لا يكاد ينتهي برنامج حتى يبدأ آخر ولا يكاد يسدل الستار على موسم حتى ينطلق الذي يليه، هذا هو حال برامج اكتشاف
المواهب بنسختها العربية والتي لا تكاد تخلو منها شاشة فضائية من الخليج إلى المغرب العربي، الأمر الذي يثير جدلاً حول ماهية هذا البرامج والقيمة المضافة التي تقدمها للمجتمع العربي.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أنها تقليد أعمى واستنساخ لبرامج غربية بنفس الإسم والطريقة مثل "عرب ايدول" و "عرب جود تالينت" و "ذا فويس" يرى آخرون أنها قد تقدم إضافة ولو بسيطة للمجتمع العربي.
الفنان والمنشد المغربي رشيد غلام يرى أن برامج اكتشاف المواهب في العالم العربي ما هي إلا برامج تجارية أبعد ما تكون عن الثقافة، كما يرى فيها استنساخاً لبرامج من دول غربية تختلف في البيئة والقيم، علاوة على أن الدول التي يستورد منها أفكار هذه البرامج وصلت لمرحلة التخمة العلمية والتكنولوجية وتصنع برامجها بداعي الترف، فيما لا يزال الوطن العربي يعاني من قصور في المجالات العلمية والبحثية.
واعتبر غلام في حديثه لـ"عربي 21" أنه من المؤسف أن تقوم القنوات الفضائية بصناعة نجم وفنان من لا شيء وبوقت قياسي جداً ليصبح فجأة محط اهتمام كل شاب وفتاة مؤكداً على أن الإعلام هو اللاعب الرئيسي في البرنامج على حساب الموهبة والمقومات الفنية.
وعن البديل أشار غلام إلى ضرورة وجود منظومة متكاملة يشترك فيها كل من الدوائر الرسمية في الوطن العربي إلى جانب الإعلام ومؤسسات التربية والتعليم لتحديد وجهة ثقافية تتعدى الترفيه والفرقعات الفنية.
ولا يخفى على المتابع العربي البعد التجاري لبرامج المواهب حيث يتوجب على المشاهدين التصويت والمشاركة بإرسال الرسائل النصية بتعرفة مرتفعة نسبياً، كما يجب تكرار التصويت مرات متتالية ما يضع علامة استفهام حول الدخل المادي الكبير الذي يعود على شركات الاتصالات والشركات الفنية التي توقع عقوداً مع الفائزين.
الموسيقي الأردني طارق الناصر يرى في التنافسية التي تقدمها برامج اكتشاف المواهب أمراً إيجابياً يدعو لتطوير الذات وفرصة لبعض المشتركين للإنطلاق في المجال الذي يبدعون فيه.
غير أنه لا ينفي البعد التجاري لهذه البرامج بالإضافة إلى الجوانب المخفية فيها والتي لا يطلع عليها أحد، علاوة على استنساخ البرامج من بيئة لا تصلح بالضرورة للتطبيق في بيئتنا العربية.
ويلفت الناصر لـ"عربي 21" أن هذه البرامج التي يرافقها ترويج ودعاية صاخبة تحاول استرداد بعض مجد الشاشة الصغيرة بعد انخفاض شعبية التلفاز لصالح بعض وسائل التواصل كالأنترنت مثلاً.
ويبقى البعد الإجتماعي هو الأخطر لكون هذه البرامج موجهة بشكل خاص لشريحة الشباب وصغار السن نسبياً بعيداً عن رقابة الأهل أحياناً وبحضورهم أحياناً أخرى، إضافة إلى البعد الأكبر وهو انفصام هذه البرامج عن قضايا واحتياجات الوطن العربي الملحة.
الإخصائي في علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي وافق على مبدأ إيجاد المواهب الدفينة وإحياء الجوانب الفنية عبر هذه البرامج إلا أنه يرى في الأمر سلبيات أكبر تتمثل في المبالغة بإشغال أوقات الناس فيها إلى جانب التركيز على القضايا التي لا تخدم الأمة العربية.
وشدد الخزاعي خلال حديث لـ"عربي 21" على أن القضايا الخطيرة التي تواجه المجتمع العربي تستحق حجماً أكبر من الدعاية والرعاية كالفقر ومشكلة إدمان المخدرات التي تفسد حياة 12 مليون مواطن عربي إلى جانب الإقتصاد السيء ونقص المياه والغذاء.
ويرى الخزاعي أن الوطن العربي بحاجة إلى إعلام جاد وموجه وإلى مبادرات مجتمعية تعمل بنفس أدوات القنوات الفضائية الكبيرة لاستقطاب المشاهد العربي الذي لديه ما يكفي من المشاكل التي تحتاج إلى حلول.