كانت معالم الرضا تبدو واضحة على محيا سليم ( 16 عاماً )، عندما كانت يقود عربته التي يجرها حصان صباح الإثنين على شارع "السكة" الذي يلف حي "بركة الوز"، الذي يقع في الطرف الغربي من مخيم "المغازي"، وسط قطاع
غزة.
لقد كان سليم، الذي يقطن مخيم "البريج" المجاور، يشعر بالسعادة بعد أن تمكن في غضون ساعة من ملء عربته بالحجارة التي عثر عليها وسط أكوام الركام التي تنتشر على الشوارع التي تؤدي لمخيم "المغازي"، والتي يقوم الأهالي عادة بإلقاء أكوام الركام على جوانبها.
سليم هو واحد من آلاف الأطفال والفتية الغزيين الذين دفعهم تدهور الأوضاع الاقتصادية والحصار إلى امتهان مهنة جمع الحجارة وبيعها للكسارات، التي تستخدم هذه الحجارة في إعادة إنتاج "الحصمة"، التي تستخدم في إنتاج الأسمنت المسلح.
وقال سليم لـ " عربي 21 " إنه يعتبر نفسه اليوم محظوظاً لأنه تمكن من الوصول إلى أكوام الركام التي ألقيت حديثاً قبل أن يصلها غيره من الأطفال والفتية الذين يعملون في نفس المجال.
وأضاف: "أحيانا أمكث 4 ساعات قبل أن أتمكن من ملء العربة، التي أبيعها بمبلغ 10شيكل" (حوالي ثلاثة دولارات).
ويشير سليم إلى أنه معني ببيع ما لديه من حجارة بسرعة، ثم العودة للبيت حتى يتمكن من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، حيث أن دورة دراسته مسائية.
وأثناء حديث "عربي 21" مع سليم، كان شقيقان يمتطيان عربة يجرها حمار يسرعان نحو كومة ركام، تقع في آخر شارع السكة.
ويضطر الفتية والأطفال الباحثين علن الحجارة في بعض الأحيان للمخاطرة بحياتهم، حيث تدفعهم ظروف العمل للبحث عن الحجارة في مناطق التماس القريبة من الحدود الفاصلة بين قطاع غزة و"
إسرائيل ".
فقبل عدة أشهر أصيب ثلاثة أطفال شرق مدينة رفح عندما كانوا يبحثون عن الحجارة في محيط مطار رفح الدولي، بعد أن أطلق عليهم جيش الاحتلال النار بحجة أنهم اقتربوا من الخط الحدودي.
وتحدث " عربي 21 " إلى حسن أيوب، الذي يملك إحدى الكسارات في المنطقة، الذي قال إن الذي يدفع الكسارات للاعتماد على الحجارة في إعداد "الحصمة" هو تواصل
الحصار وتدمير الأنفاق من قبل الجانب المصري ومنع إسرائيل إدخال مواد البناء.
لكن العاملين في مجال البناء يشهدون أن "الحصمة" التي يتم إعدادها بواسطة ركام الحجارة، لا تملك المواصفات الموائمة، وبالتالي تسهم في المس بمواصفات الباطون، مما جعل استخدام هذه "الحصمة" ينحصر في إعداد حجارة البناء، أو في إعداد الباطون اللازم لأعمال البناء البسيطة.
وقد دفع الفقر قطاعاً آخر من الفتية في غزة لامتهان استخلاص الحديد من ركام البيوت المدمرة، وبيعها لأصحاب محلات بيع مواد البناء، حيث أن أسعار حديد البناء مرتفعة، سيما بعد إغلاق الأنفاق.
ولا يزال الكثير من الشباب يستغلون ركام المنازل والمؤسسات التي دمرت خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة أواخر عام 2008 في الحصول على الحديد.
وبخلاف البحث عن الحجارة وجمعها وبيعها، فإن تخليص الحديد من ركام المنازل المدمرة مهمة شاقة تحتاج إلى بذل طاقة كبيرة.
وحسب بيانات " مركز المعلومات الفلسطيني "، فقد بلغت نسبة الفقر حسب الدخل الشهري للأسرة في قطاع غزة 76.9%، بواقع 78.9% بين الأسر التي لديها أطفال، مقابل63.7% بين الأسر التي ليس لديها أطفال، مقارنة مع 47.2% من الأسر في الضفة الغربية فقيرة، بواقع 48.6% بين الأسر التي لديها أطفال مقابل 41.3% من الأسر التي ليس لديها أطفال.