منذ إسقاط نظام "حزب البعث" الحاكم في
سوريا لنحو ستة عقود، عقدت
الكثير من المقارنات حيال كيفية تعامل الغرب، وخصوصا الدول البارزة في الاتحاد
الأوروبي، مع زعيم فصائل المعارضة التي صعدت إلى الحكم في سوريا، أحمد الشرع، ومع
الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.
والحال أنّ الأخير تمتع بدعم غربي مفتوح، سياسيا وماليا وعسكريا وإعلاميا
وثقافيا، قاده بداية من مجال الفن إلى سدّة الرئاسة، في تحول غيّر وجه أوكرانيا من
دولة تُعد حليفا موثوقا وعريقا لروسيا، ويجمع بينهما الكثير من الحقائق التاريخية
والجغرافية والدينية والعرقية، إلى خصم أريد له أن يفتح نوافذ لحلف شمال الأطلسي
(الناتو) على الأراضي الروسية المترامية.
وحينما اندلع الصراع بين الحليفين القديمين، فُتحت أمامه أبواب العالم
ومنابره الإعلامية ومنتدياته السياسية والثقافية كي يطل عبرها على العالم بصورة "القديس"
الذي يحارب من أجل شعبه ووطنه، على الرغم من انتهاء ولايته الرئاسية من دون إجراء
انتخابات إلى اليوم واعتباره مغتصبا للسلطة، كما أُغدقت عليه الأموال والأسلحة من
واشنطن والعواصم الأوروبية المؤثرة.
كان تعامل القوى المؤثرة في صناعة القرار الأوروبي مع زعيم السلطة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، مثار جدل في الأوساط الغربية، بسبب ما اتسم به من فوقية فجّة، حيث طالبته منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الحكم باحترام الأقليات التي نكّل بعض من أبنائها بالشعب السوري، واتهمته بـ"الإرهاب" على الرغم من سلوكه المستجدّ والمتواصل للابتعاد عن تلك المظاهر منذ سنوات
فُتحت أمامه أيضا حدود البلاد المتاخمة لاستخدامها كاحتياطي جغرافي تتدفق
عبره المساعدات على أنواعها، ويعبره المواطنون الأوكرانيون نحو الغرب الأوروبي
الذي فتح أذرعه لاحتضانهم، بالإضافة إلى طرد روسيا من كل الهياكل والمنتديات
الغربية والأوروبية، وفي مختلف المجالات، حتى تلك الثقافية والرياضية، كما حُجبت
وسائل إعلامها من أجل عدم إتاحة الفرصة أمام الرواية الروسية لزرع أدنى شك لدى
الرأي العام.
في المقابل، كان تعامل القوى المؤثرة في صناعة القرار الأوروبي مع زعيم
السلطة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، مثار جدل في الأوساط الغربية، بسبب ما اتسم
به من فوقية فجّة، حيث طالبته منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى الحكم باحترام
الأقليات التي نكّل بعض من أبنائها بالشعب السوري، واتهمته بـ"الإرهاب"
على الرغم من سلوكه المستجدّ والمتواصل للابتعاد عن تلك المظاهر منذ سنوات. أضف
إلى ذلك أنّ الدول الأوروبية لم تمنحه الوقت الكافي لتحكم على تجربته.. فبدت
وكأنها تفضّل حكم نظام بشار الأسد على المعارضة برغم حداثة تجربتها.
من بين الأمور الفجة أيضا، زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك،
التي دشنت زيارتها إلى دمشق بالظهور بشكل متعمد أمام عدسات كاميرات المصورين وهي
ترتدي درعا واقيا من الرصاص، للتعبير عن عدم ثقتها بالاستقرار في سوريا، علما أنّ
الأوضاع الأمنية في أوكرانيا ليست أفضل حالا، ومع ذلك لم يظهر واقي الرصاص بهذا
الشكل المستفز في زيارات المسؤولين الألمان والأوروبيين إلى كييف.
علاوة على ذلك، خرقت بيربوك الأدبيات الدبلوماسية وقواعد البروتوكول في
لقائها مع الشرع، من خلال نوعية الملابس التي ارتدتها، والتي لو فعلتها في منتدى
سياسي أوروبي من خارج الدرجة الأولى، لكانت اضطرت إلى تقديم استقالتها، حيث تعمدت
الظهور بهندام غير رسمي، يمنحها صورة أقرب إلى عارضات الأزياء، في رسالة فسرتها
أوساط غربية أنها تضمر نوعا من "الشوفينية" غير المبررة، ناهيكم عما
أثارته وسائل الإعلام الأوروبية حول امتناع الشرع عن مصافحتها، ضاربة بعرض الحائط
كل مفاهيم الحرية الشخصية التي تتغنى بها وتدافع عنها، خصوصا حينما يتعلق الأمر
بالتعرض للرموز الدينية الإسلامية بالرسوم الكاريكاتورية وغيرها.
أما امتناع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الذي كان إلى جانبها خلال
لقاء الشرع، عن مد يده لإجراء المصافحة البروتوكولية مع الأخير، فتلك قصة أخرى. فحينما
مدّ الشرع يده لمصافحته، بدا على الوزير الفرنسي علامات التردد واللامبالاة، فأتت
المصافحة باردة وغير سوية.
بلغت "الشوفينية" الأوروبية ذروتها عبر ما وُصفت بـ"الإملاءات"
التي سعى كل منهما إلى فرضها على الجانب السوري، كشروط لحصول دمشق على دعم أوروبي،
وخصوصا قضية احترام الأقليات وإشراكها في صياغة قرار الدولة، فهل اشترطت بروكسل
على كييف، قبل منحها مساعدات هائلة، ضرورة احترام الأقلية الروسية التي تعاني من
التمييز؟ بالطبع لا.
بلغت "الشوفينية" الأوروبية ذروتها عبر ما وُصفت بـ"الإملاءات" التي سعى كل منهما إلى فرضها على الجانب السوري، كشروط لحصول دمشق على دعم أوروبي، وخصوصا قضية احترام الأقليات وإشراكها في صياغة قرار الدولة، فهل اشترطت بروكسل على كييف، قبل منحها مساعدات هائلة، ضرورة احترام الأقلية الروسية التي تعاني من التمييز؟ بالطبع لا
وهذا من دون إغفال زيارة الوزيرة الألمانية ونظيرها الفرنسي لشخصيات وزعماء
دينيين مسيحيين، بما يعد تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية وخرقا للسيادة الوطنية،
ولا سيما أنهما حرضا زعماء الطوائف المسيحية على المطالبة بتطبيق الفيدرالية،
حسبما أشارت تقارير وتسريبات إعلامية.
في المقابل، ورغم كل ما حصل عليه من ألوان الدعم وصنوفه، فإنّ زيلينسكي
أثبت فشله الذريع، ليس بخسارة رقعة جغرافية واسعة من أراضي بلاده التي صارت تحت
السيطرة الروسية، بل قبل ذلك بكثير، مع تصاعد روائح الفساد التي بلغت زوايا الأرض
الأربع، بما أجبره على تغيير وزرائه وقادته العسكريين باستمرار، دون أن ينجح في
إيقاف مسار الفساد المتصاعد وسط إدارته.
فكثر أثرياء الحرب في أوكرانيا، وظهر السلاح الأمريكي والأوروبي في بلدان
القارة الأفريقية بين أيدي الفصائل والتنظيمات المليشياوية، وكذلك لدى مقاتلي حركة
"حماس" في عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفي أماكن أخرى،
ناهيكم عن التخبط الإداري والسياسات العشوائية والارتجالية، والتي سرعت لحظة
السقوط، وبالتالي ذهب الدعم الغربي، والأوروبي خصوصا، والذي دفع من أموال دافعي
الضرائب أدراج الرياح.
ومع ذلك، فإن
أوروبا لا تزال تبحث في كيفية تقديم المزيد من الدعم المالي
والعسكري إلى كييف، بحجة الثورة والديمقراطية والسيادة الوطنية وحقوق الشعب
والمجتمع، وغيرها من المصطلحات الفضفاضة والجذابة، التي تنطبق على حالة سوريا أيضا
وفق المنظور نفسه، وإنّما مشكلتها أنها بلد ينتمي إلى الشرق ودول ما يعرف بـ"العالم
الثالث"، وهو التعريف الأكثر فوقية وعجرفة، لكنه يبقى معيارا أساسيا في صياغة
السياسات الأوروبية وانحيازاتها على أساس اللون والعرق والثقافة!