حقوق وحريات

منظمة حقوقية: محاسبة الجناة شرط للمصالحة في سورية

جزء من غلاف التقرير السنوي - اللجنة السورية لحقوق الإنسان 2013
جزء من غلاف التقرير السنوي - اللجنة السورية لحقوق الإنسان 2013

أظهر التقرير السنوي الثاني عشر للجنة السورية لحقوق الإنسان استمراراً للانتهاكات والجرائم الممنهجة التي يُمارسها النظام السوري منذ آذار/ مارس 2011، حيث شهد عام 2013 بحسب التقرير مجزرة واحدة كل يوم تقريباً، "خلّفت أكثر من 40000 قتيل، وحوالي 100 ألف جريح على أقل التقديرات، واستخدمت السلطة كل الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وحتى البيضاء والمحرّمة".

وقال التقرير إنّ "تجاهل المجتمع الدولي لكل هذه الانتهاكات على مدار الأعوام السابقة، واكتفائه بالتصريحات الخجولة وغير المثمرة، قد أدّى إلى تقويض كل جهود المنظمات الحقوقية في نشر ثقافة حقوق الإنسان من جهة، وفقدان أي ثقة بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ولم يقتصر هذا الأمر على الإنسان العادي، بل تعدّاه إلى العاملين في المجال الحقوقي من أفراد ومنظمات.

وقد ناشدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها "المنظمات الدولية زيادة الجهود المبذولة لتوثيق الانتهاكات المختلفة لحقوق الإنسان، وممارسة كل الضغط الممكن على الحكومات المعنية، من أجل الوصول إلى حل يأخذ بعين الاعتبار المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ولا يساعد الجناة على الإفلات من العقاب، ويحقق العدالة للضحايا، وهي شروط أساسية لأي عملية مصالحة وطنية يمكن لها النجاح".

الإبادة الجماعية: مجازر يومية وصمت دولي

تصاعدت أعمال القتل في سورية خلال عام 2013، وبشكل ممنهج ويومي، نتيجة لعدم اتخاذ أي موقف من قبل المجتمع الدولي، والذي شجّع النظام السوري وحلفاءه على ارتكاب المزيد منها باستخدام كافة الأسلحة.

ولم يقتصر ارتكاب المجازر على القوات الحكومية السورية، فقد سُجّلت مشاركة واسعة وأساسية لقوات لبنانية تتبع ميليشيات حزب الله اللبناني، وميليشيا أبو الفضل العباس العراقية، وقوات من الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى مرتزقة أفارقة وروس وجنسيات أخرى.

وقد وثّقت المنظمات الحقوقية السورية - حسب التقرير- مقتل 41650 سورياً خلال عام 2013، ولا يشمل هذا الرقم الذين قُتلوا من القوات الحكومية السورية أو الموالين لها، حيث أن السلطات السورية لا تقوم بنشر الخسائر العسكرية والمدنية في طرفها، كما لا تشمل أولئك الذي يموتون متأثرين بجراحهم نتيجة القصف والاستهداف، أو الذين يموتون بسبب الأمراض ونقص التغذية الذي سببه الحصار المفروض على العديد من المناطق.

سياسة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري

يُعدّ ملف الانتهاكات المتعلقة باعتقال واختطاف السوريين من أخطر الانتهاكات التي تعيشها سورية، مقارنة مع ملفات القتلى والجرحى والمهجرين.. الخ، باعتباره ملفاً يخلو من المعلومات اللازمة المتعلقة بضحاياه، وما يترتّب على ذلك من اعتبارات قانونية وسياسية وحتى اجتماعية لاحقة، فلا يمكن لذوي الضحية التعامل قانونياً وعاطفياً مع ضحيتهم، بخلاف القتلى الذين يتم الوصول إلى جثثهم.

ورغم حجم ملف الاختفاء القسري في سورية، فإنّ الأرقام والإحصائيات التي تقدّمها منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية هي أرقام تقريبية، ولا يمكن تقديم إحصائيات دقيقة بهذا الخصوص، للصعوبات الكبيرة في عملية إحصاء المعتقلين، وإحصاء المفرج عنهم، وهو أمر قد لا تتمكن من حتى الجهات التي تقوم بالاعتقال!.

وقد شهد عام 2013 حالة إفراج جماعية واحدة، بينما تم الإفراج عن عدد غير محدد من الأفراد والنشطاء، بمقابل عدد غير محدد من حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.

ووثق التقرير حالات قامت فيها الحكومة السورية بعرض اعترافات لمعتقلين، بعضهم من الأطفال والنساء، في برامج مسجّلة على القنوات التلفزيونية الرسمية وشبه الرسمية، ويُعتقد أن كل الاعترافات التي يتمّ عرضها تُسجّل تحت التعذيب، وتهديد المعتقلين بإيذاء أقربائهم، خاصة وأنّ كل المعتقلين الذين يتم عرضهم لم يتم اعتقالهم وفقاً لمذكرات قانونية، ولم توجّه لهم أي تهمة بشكل قانوني، ولم يتم السماح لهم بمقابلة محام، بلقاء ذويهم، ولا يُعرف شيئاً عن ظروف احتجازهم.

سياسة الحصار والعقاب الجماعي

تُعدّ سياسة الحصار من أوسع جرائم الإبادة الجماعية التي استخدمت في سورية منذ بداية الاحتجاجات الشعبية ضد النظام في آذار/مارس 2011، حيث استخدم كنوع من العقاب الجماعي للمدن الثائرة ضد النظام، باعتبار أن هذا العقاب هو الأقل تأثيراً على الرأي العام الدولي، بالتوازي مع تأثيره الواسع على السكان، وكلفته المحدودة جداً بالنسبة للنظام.

وقد خضع أكثر من 25 حيّاً ومدينة في سورية خلال عام 2013 للحصار بشكل كامل، يسكن فيها أكثر من مليون نسمة، بينما خضعت مناطق واسعة لحصار جزئي.

ويُعدّ الحصار على ريف دمشق واحداً من أوسع جرائم الإبادة الجماعية التي شهدتها سورية خلال الثورة السورية، نظراً لاتساع الرقعة الجغرافية التي يشملها الحصار، والعدد الكبير للسكان في هذه المناطق. بينما يُعدّ الحصار على مدينة حمص من أطول فترات العقاب الجماعي في سورية حتى الآن.

انتهاكات الحق في الصحة واستهداف القطاع الصحي

استمرت السلطات السورية خلال عام 2013 باستهداف المستشفيات والمراكز الصحية والمشافي الميداني والكوادر الطبية في كل المناطق التي لا تخضع لسيطرتها. كما استمرت في استخدام العديد من المستشفيات والمراكز الصحية كمواقع عسكرية بشكل كامل أو جزئي، ففي كثير من الأحيان تُستخدم أسطح المستشفيات المرتفعة كمواقع للقناصة، أو مراكز لتجمع وانطلاق المقاتلين والمركبات العسكرية.

كما وثّق التقرير بشكل مفصل التدهور الكبير في الوضع الصحي خلال عام 2013، والذي نتج عن الاستهداف المباشر للقطاع الصحي، إضافة إلى الحصار وقطع الخدمات، حيث عادت العديد من الأمراض السارية والمعدية للظهور في سورية، وخاصة مرض شلل الأطفال، والسل والتيفوئيد والتهاب الكبد الوبائي واللشمانيا.

اللجوء والنزوح: الانتهاكات تترك أثرها على دول الجوار

تفاقمت مشكلة اللجوء بشكل كبير نتيجة لكل الانتهاكات التي مارستها السلطات السورية، ويُقدّر عدد اللاجئين إلى ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص.

وبالإضافة إلى المخاطر الآنية لمشكلة اللاجئين، فإنّ آثار اللجوء والنزوج في سورية سوف تبقى واضحة لعقود ربما، خاصة فيما يتعلق بالانقطاع المدرسي لأكثر من مليوني طالب سوري.

وقد استعرض التقرير أوضاع اللاجئين في الدول المستضيفة خلال عام 2013.

استخدام الأسلحة المحرمة دولياً

لم يتورّع النظام السوري عن استخدام الأسلحة المحرمة، جنباً إلى جنب مع الأسلحة الثقيلة والخفيفة والبيضاء، حيث تمّ توثيق 27 هجوماً بالأسلحة الكيميائية (استخدم في بعضها عشرات القذائف والصواريخ المحمّلة بالأسلحة الكيميائية، كما في الغوطة الشرقية في 21/8/2013)، و7 حالات استخدمت فيها القنابل الفسفورية في عام 2013.

وقد أظهرت التقارير الدولية، والمعلومات التي حصلت عليها اللجنة السورية لحقوق الإنسان توثّق عدد من الجهات الدولية من استخدام الأسلحة المحرمة عدّة مرات، حتى قبل مجزرة الغوطة. لكن غياب الإرادة السياسية حال دون القيام بأي إجراء، بما في ذلك إصدار قرار دولي واضح يدين من يستخدم هذه الأسلحة.

استهداف وسائل الإعلام واستهداف الإعلاميين

شكّل عام 2013 عاماً أسوداً لحرية الإعلام والصحافة في سورية، بحجم الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري من جهة، والتنظيم الذي يُعرف باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (أو اختصاراً باسم داعش) من جهة أخرى. فقد قُتل 57 صحفياً وناشطاً إعلامياً، منهم ثلاثة صحفيين أجانب، واختطف 44 صحفياً وناشطاً إعلامياً، منهم 9 صحفيين أجانب.

استهداف دور العبادة

استمر النظام السوري خلال عام 2013 في استهداف المساجد والكنائس، حيث لم تَسلم دُور العبادة من القصف العشوائي أو الممنهج، كما في الأعوام 2011 و2012. وقد وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان 319 حالة استهداف للمساجد خلال عام 2013 واستهداف 18 كنيسة، منها كنيستان ومسجد تم استهدافهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

ولا تٌبدي الحكومة السورية، أو وسائل الإعلام التابعة لها، أي ردة فعل أو اهتمام بكل حالات استهداف المساجد، ما عدا تلك الرئيسية منها، كما في حالات هدم مئذنتي المسجد الأموي في حلب والمسجد العمري في درعا وهدم ضريح خالد بن الوليد، حيث عمَدت إلى القول بأن قوات المعارضة هي من قام بهذا الأمر.

استهداف الأماكن التاريخية والأثرية

لم تسلم المناطق الأثرية والتاريخية في عام 2013 من استهداف قوات النظام السوري، كما في الأعوام السابقة. حيث تعرّضت هذه الأماكن للتدمير والحرق نتيجة للقصف المستمر والعشوائي. كما تقوم قوات النظام باستخدام هذه الأماكن كمراكز عسكرية.

كما تنشط عصابات من اللصوص في سرقة الآثار السورية، وحتى في التنقيب في المناطق الأثرية، وقد شهد عام 2013 ضبط عدد من الآثار السورية المسروقة في الدول المجاورة.

التعليقات (0)