سياسة عربية

ما خسائر مصر الأمنية والاقتصادية من اعتراف الاحتلال بـ"أرض الصومال"؟

الإقليم الانفصالي يشكل معضلة استراتيجية للكثير من دول المنطقة بسبب علاقاته مع الاحتلال- جيتي
الإقليم الانفصالي يشكل معضلة استراتيجية للكثير من دول المنطقة بسبب علاقاته مع الاحتلال- جيتي
شارك الخبر
تواجه مصر نهاية 2025، حصارا جيوسياسيا ومخاطر أمنية واقتصادية من كل الجهات تهدد أمنها القومي، وخاصة جبهة الجنوب الأكثر اشتعالا: بالسودان والصومال واليمن وإثيوبيا، وشرقا وغربا: بين غزة، وليبيا، وحوض "شرق المتوسط" شمالا، في أزمات يرى خبراء أنه تتشارك في صناعتها الإمارات والاحتلال، وتبدو فيها القاهرة أقرب للسعودية وتركيا.

ويؤكد متحدثون لـ"عربي21"، أن اعتراف الاحتلال الجمعة، بإقليم "أرض الصومال" الانفصالي، الواقع على خليج عدن يشدد الخناق على مصر، ويمثل إعادة رسم لخرائط النفوذ تهدف إلى إضعاف قبضة مصر على مدخل البحر الأحمر والضغط عليها في ملفات المياه والأمن القومي.

ذلك المشهد وفق المتحدثين، يضع القاهرة أمام اختبار وجودي لقدراتها الدبلوماسية والعسكرية لحماية ممر الملاحة الدولية الأهم "قناة السويس"، ومنع انهيار الصومال والسودان واليمن، ما يدفع بها نحو محور السعودية وتركيا صاحبتي المصالح المشتركة مع القاهرة في البحر الأحمر والسودان والقرن الأفريقي، وبمواجهة أجندات الاحتلال والإمارات التي تُتهم بتغذية بؤر التوتر بالصومال والسودان واليمن وقبلهم ليبيا وغزة.

سد نهضة جديد

وترى القاهرة أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يعد "سد نهضة جديد" على البحر، ويمثل ضوءا أخضر لمنح أديس أبابا قاعدة عسكرية ومنفذا بحريا على خليج عدن، مما يعني حصارا استراتيجيا لمصر من الجنوب، وتعاظم النفوذ الإثيوبي الإسرائيلي المشترك عند مضيق باب المندب ومدخل قناة السويس، وتهديد للأمن القومي المائي من مياه النيل.

وتخشى مصر كذلك أن يفتح الاعتراف الإسرائيلي الذي يأتي بعد أيام إعلان صفقة غاز بين مصر وإسرائيل بقيمة 35 مليار دولار، الباب أمام مخططات تهجير سكان غزة إلى الإقليم مقابل مكاسب سياسية، وكذلك مخاوف الاعتراف لاحقا بدولة في غرب السودان تابعة لقوات الدعم السريع، لذلك لم تنتظر الخارجية المصرية كثيرا حيث نددت بالخطوة فور صدورها واعتبرتها مساسا بسيادة الصومال ووحدته وتهديدا للاستقرار في القرن الإفريقي.


وأصدرت 20 دولة بيانا مشتركا يرفض اعتراف إسرائيل بأرض الصومال، وهي: الأردن، مصر، الجزائر، جزر القمر، جيبوتي، غامبيا، إيران، العراق، الكويت، ليبيا، المالديف، نيجيريا، عمان، باكستان، فلسطين، قطر، السعودية، الصومال، السودان، تركيا، واليمن، فيما غاب الحضور الإماراتي بالبيان.


عجز وإرادة مكسورة

وفي قراءته للمخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية على مصر من اعتراف إسرائيل بأرض الصومال، والتحرك المفترض أن تقوم به القاهرة، وإمكانية استخدام حالة الرفض العربي والإسلامي والأفريقي، تحدث مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، لـ"عربي21".

وقال: "مصر تؤيد حكومة مركزية بالصومال، وهنا يظهر دور اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين، وما أقدمت عليه إسرائيل يمكن استغلاله أفريقيا لعزلها عن القارة ويجب أن تلجأ القاهرة للاتحاد الأفريقي، رغم شكوكي حول احتمال إثارة مصر هذا الملف بالاتحاد القاري مع احتمالات اعتراف أمريكا بأرض الصومال".

اظهار أخبار متعلقة



وأكد الأشعل، أن "تل أبيب تعتمد على الدعم الأمريكي وبعض الداعمين العرب؛ ومصر لا تستطيع التحرك ضد إسرائيل والإمارات لأنهما كسرا إرادتها فهما صانعتي 30 يونيو 2013، وصرفا مليار ونصف دولارا على الأقل وفقا لبعض التسريبات، ولذا فإن ارتباطات مصر بهما يجعلها عاجزة عن التحرك لحماية مصالحها".

ويرى أنه "في ظل عجز مصر عن استخدام أي أوراق ضد إسرائيل والإمارات، يمكن لتركيا وإيران استغلال الوضع لتوسيع دورها بالقارة، ونحن دولة أفريقية صميمة ومصالحنا مترامية الأطراف ولكن عجز النظام الحالي وارتباطاته بإسرائيل والإمارات يقعدها عن حماية مصالح مصر أو مواجهة المصالح المضادة".

"لن يتوقفوا عند هذا"

واتفق، السفير عدلي دوس، مع رأي السياسي التركي أحمد داود أوغلوا، الذي قال عبر "Round table Virtual Webex"، مساء السبت، إن "موقف إسرائيل، جزء من استراتيجيتها لتقسيم الدول الإسلامية وتحييد دول رئيسية عبر محاصرتها"، مشيرا إلى أن احتمال حصولها على منفذ بميناء بربرة يعني محاصرة مصر والسعودية وتركيا".

دوس، أكد لـ"عربي21"، أن "الحديث عن حدود ما يمكن أن تفعله مصر بمواجهة إسرائيل التي وقعت معها معاهدة غاز قبل أيام، ومع الإمارات الشريك الأكبر لمصر السيسي، وإمكانية مواجهتهما غير ممكن مع وضعنا الحالي الذي لا نُحسد عليه، والأزمة الطاحنة اقتصاديا وأمنيا وجيواستراتيجيا".

وعن لجوء مصر إلى السعودية وتركيا والاتحاد الأفريقي وأمريكا لبحث الأزمة، أكد أن "المطلوب خنق مصر بالسيطرة على باب المندب، وعبر السد الإثيوبي"، نافيا أن "يكون لواشنطن دور في الحل"، ملمحا إلى "إعلان ترامب، أنه لن يعترف بأرض الصومال حاليا، وبعد التشاور مع إسرائيل سيقرر، ما يوحي باعتراف أمريكي قادم بأرض الصومال".

ويرى الدبلوماسي المصري، أن "وصول إسرائيل وإثيوبيا لباب المندب له مخاطره"، موضحا أن "التحرك الأخير ثلاثي من إسرائيل والإمارات وذيلهما إثيوبيا"، متخوفا من "تحرك لاحق باعتراف إسرائيل بدولة للدعم السريع غرب السودان"، مؤكدا أنهم "لن يتوقفوا عند هذا، فلهم اتصالات مع ابني خليفة حفتر بشرق ليبيا"، متحسبا لـ"وضع مقلق وكارثي بعد حصار مصر جنوبا وغربا وشرقا".

أهمية الإقليم

ويقع إقليم أرض الصومال بمنطقة القرن الإفريقي الاستراتيجية، ويطل شمالا على خليج عدن بساحل طوله 850 كم، ويحده من الغرب جيبوتي، ومن الجنوب والغرب إثيوبيا، ومن الشرق بقية أراضي الصومال؛ ومساحته حوالي 176 كم مربع، يسكنه نحو 6.2 مليون نسمة مسلمون سُنيون ينتمي أغلبهم لقبلية "إسحاق".

وأصبح ميناء بربرة، بؤرة الصراع الدولي والإقليمي بالقرن الأفريقي نظرا لأهميته الاستراتيجية على خليج عدن حيث يشرف على ممر الملاحة الدولي إلى باب المندب وقناة السويس، وكونه أقرب نقطة ساحلية تربط إثيوبيا (الدولة الحبيسة) بالعالم، حيث يربطه ممر بري بأديس أبابا.

تسيطر على الميناء شركة "موانئ دبي العالمية"، فيما يضم أحد أطول المدارج الجوية بالقارة (بناه الاتحاد السوفييتي سابقا)، ما يجعله قاعدة جوية وبحرية يمكنها السيطرة على جنوب البحر الأحمر.

وترى أمريكا والصين ميناء بربرة بديلا استراتيجيا محتمل لموانئ جيبوتي المزدحمة بالقواعد العسكرية، وتسعى واشنطن التي أكد رئيسها دونالد ترامب أن "الاعتراف بإقليم أرض الصومال يحتاج دراسة"، لمنع بكين من ضم بربرة لمشروع "الحزام والطريق".

وما يثير المخاوف المصرية اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال للحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية، في مسار يدعمه الاحتلال، ما يجعل الميناء نقطة ارتكاز إثيوبية إسرائيلية بتمويل وإدارة إماراتية، ما دفع مصر للتنسيق مع مقديشو وتركيا وجيبوتي لوقف الاتفاق، خلال 2024 و2025.

وخلال الأزمة، سعت أنقرة للوساطة بين الصومال وإثيوبيا للحفاظ على نفوذها بمقديشيو، ومنع تحويل ميناء بربرة لقاعدة منافسة لقواعدها المحتملة في سواكن بالسودان، ومقديشو.

لماذا القاهرة والرياض وأنقرة الآن؟

ودعا سياسيون ومحللون القاهرة إلى تحالف مع الرياض وأنقرة في الأزمة، خاصة وأن مواقفهم تتلاقي حول أزمة السودان بدعم الجيش السوداني بمواجهة ميليشيا الدعم السريع المدعومة إماراتيا، والخميس الماضي، زار رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان تركيا بعد زيارتين قام بهما للرياض، والقاهرة، الشهر الجاري.

كما أن الرسائل القادمة من تركيا تشير لرفض اعتراف تل أبيب بأرض الصومال، وفي الوقت الذي توافقت فيه مواقف القاهرة والرياض الرافضة للاعتراف المتبادل بين إسرائيل وأرض الصومال، تلقى وزير الخارجية المصري رسائل رافضة للقرار من  تركيا، وجيبوتي، لذلك يرى مراقبون أهمية قصوى للتحالف المصري السعودي التركي.

اظهار أخبار متعلقة



يؤكدون أن مصر، تحتاج لظهير سياسي ومالي سعودي، وغطاء تقني (مسيرات) تركي لمواجهة حصارها المائي والحدودي. والرياض، ترى في القوة العسكرية المصرية "العمق الاستراتيجي" الوحيد القادر على حماية سواحلها الطويلة (1800 كم) على البحر الأحمر دون الاعتماد الكلي على واشنطن. كما تجد تركيا، بهذا المحور بوابة لشرعنة وجودها في الصومال وليبيا، وتطبيع علاقاتها بمصالح غاز المتوسط.

وخلال العام 2025، خاضت العسكرية المصرية والسعودية مناورات: "تبوك 6" و"النجم الساطع"، و"الموج الأحمر 8"، والتي اعتبرها مراقبون تحالفا بحريا استراتيجيا بتأسيس "القوة البحرية المشتركة" في أيلول/ سبتمبر الماضي، ورسالة مصرية لأديس أبابا، ورفضا سعوديا لتغيير جيوسياسية البحر الأحمر.

وشهد العام، استئناف التدريب البحري المصري التركي "بحر الصداقة" بمشاركة فرقاطات وغواصات وزوارق صواريخ سريعة ومقاتلات F-16، وتوقيع اتفاقية لإنتاج الطائرة المسيرة التركية "تورخا" بمصر، وانضمام القاهرة لبرنامج المقاتلة التركية من الجيل الخامس "قآن" كشريك صناعي، مما كرس محور (القاهرة- أنقرة- الرياض) كقوة ردع إقليمية.

رئة للاحتلال.. وحزام ناري حول مصر

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاقى الأمر الكثير من السجالات، حيث يرى الكاتب علاء عوض، أن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال فصل في حرب السيطرة على الممرات المائية المشتعلة ببحر العرب، مشيرا إلى أن باب المندب كابوس إسرائيل  والبحر الأحمر رئتها الهامة، ملمحا إلى إغلاق الحوثيين المضيق خلال حرب غزة وإخراج ميناء إيلات من الخدمة.


ووصف الكاتب أحمد سلام، الاعتراف الإسرائيلي بأنه "تغيير بقواعد اللعبة الجيوسياسية"، مؤكدا أن "إثيوبيا المستفيد الأكبر (والخفي)"، ويرى الاعتراف "خطر داهم على أمن قناة السويس، ومصر ترى أن وجود نفوذ إسرائيلي عند باب المندب، ودعم تفكيك الصومال، محاولة لمحاصرة دورها الإقليمي وإضعاف جبهتها بملف سد النهضة".


السياسي يحيى موسى، قال إن "التحكم بباب المندب يعني تحكم شبه كامل بقناة السويس وخليج العقبة"، ملمحا إلى "فقد مصر السيطرة على مدخل خليج العقبة ببيع تيران وصنافير، والآن صار باب المندب أقرب للنفوذ الإماراتي الصهيوني"، مؤكدا أن "الحزام الناري حول مصر يزداد اشتعالا من البر والبحر ليس بغفلة وفشل النظام الحاكم بل بتواطؤه".


الباحث المصري إسلام الغمري، رأى الاعتراف الإسرائيلي "محاولة تأمين موطئ قدم استراتيجي عند مدخل باب المندب، لتعويض عزلتها البحرية المتزايدة، وتماه واضح مع طموحات إثيوبية سابقة لانتزاع منفذ بحري عبر الإقليم نفسه، مشيرا لأهمية التحرك المصري التركي للتصدي لمشروع إعادة رسم خرائط النفوذ العسكري والأمني بأحد أهم ممرات التجارة العالمية.

التعليقات (0)