أعلن وزير الداخلية
المصرية ضبط تشكيل عصابي تخصص في
النصب على المواطنين عبر منصة إلكترونية تحمل اسم "
FBC".
وجاءت هذه العملية بعد تلقي الوزارة بلاغات من 101 مواطن، خلال الفترة من السبت الماضي وحتى الإثنين، بتضررهم من القائمين على المنصة، حيث قاموا بالاحتيال عليهم والاستيلاء على أموالهم التي بلغ إجماليها قرابة مليوني جنيه، بزعم استثمارها في مجال البرمجيات والتسويق الإلكتروني وإيهامهم بمنحهم أرباحًا مالية وهمية.
وكشفت التحقيقات عن تشكيل عصابي يتزعمه ثلاثة عناصر يحملون جنسيات أجنبية ويتواجدون داخل البلاد، ويرتبطون بشبكة إجرامية دولية. وتبين أن المتهمين اتفقوا مع 11 شخصًا لتأسيس شركة وهمية بالقاهرة، بهدف ممارسة نشاطهم الإجرامي والترويج للمنصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق "واتساب"، مقابل عمولات مالية.
كما قاموا بتوفير خطوط هواتف محمولة لتفعيل محافظ إلكترونية ببيانات وهمية، لاستخدامها في تلقي وتحويل الأموال المسروقة، قبل أن يتم إغلاق المنصة ومقر الشركة بشكل مفاجئ.
وبعد تقنين الإجراءات، تم ضبط 13 من المتهمين، وبحوزتهم عدد من الهواتف المحمولة، و1135 شريحة هاتف، وجهاز لاب توب، ومبالغ مالية بقيمة مليون و270 ألف جنيه بعملات مختلفة. وأقر المتهمون خلال التحقيقات بارتكابهم الواقعة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وعرضهم على النيابة العامة للتحقيق.
اختفاء المنصة
وتوالت الشكاوى في مصر خلال اليومين الماضيين، ضد منصة "FBC"، بعد اتهامها بالاحتيال على أكثر من مليون شخص، حيث تُقدّر المبالغ المسروقة بأكثر من 6 مليارات دولار، قبل أن يختفي التطبيق بشكل مفاجئ.
وكانت المنصة التي تعمل في مجال التسوق الإلكتروني، تروّج لنفسها عبر إعلانات مكثفة على الإنترنت، وعدت المستخدمين بفرص استثمارية مربحة من خلال الاشتراك ودفع مبالغ مالية مقابل أرباح مضمونة.
أطلق المتضررون حملة تحذيرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، محذرين من التعامل مع المنصة، ومطالبين الجهات المختصة بالتدخل السريع لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة المالية الجديدة٬ والتي أظهرت شكل جديد مما يطلق عليه في مصر "
المستريح" في إشارة إلى شركات توظيف الأموال والتي تعطي عوائد وأرباح عالية٬ ثم تختفي من السوق.
وأشار موقع "Broker Chooser" الذي يساعد المستثمرين في العثور على وسطاء عبر الإنترنت يناسبون احتياجاتهم٬ إلى أن شركة "Different Choice Fbc Inc"، المرتبطة بالمنصة، غير منظمة من قبل هيئات مالية ذات معايير صارمة، مما يزيد من مخاطر التعامل معها.
اظهار أخبار متعلقة
ما هي منصة "FBC"؟
ظهرت منصة "FBC" كمنصة استثمارية عبر الإنترنت، مدعيةً تقديم فرص ربحية مغرية من خلال تنفيذ مهام يومية بسيطة مقابل عوائد مالية مرتفعة.
وتم إطلاق التطبيق على متجري "غوغل بلاي" و"آب ستور"، واستقطب نحو 15 ألف مستخدم قاموا بتنزيله. واعتمدت المنصة على نظام اشتراكات، حيث يختار المستخدم باقة استثمارية معينة، منها باقة للمشتركين المصريين بقيمة 11 ألف و200 جنيه مصري أي ما يساوي 221 دولار، تتيح ربحًا يوميًا قدره 490 جنيهًا، ومكافأة قدرها 5 آلاف جنيه، مع إمكانية تنفيذ 35 مهمة يوميًا.
وعلى الرغم من التحذيرات الواسعة التي أطلقها خبراء بشأن التعامل مع منصات غير موثوقة مثل "FBC"، تجاهل العديد من الأشخاص هذه التنبيهات، حيث اعتمد المحتالون على استراتيجيات تسويقية جذابة، مستخدمين مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للمنصة، مما أكسبها مصداقية خادعة.
كما استغلوا رغبة الكثيرين في تحسين أوضاعهم المالية بسرعة، مما جعلهم فريسة سهلة لهذه العملية الاحتيالية.
وفي الأسبوعين الماضيين، حذرت تقارير على شبكات التواصل الاجتماعي من أن منصة "FBC" قد تكون استمرارًا لمنصات احتيالية سابقة، مثل منصة "PHD"، التي احتالت على مستثمرين في الأردن بملايين الدنانير.
اظهار أخبار متعلقة
وبعد أن خدعت المنصة العديد من المواطنين واستولت على أموالهم، تقدم المئات من الضحايا في عدة محافظات مصرية ببلاغات رسمية ضد إدارة المنصة، متهمين إياها بالاحتيال والاستيلاء على أموالهم.
وأفاد بعض الضحايا بأنهم باعوا ممتلكاتهم واستدانوا للاستثمار في المنصة، على أمل تحقيق أرباح سريعة. وأوضح أحد الضحايا على منصة "إكس" أنه استثمر مبلغًا كبيرًا من المال بعد مشاهدة إعلانات مغرية تعد بعوائد مرتفعة، لكنه فوجئ بإغلاق المنصة واختفاء أمواله، مما أدى إلى تدهور حالته المالية والنفسية.
استراتيجية "هرم بونزي"
وتعتمد منصة FBC على استراتيجية "هرم بونزي"، التي تعتمد على جذب مستثمرين جدد لدفع أرباح المستثمرين القدامى، دون وجود استثمارات حقيقية. وتعيد هذه الحادثة بتطبيقات سابقة للاحتيال مثل "الرمال البيضاء" و"هوج بول"، التي استخدمت نفس الآلية لاستنزاف أموال المصريين.
ويعود أصل "هرم بونزي" إلى تشارلز بونزي، المهاجر الإيطالي إلى أمريكا، الذي ابتكر هذه الخدعة قبل أكثر من قرن. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون يقعون ضحايا لهذه الأنظمة الوهمية، رغم بساطة آلية عملها.
اظهار أخبار متعلقة
لماذا يقع المصريون في الفخ؟
تواجه مصر بيئة اقتصادية صعبة، حيث يعاني المواطنون من قلة الخيارات الاستثمارية الآمنة. فإما أن يلجأ المواطن إلى البنوك التي توفر عوائد ضئيلة، أو إلى العقارات التي يصعب تسييلها، أو إلى الذهب الذي يتعرض لتقلبات أسعار كبيرة وتعد حيازته والتجارة فيه جريمة لدى النظام المصري.
وأظهرت دراسة أجريت على المجتمع المصري بين عامي 2011 و2018 أن 51.7% من عينة الدراسة تعرضوا لجرائم نصب واحتيال، مع تقارب النسب بين الريف والحضر. كما أن الإناث كنّ أكثر عرضة لهذه الجرائم من الذكور.
ويبقى المواطن هو الخاسر الأكبر، سواء من خلال خسارة مدخراته في التطبيقات الوهمية أو من خلال تقلص قيمتها الحقيقية بسبب التضخم والتعويم المتكرر للعملة.
توظيف الأموال من "الريان" إلى "المستريح"
تعود جذور ظاهرة "المستريح" في مصر إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما برزت ما عُرف بـ"شركات توظيف الأموال"، وأشهرها "الريان"، "السعد"، و"الهدى". كانت هذه الشركات تأخذ أموالًا من "المودعين" بغرض "استثمارها" مقابل عوائد مالية مرتفعة، خاصة مقارنة بأسعار الفائدة المنخفضة التي كانت تقدمها البنوك المصرية آنذاك.
إلا أن هذه الظاهرة انتهت بهروب أو سجن القائمين عليها، بعد أن عجزوا عن الوفاء بوعودهم بدفع الفوائد أو رد أموال المودعين. وتسببت قضاياهم في هزة اقتصادية واجتماعية كبيرة، حيث تبخرت أموال الناس في مضاربات وهمية وتجارة غير مدروسة في أسواق الذهب والبورصات العالمية.
عودة الظاهرة: "المستريح"
وفي عام 2014 عادت هذه الظاهرة إلى الواجهة من خلال أحمد مصطفى، الذي اشتهر بلقب "المستريح"، حيث استطاع جمع أكثر من 53 مليون جنيه من أهالي قريته في صعيد مصر، بوعود باستثمارها في تجارة بطاقات شحن الهواتف المحمولة.
اظهار أخبار متعلقة
إلا أن هذه الأحلام تبخرت أيضًا، حيث تم القبض عليه عام 2015، وحصل على حكم نهائي بالسجن 15 عامًا مع إلزامه برد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدني في قضايا احتيال مالي.
تُعد هذه الحالات مجرد أمثلة على نمط متكرر في مصر، حيث يستغل البعض ثقة الناس ورغبتهم في تحقيق أرباح سريعة، لينتهي الأمر بخسائر فادحة وانهيارات مالية تترك آثارًا اجتماعية واقتصادية عميقة.