الانقلاب يعتمد سياسة "
صبغ الحمير"!..
في أيام "الفقر الذكر"، ولم يرد في الأثر أن هناك فقراً مؤنثاً، عرف سكان البادية، ظاهرة سرقة الملابس، والمواشي، والطيور!.
وهناك مواقف فكاهية لهؤلاء اللصوص الظرفاء، لا تزال تتناقلها الأجيال، ويُذكر أن أحدهم كان يمشي في الأسواق، واستوقفه أحد الناس، وهتف في وجهه: هذا جلبابي، وأشار إلى الجلباب الذي يرتديه اللص، والذي خشي من الفضيحة، فقرر أن يتعامل مع الموقف بهدوء.
لقد خلع اللص الظريف الجلباب الذي يرتديه، وقال للهاتف في وجهه، إن عليه أن يرتديه، فإن كان مقاسك فهو ولا شك جلبابك، وفعل صاحبنا، ونظر إلى الثياب وأعاد الهتاف من جديد: هذا جلبابي وأنت لص. وكان رد السارق، جلبابك معك هل هناك أحد أخذه منك؟!.
في هذه الأيام سالفة الذكر، وُجد لصوص تخصصوا في سرقة الحمير، ولتغيير معالم الحمير المسروقة، فإنه يقومون بتغيير لونها، عن طريق صبغها، فيما عُرف بظاهرة الحمير المصبوغة فلا يتعرف عليها بالتالي أصحابها!.
الانقلاب يستدعي إذن ظاهرة "الحمير المصبوغة"، تلك الظاهرة التي تنتمي إلى زمن "الفقر الذكر"، وأيام اللص القنوع، وقبل أن يصبح شعار المرحلة: "إن عشقت اعشق قمراً.. وإن سرقت اسرق جملاً"
فلدينا خمسة استحقاقات انتخابية في مصر، وجاء الفريق السيسي في يوم 3 يوليو ليركلها بطرف بيادته، وسط زفة نصبتها له "فرق العوالم المستأجرة"، وشاهدنا في الزفة المنصوبة ليبراليين، يتحدثون عن أن الشرعية يمثلها الحضور الجماهيري في الشوارع والميادين، وهذه الشرعية تعلو على شرعية الصناديق، على نحو جعل من إرادة الناس التي تم التعبير عنها في انتخابات نزيهة وفي صناديق شفافة، لا قيمة لها مع شرعية وصفتها مبكراً " بعد الرءوس".. رأس.. رأسان.. ثلاثة!.
وقد "غلب حمارنا" ونحن نطلب من الفريق المتمرد على قيادته الشرعية، بأن يحتكم إلى إرادة الناس ويعرض خارطة الطريق على الاستفتاء، وفي مواجهة ما كنا نطالب به، كنا نواجه باستخفاف من قبل "النخبة الفاسدة" التي تعاملت مع شرعية الصناديق على أنها من سقط المتاع، واستمعنا إلى من يقدم نفسه فضائياً بالفقيه الدستوري، يعلن أن العالم الديمقراطي فعلاً هو الذي يعتمد "شرعية الحناجر"!.
بعد أن آمن الناس بأن شرعية الصناديق تنتمي إلى "أساطير الأولين"، فوجئنا باللجوء للاستفتاء، وسط زفة منصوبة، تتحدث عن "شرعية الصناديق"، ولا تعتمد غيرها!.
الانقلابيون، في اعتمادهم سياسة "الحمير المصبوغة"، يدغدغون مشاعر الغرب، الذي كان طوال الوقت يحدثهم عن المسار الديمقراطي، وهو لأنه موالي في غالبيته لهذا الانقلاب فقد كان يستهدف الشكل لا المضمون، ولهذا جاء الاستفتاء وهو يفتقر إلى الحدود الدنيا من النزاهة، ولأنهم كانوا قد نجحوا في انقلابهم "بالبروباجندا"، وبالإخراج السينمائي، فقد زيفوا الحضور الجماهيري وهم يستهدفون إحداث خدعا بشرية، حتى يظن المشاهد أن هناك حشوداً من الشعب تقف في "طوابير الاستفتاء"، و"أخذت الجلالة" بعضهم فقالوا إن هذه الحشود تأييداً للفريق السيسي، مع أنهم يقدمون السيسي على أنه مجرد وزير للدفاع، قد خلى من قبله الوزراء.
ومن المؤيدين للانقلاب من نسمع لهم عبر الفضائيات وهم يتحدثون بصرامة وهم يقولون هزلاً، عندما يقولون إن السيسي ليس أكثر من وزير، وأن من يحكم مصر هو عدلي منصور، مع أن عبد الفتاح السيسي بهذه الصفة قد فقد موقعه وصار من عموم الناس، لأن قرار الانقلاب قضى بحل الحكومة والسيسي مجرد عضواً في هذه الحكومة، ولم يلفت انتباه أحد أن الحكومة كلها قد سقطت بموجب بيان الانقلاب، وظل السيسي وزيراً، وبالقواعد العامة فإنه يكون منصبه شاغرا، لكن لأن الجميع يعلم انه انقلاب، فكان طبيعياً أن يبقي السيسي وزيراً في حكومة تم حلها بالكامل.
ما علينا، فقد فكرت في أن يكون الرد على الانقلابيين وهم يتحدثون الآن عن "شرعية الصناديق"، بالحديث عن الشرعية للمظاهرات والحناجر، لولا أنني أعلم أننا في مواجهة من لا توجد معايير ضابطة عندهم، وأنهم طوال الوقت يستخدمون معايير مزدوجة، فيدينون الإرهاب ويمارسونه، وينددون بعنف الآخرين، وهم يمارسون القتل والإبادة الجماعية.
بعيداً عن الحديث في الشكل، الذي هو قانوناً جزءاُ من النظام العام لا يجوز تجاوزه للموضوع إلا بعد أن يتم استيفاؤه، وهذا الشكل ينص على أن ما بني على باطل فهو باطل، فاننا نجزم بأن أعداد الذين ذهبوا إلى لجان الاستفتاء لا تعد شيئا مذكوراً بجانب الحشود البشرية التي خرجت إلى اللجان للاستفتاء على دستور الشعب في عهد الرئيس محمد مرسي.
ومع هذا فكيف لمن سخروا من شرعية الصناديق أن ينصبوا "فرح العمدة" ابتهاجاً بالاستفتاء على الدستور.
انتبه إنهم يصبغون
الحمار المسروق!