استيقظت
مصر يوم الاثنين على
حادث قطار مروع في منطقة "دهشور" في محافظة الفيوم، راح ضحيته 27 مواطناً و25 مصاباً، وهو أمر تكرر كثيراً في السنوات الأخيرة وكاد المصريون أن يتعودوا عليه.
لكن الحادث المروع هذه المرة يختلف عن عشرات الحوادث التي سبقته، فهو أول حادث من نوعه يقع بعد الانقلاب، وكشف عن كم هائل من
الفساد والفشل والازدواجية لدى حكومة الانقلاب:
كارثتان ووزير واحد
يلقب كثير من المصريين وزير النقل إبراهيم الدميري باسم "وزير الموت"، فهو الوزير الذي حدثت في عهده أكبر كارثة قطارات في تاريخ مصر في شباط/ فبراير 2002 حين احترق قطار الصعيد وراح ضحية الحادث 350 قتيلاً، وقام مبارك بإقالته بسبب فشله في إدارة حركة القطارات.
لكن قادة الانقلاب استدعوه مرة أخرى ليتولى وزارة النقل، بشكل فاجأ الجميع بمن فيهم مؤيدو الانقلاب أنفسهم، وأبدى كثيرون رفضهم للرجل بسبب تاريخه المهني السيئ، فضلا عن كونه عضواً سابقاً في الحزب الوطني الحاكم قبل ثورة يناير، ولم يمر أكثر من 3 أشهر على توليه المسئولية حتى وقع حادث قطار دهشور وتجددت الدعوات لإقالته مرة أخرى.
اتهام المواطنين بالمسئولية
كانت المسئولية في كل حوادث السكة الحديد السابقة تلقى على صغار الموظفين مثل عامل المزلقان أو سائق القطار، لكن الجديد هذه المرة هو تحميل المسئولية للمواطنين، حيث قال وزير النقل - فى بيان أصدره بعد الحادث – إن سلوكيات المواطنين وراء حادث دهشور، مبرّئاً وزارته وهيئة سكة الحديد من أي خطأ.
ولم ينتظر الوزير حتى يتم تشكيل لجنة فنية للتحقيق في الحادث، بل أسرع لتحميل المواطنين المسئولية وأعفى منها جميع المسئولين.
كما ردد رئيس هيئة سكة الحديد حسين زكريا نفس الكلام، وقال إن المواطنين هم من اقتحموا المزلقان وتسببوا في الحادث الدموي.
استخفاف رسمي بالكوارث
وفي هذا الحادث بدت حكومة الانقلاب غير مكترثة بالضحايا، واكتفى وزير النقل بزيارة لمدة دقائق لموقع الحادث، ورفض الإجابة على تساؤلات الصحفيين، واكتفى ببيان يعلن فيه صرف تعويضات لأسر الضحايا والمصابين.
وحسب صحيفة "اليوم السابع"، قال وزير النقل تعليقاً على حادث دهشور إنه "مشغول تماماً ومش فاضي لشغل الصحافة والرأي العام"، وليس لديه ما يضيفه أكثر من البيان الذى أصدره.
أما رئيس الوزراء المؤقت حازم الببلاوي ومحافظ الفيوم فلم يقوما بزيارة مكان الحادث، واكتفى الببلاوي ببيان يعزي فيه أسر الضحايا، وأعرب عن أسفه لوقوع الحادث.
توقف أربعة أشهر
أكثر من 100 يوم توقفت فيها حركة القطارات في مصر عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، في سابقة لم تحدث منذ إنشاء سكة الحديد في مصر قبل 130 عاماً، وبالرغم من معاناة ملايين المصريين بسبب هذا الاجراء التعسفي إلا أن هيئة سكة الحديد لم تستثمر هذه الفرصة التي لن تتكرر لإجراء صيانة للقطارات والمزلقانات.
وقال محمد عبد الستار، رئيس النقابة المستقلة للعاملين بالسكة الحديد، إن مرفق السكك الحديدية فى تدهور مستمر، ولم يتم استغلال فترة توقف حركة القطارات لإجراء صيانة للقطارات، لافتاً إلى أن حال الهيئة أصبح أسوأ مما كان قبل التوقف.
تهوين إعلامي
اتخذ الإعلام المصري عقب حادث دهشور موقفاً وديعاً هادئاً، وتناول الكارثة على استحياء، وفي إطار تغطية خبرية فقط، دون استضافة محللين أو أهالي الضحايا أو عرض مقاطع للمصابين والقتلى مصحوبة بموسيقى حزينة، بل طالب المصريين بالصبر.
لكن قبل عام واحد فقط، تحرك الإعلام بقوة بعد حادث قطار أسيوط، وبالرغم من إصدار الرئيس محمد مرسي بياناً عقب حادث قطار أسيوط العام الماضي وزيارة رئيس الوزراء السابق هشام قنديل ووزير النقل والمحافظ لمكان الحادث فور وقوعه، وزيارتهم للمصابين في المستشفى وتعويض الضحايا بمبالغ مالية وفتح تحقيق فوري ووضع خطة عاجلة لتطوير منظومة الأمان في سكة الحديد، إلا أن كل هذا لم يمنع الإعلام المصري وقتها من الهجوم بشدة على الرئيس مرسي وتحميله المسئولية كاملة، وانتقاده بسبب عدم زيارته للمصابين وعدم تقديمه التعازي بنفسه لأسر الضحايا، وطالبوا بإقالة حكومة هشام قنديل التي لم تكن أكملت وقتها شهرها الرابع. بل إن إحدى الصحف خرجت في اليوم التالي لحادث أسيوط بعنوان كبير "الإخوان قتلة الأطفال" في تعليقها على الحادث، وطالبت برحيل النظام بالكامل.
لكن يبدو أن الأمر مختلف هذه المرة، فهناك انقلاب في البلاد يدافع عنه الإعلام، ويخشى انتقاد السلطة الحاكمة حتى لا يصب ذلك في صالح الإخوان!