مقالات مختارة

ترامب.. هل هو مجنون؟

عبد الناصر بن عيسى
جيتي
جيتي
عندما عرض الفنان العالمي الراحل، شارلي شابلن، في خريف 1940، فيلم “الديكتاتور العظيم”، الذي يروي جنون هتلر، أثار الضحك، عندما قلّد “الديكتاتور”، شكلا، وكلاما، ثم راح يقذف بالونا ضخما، برأسه وقدميه، في حركات بهلوانية بطريقة “شارلو” الشهيرة، أضحكت الحضور وأبهجتهم.. ولكن الفنان العبقري والفيلسوف، شارلي شابلن، عاد ليقول لمتابعيه؛ إنه لم يرِد إضحاكهم بلقطة “هتلر”، وهو يتقاذف البالون بركبته وعقب قدمه، وإنما ليصوّر لهم حقيقة الوضع، وهي أن الرجل لعب فعلا بالكرة الأرضية، وليس الكرة المنفوخة.

كثيرون في العالم، يتابعون بكثير من السخرية، خرجات الرئيس الأمريكي القادم، دونالد ترامب، ومنها رسائل عيد الميلاد، التي “نفخها” في السَّاعات الأخيرة، التي لمّح فيها إلى ضرورة السيطرة على قناة بنما، وضمّ جزر غرينلند، التي هي تحت سيطرة الدانمارك.

وجاوز حدود اللباقة نهائيا مع الجارة الشمالية كندا، عندما وعد شعبها بحياة الرفاهية، لو أصبحت كندا ولاية أمريكية. وبين قفزة وأخرى، كان يعجن اسم الصين مع كل قضية، كما كان يفعل في عهدته الرئاسية الأولى، التي تميّزت بجائحة كورونا، التي جنّنت الرجل، الذي رفض الحجر الصحي والغلق الاقتصادي، بما اعتبره استسلاما أمام كورونا، وقال قولته الشهيرة التي أكدت جنونه: “لا أريد محاربة الداء بداء أشدّ فتكا”.

الدانماركيون والبناميون والكنديون لم يتعاملوا مع كلام الرئيس باللامبالاة والاستهزاء؛ فالرجل يقود القوة العالمية الأولى حاليا، ولا يمكنه أن يطلق سوى مشاريع، وليس حتى رغبات، بدليل أن الدانمارك درست تقوية وجودها العسكري في الجزيرة البعيدة، وردّ رئيس بنما، ولم تتساهل كندا مع خرجة الرئيس الأمريكي.

وفي المقابل، لم نسمع إلى حدِّ الآن أي ردّ من أمة العرب والإسلام، على الرئيس الأمريكي، الذي قال مرة؛ إنه سيسعى لتوسيع خارطة “إسرائيل”؛ لأنه اكتشف أن مساحتها صغيرة، وهو بالضرورة يقصد نهب مزيد من الأراضي الفلسطينية أو الأردنية أو المصرية أو السورية، ولم نسمع عن أي ردّ على الرئيس وهو يحدد موعدا أخيرا لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى حماس، وإلا سيحوّل الشرق الأوسط إلى جحيم.

عندما يقول أكبر مجرم عرفته الإنسانية في تاريخها، وهو بنيامين نتنياهو؛ إن الله قد بعث لإسرائيل، ترامب، ليحقق لها كل آمالها ويجعلها قوة عظمى، فمعنى ذلك أننا أمام واقع جديد، لن يغير الخارطة فقط، وإنما الديموغرافيا، بما فيها من ثقافات وديانات وأعراق.

لقد ضحك العالم إلى حدّ القهقهة ذات يوم من أيام جائحة كورونا، عندما نصح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مؤتمر صِحفي شاهده العالم بأسره، علاج المصابين بفيروس كورونا بحقن أجسامهم بمواد مطهِّرة للقضاء على الفيروس القاتل، بمواد قاتلة، وها هو الآن يصرِّح عن الخطوة “الرئاسية القادمة” في احتلال بلاد جديدة. وبين هذا وذاك، مازال يرمي صدقا الإسرائيليين بالورود، والمسلمين والعرب بالجحيم.. تماما كما صدق ذاك الذي صوّره شارلي شابلن، يلعب بالبالون المنفوخ.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل