كتاب عربي 21

ليلة ترويع طه خليفة

سليم عزوز
1300x600
1300x600
زمان، قال المطرب الذي لا يحضرني اسمه الآن: " يا حلو قل لي طبعك وأنا أمشي عليه".. والحلو في هذه الأيام الناحسات هو الإنقلاب.

 وأزعم أنه لا يوجد أحد يعرف طبع هذا "الحلو"، لهواة المشي بجانب الجدار حتى يتحاشوا الصدام معه، لاسيما، وأنه انقلاب مجنون، يمكن له أن يقصف ذبابة بصاروخ " أرض – جو"، وأن يصوب نيران مدفعيته علي منديل كيلنكس، بهدف أن يرديه قتيلاً فيشعر بزهو النصر!.

عقب تعيين درية شرف الدين وزيرة للإعلام في سلطة الانقلاب بمصر، عاشت سيادتها اللحظة، وربما غنت مع خالد الذكر سعد الصغير، أغنيته الشهيرة: " النهار دة فرحي يا جدعان"، لاسيما وأن هذا التعيين جاء بعد أن قضت عدة سنوات موظفة علي التقاعد، وهو أمر صعب على وجدان أي امرأة، والمرأة في عالمنا العربي، تخشي الكبر، وليس لي صلة بنساء الفرنجة لكي أعرف كيف يفكرن في مثل هذه القضايا الكبرى!.

ولأني معروف جماهيرياً بعدم إجادة التعامل مع المرأة، فأذكر أنني سألت زميلة كانت علي وشك الخروج على التقاعد الوظيفي عن عدد السنوات المتبقية لها في الخدمة؟ .. فأجابت: ست، وربما خمس سنوات، وفي اليوم التالي كان الموظف المختص يحيطها علماً بأنه أنهى لها إجراءات الخروج علي المعاش، عندها صرخت الصرخة الكبرى، وهتفت كالأطفال: لن أخرج، وكأن الأمر بإرادتها!.

لك أن تتصور مشاعر هذه الزميلة لو أحيطت علماً في اليوم التالي بأنها صارت رئيساً للتحرير؟!

درية بعد خروجها على التقاعد، منّ عليها الانقلاب بمنصب وزير الإعلام، فخرجت تقول إن من يظهرون علي شاشة قناة الجزيرة ليس مرحباً بهم في مصر، كأن مصر من بقايا إرث العائلة.

 لكن مرت الأيام علي رأي "الست" أم كلثوم، وهناك من ظهروا في الجزيرة وعادوا إلى القاهرة فلم يمسسهم سوء، وربما لهذا ظن زميلنا طه خليفة، الذي تزاملنا معاً في جريدة "الأحرار" بالقاهرة سنوات عدة، أن الحساب لن يكون علي الظهور على شاشة الجزيرة ولكن على ما يقوله هو شخصياً، فكان في استضافته ببرنامج " سكرتير التحرير"، يتحدث في المهنة، ومدي الإلتزام بقواعدها، وهو يعلق على المنشور في صحف القاهرة الصادرة في صباح اليوم التالي!.

طه لم يعلم أن الانقلاب يتصرف علي طريقة بوش، من ليس معنا فهو علينا، ولأنه ليس مع الإنقلاب فهو بالقطع والجزم واليقين في الضفة الأخرى، ويسري عليه تهديد الخالدة درية شرف الدين!.

ولقد فات طه خليفة، الذي يعمل الآن بجريدة "الراية القطرية"، أن صحافة الإنقلاب التي تصدر بالقاهرة ليست ملتزمة بقواعد المهنة التي يتحدث عنها، والإنقلابيون يحسبون كل صيحة عليهم، وأن نقد إعلامهم نقد لهم، ومن يفعل هذا فهو مع الدكتور محمد مرسي، وربما من الخلايا النائمة للإخوان المسلمين.

قبل أسابيع، فوجئت بأحد الزملاء يصف طه خليفة بأنه ينتمي للإنقلابيين، وعبثاً حاولت إقناعه بأنه يتخذ لنفسه موقفاً وسطاً، ويبعد عن السياسة ليتحدث في المهنة، ولم يكن دفاعي عن زميلي القديم مقبولاً عند المهاجم له.

طه شخصية عملية بشكل كبير، هو وعبد الكريم حشيش، صديقين عزيزين لي، وكل منهم مختلف عن الآخر في الفكر والتفاصيل، وفي السمات الشخصية، ومن قبل كتبت أنني إذا اعتقلت فإن عبد الكريم سيحمل حقيبته إلى السجن، ويقول إما أن تفرجوا عنه وإما أن تحبسوني معه، فهو عاطفي، على العكس من طه خليفة الذي سينشغل بظروف أبنائي المعيشية، فهو عقلاني.

طه عندما قال لي أنه يفكر جدياً في السفر للقاهرة، لزيارة أسرته ووالدته المسنة في إحدى المحافظات القريبة من القاهرة، وطلب مني النصيحة قلت أن عليه أن يتريث، ولم أضف، ربما لأن لي سابقة في هذا المجال، عندما سألني إبراهيم الدراوي النصيحة فيما يختص بعودته من بيروت الى القاهرة، وكان رأيي أنه لن يحدث له شئ، فعاد ليتم اعتقاله، فقد كان ضد الإنقلاب وقاد حملة ضده في البداية من قناة "اليرموك" في الأردن، وما تيسر من قنوات تلفزيونية في بيروت، لكن طه خليفة لم يهاجم الإنقلاب، فقط هو لم يكن من مؤيديه.

كان هناك مخبرون، جاءوا للسؤال عنه في المنطقة التي يسكن فيها، ولأنهم جهلاء كقادتهم فلم يكونوا مشغولين إلا بعملية ظهوره على الجزيرة، وما يقوله ليس هو لب الموضوع ربما لأنهم لم يفهموه فتصوروه كلاماً ضد سادتهم!.

فجأة اختفي طه من "الفيس بوك" فعلمت أنه سافر إلى بلدته، وهناك وفي كل مرة يختفي من على الفيس بوك، وسألت الله اللطف فيما جرت به المقادير، لكنه مؤخراً أخبرني أنه عاد من القاهرة إلى الدوحة يوم الخميس الماضي، فحمدت الله أنه لم يصبه مكروهاً.

ثم كانت المفاجأة التي وصلت إلى مسامعي أول أمس الثلاثاء، فقد جاء زوار الفجر الى منزله، وأفزعوا زوجته، وأطفاله الصغار، كما أفزعوا شقيقته المريضة ووالدته المسنة!.

سألوا عن طه؟.. فقيل لهم: سافر.. ولم يمنعهم هذا من تفتيش منزله شبر، شبر، وعبثوا بكل شئ، واطلعوا على رسائله مع زوجته على جهاز الكمبيوتر، وطه ليس مطلوباً لأي جهة قضائية، ولا نستبعد أن يدفعوا بجهات التحقيق لطلبه ليستروا علي فضيحته، ومهما يكن فإن مثل هذه الاستدعاءات لا تبيح لأجهزة الأمن فعل ما فعلت!.

في الدساتير المصرية، بما فيه دستور الإنقلاب، للبيوت حرمة، لكن حرمة البيوت جرى العصف بها في "دولة عبد الفتاح السيسي"، الذي جاء حكمه ليؤكد على أنه لاتوجد قواعد في التعامل مع الآخر، والجميع ماعدا المؤيدين للبيادة، واللاعقين لها، هم الآخر.

وليس لنا إلا أن نطالب السيسي بخريطة طريق في التعامل مع الآخر، لينحاز له من ينحاز علي بينة، ويقف في الضفة الأخرى من يقف علي بينة.
التعليقات (0)