مقالات مختارة

الأقصى.. وهدف الاستهداف

ريما كتانة غزال
وكالة الأنباء الفلسطينية
وكالة الأنباء الفلسطينية
اعتاد الفلسطينيون النظر بعين الخطر إلى طقوس واحتفالات اليهود المقامة في أعيادهم ومناسباتهم الدينية أو التراثية؛ لأنها تحولت إلى قواعد أو مواعيد تضعهم أمام سلسلة من الانتهاكات الجديدة؛ من أجل تكريس فكرة احتلالية من شأنها خلق الوقائع الاستيطانية على الأرض وطرح الأطماع السياسية، ولا يخرج عن القاعدة استغلال السياسي للاحتفالات الحالية المقامة بعيد الحانوكا الأنوار، يقوم خلالها المحتفلون بإشعال الشموع أو ما شابه، على مدار ثمانية أيام تبدأ من الخامس والعشرين من كانون الأول.

وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، لا يوفر مناسبة دينية أو تراثية لتنفيذ مخططاته الاستيطانية، وتوظيفها في سبيل تحقيق المكاسب السياسية والدعاية لبرنامجه السياسي والانتخابي، وتحشيد مؤيديه الذين تظهرهم استطلاعات الرأي العام يحافظون على شعبيتهم وحصتهم بالرأي العام، كأحد مظاهر النزوع العام نحو اليمين الديني المتطرف، الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي بشكل عام.

واقتحم بن غفير، على رأس مجموعة كبيرة من أتباعه، باحات المسجد الأقصى؛ بذريعة الاحتفال بعيد الحانوكا، معلنا خطته الاحتفالية في إشعال الشموع على مدار ثمانية أيام، في أداء جديد لا ينفصم عن أهدافه المعبر عنها في جميع الاقتحامات السابقة، وكذلك ينطبق على اللاحقة المنتظرة؛ كونها تحمل معنى سياسيا واحدا بالنتيجة في الخروج بتحقيق ما يصبو إليه، والتطلع نحو فرض التعامل مع الأقصى باعتباره الهيكل، وتوظيفه في خدمة هدف التسليم بالتقسيم المكاني بعد التقسيم الزماني وفرض الواقع تدريجيا.

وهو ما تم الاعتياد على تكريس بعض الممارسات في مناسبات مختلفة تحت ذرائع دينية مضللة، منها إدخال النخيل للأقصى، وغير ذلك من القرابين النباتية والحيوانية، أو النفخ في الأبواق، أو البحث عن الهيكل أسفل قبة الصخرة، بينما في الحقيقة يضع عينه على تنفيذ مشاريع ومخططات استيطانية كبناء كنيس في المكان، بغرض رسْم الوقائع المادية على أرض المسجد الأقصى بقصد تشريع التقسيم المكاني، كما وقع مع تقسيم الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل.  

بقراءة بسيطة لجميع الاقتحامات التي جرت تحت عنوان «البحث عن الهيكل»، يتبين أن الخطة ليست خطة بن غفير وحده، رغم ارتباطها الوثيق بمصالحه ذات الطبيعة السياسية والشخصية، ولا يمكن فصلها عن دعوة وزير التراث والثقافة والسياحة عميحاي إلياهو إلى إحياء عيد الحانوكا في المسجد الأقصى، وهو الذي اشتهر بدعوته لإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة، لتسريع نتائج حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، المترافقة مع دعواته إلى التهجير، معتبرا أن «لا أبرياء في غزة».
اقتحام الأقصى في عيد الحانوكا، يتم بغطاء من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.

لا بد من ملاحظة أن اقتحام الأقصى في عيد الحانوكا، يتم بغطاء من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، رغم محاولاته التقليل من شأن مخاطرها السياسية، معتبرا أن الاقتحام لا يغير من الواقع القائم في المسجد الأقصى أو يشكل مساسا به، رغم أن الاقتحامات المتتالية في القدس تتم في قلب المسجد الأقصى نحو تغييره، في الوقت الذي يملأ الأجواء بضجيج تغيير خارطة الشرق الأوسط الجديد، وتجيير نتائج حروبه العدوانية في المنطقة لصالحه وشخصه، باعتبارها نتاج «إنجازاته» الخاصة في غزة ولبنان وسوريا، ومنها التغيير الذي يتم رسمه على خارطة فلسطين باتجاه السيطرة التامة، متطلعا نحو تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.

بن غفير يستند في اقتحاماته إلى تشكيل تحالف يهودي، مكون من ست وعشرين منظمة يهودية بمنزلة شبكة أمان، حول فكرة وجود الهيكل وتسويغها وترويجها، نحو تحقيق الهدف بالعمل المنظم كطريق إلى تحقيق المآرب، واجدا الصدى الكامل من قبل الحكومة التي تخصص الموازنات اللازمة من أجل حشد المتدينين، وتنظيم وتمويل الاقتحامات وضمان ديمومته وانتظامه، بتوفير اللوازم اللوجستية من أعلام وأبواق ومواصلات، دون اكتراث بردود الفعل سواء المواجهات أو انفجار الصراع الديني، وصولا بسخريته من المواقف الدولية المناوئة.

على الجبهة الأخرى، لا نجد سوى الإدانات والاستنكارات المتفرقة من قبل بعض الدول العربية والإسلامية، التي يبلغ عددها سبعا وخمسين دولة، تتدفأ على مواقف لفظية وانتقائية موسمية، بينما منظمة التعاون الإسلامي، في أحسن الأحوال، تصدر بين فينة وأخرى بعض المواقف اللفظية التي تعطي الانطباعات بالتسليم بوجود الاحتلال وبطشه كقدر، بمعزل عن اتخاذها المواقف المؤثرة، أو عمل ما من شأنه الإضرار حتى لو كان جزئيا بمصالح الدول العظمى، التي تملك مفاتيح التغيير والتأثير، إذا ما تم الضغط عليها بمواقف عملية مباشرة.. فماذا نحن فاعلون؟

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)