سياسة عربية

فايننشال تايمز: تعصب وقبلية وسلاح في جنوب ليبيا

مسلحون ليبيون في احد الشوارع - أرشيفية
مسلحون ليبيون في احد الشوارع - أرشيفية


قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن جنوب ليبيا تجمع كل العناصر التي تعمل على تأبيد الصراع، سواء كان هذا الصراع قائما على مصادر النفط، أو السلاح أو التهريب أو الاقتتال العرقي.



ووصفت الصحيفة في تقرير نشرته السبت حالة عدم الاستقرار وسيطرة الميليشيات على منطقة فزان الجنوبية وعلى النفطية القريبة منها. وتقول الصحيفة إن هذه الحقول توقفت تماما عن الانتاج لمدة شهرين بسبب اعتصام أبناء الطوارق، ولم يبدأ العمل فيها من جديد إلا هذا الشهر.



وقد زار مراسل الصحيفة حقل الشرارة في وادي مرزوق الذي يضخ في الأوضاع العادية 350 ألف برميل يوميا. ويصف المراسل صعوبة الرحلة لبلدة أوباري، حيث تعذر عليه وعلى فريقه الصحافي الوصول إليها بدون حماية عسكرية و"جيبات" محملة برجال الميليشيات المدججين بالسلاح، ذلك أن الوصول إليها محفوف بالمخاطر بسبب تحول هذه المناطق لساحة تهريب ونشاط للجماعات "الجهادية". وينقل عن إبراهيم موسى قائد الميليشيا أن المشاكل تنبع من تعدد وتنوع الناس في المنطقة. ويقول موسى، الذي كان يعمل في منظمة لحماية الآثار قبل أن يتحول إلى نائب لأمير حرب في المنطقة: "السلاح في يد كل شخص هنا، بقايا القاعدة من الحرب في مالي، المخدرات القادمة من مالي والنيجر والجزائر". 



ويشير التقرير إلى أن هناك صراعا بين قبائل الزنتان للسيطرة على منشآت النفط، ولهذا فقد أصر مقاتلون يقولون إنهم يحرسون هذه المنشآت على استقبال الصحافي ومن معه. وقال "إن الخلافات بينهم كانت واضحة مثل عائلة كانت تحاول إخفاء مشاكلها أمام الضيوف". وسرعان ما ظهرت الخلافات، فالرجل الذي يدير جزءا من حقل النفط رفض السماح للزوار بالوصول لمنطقة معينة لأنه لا يثق بمرافقهم الذي ينتمي لميليشيا أخرى.



وفيما وافق المعتصمون في الخيام على التحدث مع الصحافيين، إلا أنهم خاضوا جدالا فيما بينهم حول من يكون المتحدث باسمهم. وينقل عن مدير موقع الشرارة النفطي قوله "مشكلتنا هي الشبان الذين يأتون هنا حاملين الأسلحة". وتدير موقع الشرارة الشركة الليبية للنفط مع شركة ريسبول الإسبانية. ويقول المدير إن أبناء القبائل لا يمكنهم العمل مع بعضهم "فيما يقوم البعض بإطلاق النار في الهواء، والمشكلة انه لدينا موقع نفطي خطير يحتوي على غازات قابلة للاشتعال". ويشير التقرير إلى أن منشأة النفط تخدم فزان وكل ليبيا لكن "الإوزة التي تفرخ البيض الذهبي يدوس عليها الرجال المسلحون الذين يتقاتلون على حمايتها". ويصف التقرير المنطقة بالغنية بالثقافة والمصادر الاقتصادية لكنها تعيش تناحرا إثنيا قديما، وقد أضيف إلى هذا التناحر حديثا الصراع بين مهربي السلاح. 



ويقول التقرير إن منطقة فزان، التي ظل يتحكم فيها معمر القذافي ويسيطر على مواردها،  تعيش وضعا جديدا بعد رحيله، حيث تعاني الآن من التعصب والعنصرية ضد أبناء المنطقة. وقد وصلت نقطة التأزم في فزان مرحلة حرجة في آذار/ مارس 2012 خلال الفترة التي عرفت بالسبت الأسود، حيث اندلعت حرب شاملة بين قبائل التبو العربية والطوارق البربر. وخلفت هذه الأحداث عددا من القتلى في أحياء مدينة "سبها الفقيرة" التي تعتبر عاصمة الإقليم، وأدى الاقتتال أيضا لإشعال مشاعر الانفصال. ويقول أحد عناصر التيبو الذي يحرس نقطة تفتيش قي جنوب سبها: "لو لم نقف أمامهم لواصلوا إساءة معاملتنا. سنعلن أن المنطقة الممتدة من نقطة التفتيش هذه وحتى الحدود ليست جزءا من ليبيا" مشيرا أن المنطقة هي تابعة لهم.



ويتحدث التقرير عن تاريخ فزان التي تعتبر إحدى المناطق الثلاثة التي شكلت منها ليبيا. وتعتز المنطقة بتاريخ حضاري، ولكن الحياة فيها بطيئة. وينقل التقرير عن صاحب قافلة جمال يقضي شهرين في الطريق من النيجر لسبها "لا حياة هنا".



ويقول الكاتب إن معظم سكان المنطقة يعيشون كالبدو الرحل يتنقلون من مكان لأخر، وعادة ما يتجاهلون وجود الحدود الوطنية. ويشير إلى أن القذافي حرم قبائل الطوارق وعرب التيبو من هويتهم، وأن الحكومة الحالية تواصل هذه الممارسات.



ويقول التقرير إن التعصب ضد هذه المجموعات القبلية عميق، مشيرا إلى النكات التي أطلقها أحد مشايخ القبائل العربية وهو يقوم بإمتاع زواره عن السود.



ويزعم رئيس مجلس مشايخ العشائر في سبها أن القذافي أحضر من النيجر ومالي وتشاد 150 ألف شخص، مضيفا إن مئات الألوف منهم يعيشون أو يختبئون في أوباري وعلى طول الحدود مع تشاد.



وينقل عن سيدة من الطوارق اسمها أمينة إبراهيم: "بالتأكيد لا نزال نواجه تمييزا وليس فقط من الدولة"، ويقول التقرير إن هذه المرأة محرومة من المواطنة مع أنها ولدت وتعيش في بلدة نالوت، وبسبب هذا الوضع فهي ليست قادرة على إكمال دراستها الجامعية.



وبسبب قلة المصادر والفرص يتحول الكثيرون للتهريب، حيث يهربون المواد المدعومة ويبيعونها في الأسواق التشادية والنيجرية ويعودون بقطيع الماشية والجمال. ويعترف  المسؤولون في فزان أن 70% من اقتصاد فزان قائم على التهريب، ويعتبر تهريب البشر من النشاطات المربحة.



 وتنقل  الصحيفة عن أستاذ في جامعة فزان أن المهربين يتاجرون بالمواد الغذائية ثم يعود بالمهاجرين الباحثين عن حياة أفضل، كما يقومون بتهريب المخدرات والكحول والسجائر لبيعها في ليبيا أو الجزائر ومصر. ونمت سوق التهريب خلال الأعوام الماضية خاصة أن طرق التهريب معروفة منذ 100 عام.



 ويتحدث التقرير عن مرحلة ما بعد الثورة التي يرى السكان إن الرواية التاريخية عنها أهملت مساهمات أهل الجنوب خاصة بلدة مرزوق التي يقول أهلها أنهم تحرروا من القذافي في  17 آب/ أغسطس 2011، ومع ذلك لا ذكر لهم؛ "مع أن التيبو كانوا أول من رفع السلاح ضد القذافي في الجنوب" كما يقول أحد أبناء القبيلة. وأضافت الثورة عاملا آخر أدى لانتشار الأسلحة التي نهبت من مخازن النظام وهربت لمالي.



 وينقل عن دبلوماسي غربي في العاصمة طرابلس قوله أن مشكلة الجنوب هي في اعتماد اقتصاده على تهريب البشر والسلاح والمخدرات والسجائر، حيث يوجد في المنطقة، حسب التقرير، عشرة أضعاف ما يوجد في العراق من أسلحة. وعلى ما يبدو فليس هناك خطة اقتصادية تسمح للسكان الخروج من هذا الوضع.
التعليقات (0)