كنت ساذجا عنما صدقت وعودك بأن أمريكا ستدافع عن حريتي المنتهكة وتضحي بمصالحها".

وكشف أمين عام وحدة الشراكة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي السبت الماضي؛ عن موافقة الاتحاد الأوروبي على منح الحكومة المصرية مساعدات بنحو نصف مليار يورو دفعة واحدة، بدلا من تجزئتها.

وقال السفير جمال بيومي في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم" إن هذه المساعدات كانت ستمنح لمصر عليها خلال أعوام 2014 و2015 و2016، وكان الحصول عليها يستلزم موافقة البرلمان عليها لكن الاتحاد الأوروبي تغاضى عن ذلك.

وقالت مديرة مكتب هيومان رايتس ووتش في القاهرة هبة مورايف إن هناك حالة من القلق المتزايد في الأوساط الحقوقية على الحريات في مصر، مع اتساع نطاق الاعتقالات العشوائية والقمع بدعوى الحفاظ على الأمن.

وأشارت مورايف إلى أن تذرع السلطات بمحاربة الإرهاب أصبح لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، خاصة أن القمع يطال من كانوا معارضين لحكم الرئيس محمد مرسي.

ونقلت صحيفة الشروق عن "أحد السفراء الأوروبيين" قوله إن هناك تصاعدا غير مبرر في عمليات الاعتقال العشوائية لنشطاء معروفين بمناهضة حكم الإخوان طوال العام الماضي".

وأضاف: "لقد نصحنا أصدقاءنا في الخارجية بأن يسعوا لإقناع المسؤولين الأمنيين بمراجعة سياساتهم؛ لأن ما يحدث يصعب الدفاع عنه أمام الرأي العام حتى من قِبَل أكثر الأصدقاء المخلصين لمصر".

وقالت سفيرة أوروبية أخرى: "نرى مصر تنزلق نحو فاشية أمنية يمكن أن تهدد السلام الاجتماعي، بل وتطيل عمر العمليات الإرهابية نفسها. ونحن لا نسعى لإصدار بيانات محرجة للحكومة، ولكننا نخبر أصدقاءنا في الحكومة المصرية أن خياراتهم الأمنية أصبحت مقلقة للغاية دون أن تكون ناجعة في وقف عمليات التفجير".
التعليقات (0)

خبر عاجل